رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أرض الجحيم.. «الدستور» تحقق من السودان: مجازر فى كل شارع.. وجثث لا تجد من يدفنها

السودان
السودان

فيما ينشغل العالم بالمجازر التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى فى غزة، يشهد السودان مجازر مماثلة ترتكبها ميليشيات الدعم السريع المتمردة بحق أهالى عدة مدن فى البلاد. 

وتشير الشهادات والصور القادمة من السودان إلى انتهاكات وفظائع وجرائم اغتصاب تحدث فى غفلة من العالم على يد تلك الميليشيات، للدرجة التى دفعت الآلاف من السكان للفرار والنزوج إلى مدن أخرى فى البلاد، فى الوقت الذى يواصل فيه الجيش السودانى حربه على هؤلاء المتمردين. 

وخلال، حديثهم مع «الدستور»، أدلى عدد من السودانيين بشهاداتهم حول الأهوال والمجازر والانتهاكات غير المسبوقة، التى يتعرضون لها على يد المتمردين.

قوات الدعم السريع تقصف منازل المواطنين وتقتل المصابين داخل المستشفيات

«رأينا أهوال يوم القيامة، كان يسقط منا خلال رحلة النزوح العشرات من النساء والأطفال، قوات الجنجويد (الدعم السريع) استهدفت كل شىء؛ حتى شبابيك المنازل سرقوها».. هكذا بدأ «م. أ. ب»، شهادته حول الأحداث فى دارفور، وقال: «إن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم مروعة ضد الأهالى، ونهبت ممتلكاتهم، وهجّرتهم من أراضيهم».

وحكى أنه والد لثلاثة أطفال، ويعمل بالمحاماة، وأصيب بأربع طلقات فى مواضع مختلفة فى هذا الصراع، قائلًا: «بداية الأزمة كانت فى يونيو الماضى، عقب اندلاع الاشتباكات بين قوات الجيش السودانى والدعم السريع فى الخرطوم، وعلى إثرها اجتمع شباب ولاية غرب دارفور مع قيادات الإدارة الأهلية واتفقوا على التقدم بمبادرة مجتمعية تجنب الولاية ويلات الحروب».

وواصل: «بالفعل تجمعت أطراف المبادرة بمنزل أحد المواطنين بوسط مدينة الجنينة، بحضور لفيف من قيادات قبيلة المساليت والقبائل العربية، والقبائل الأخرى بالمدينة».

وتابع: «الأهالى عقب نقاش مستفيض حمّلوا السلطان سعد عبدالرحمن، سلطان دار المساليت، مسئولية المبادرة، والتواصل مع قيادات الأجهزة الأمنية، بحيث يكون أهل المبادرة حلقة وصل بينهم كأهالٍ، وبين قوات الجيش السودانى والدعم السريع، نظرًا لهشاشة الولاية التى لن تتحمل مزيدًا من الإشكالات والصراعات».

غير أن «الاتفاق لم يستمر طويلًا، وهجمت قوات الدعم السريع على الأهالى فى أحياء الجبل، والمنصورة، والمعمورة، والجمارك، حيث قتلت ونهبت كل شىء فى مربعات الجبل ١٣، و١٤، و١٥، وارتكبت عمليات قتل وتهجير للأهالى، وفى اليوم نفسه مات عشرات المواطنين من تلك الأحياء، وفى اليوم التالى توسعت دائرة الهجوم وقتل أكثر من ١٥٠ شخصًا، وكان يومًا عصيبًا، وتم دفن الجثامين ليلًا». 

وأضاف: «الهجوم حدث بالأسلحة والمدفعية، وقُتل فيه الكثيرون، واستمرت هذه الأحداث حتى يوم الجمعة الذى أطلق عليه (جمعة القيامة)، وهو اليوم الذى اتفقت فيه قوات الدعم السريع على إبادة قبيلة المساليت بالكلية، وهو نفس اليوم الذى أُصبت فيه بأربعة أعيرة نارية فى مناطق متفرقة من جسدى كادت تودى بحياتى، وكذلك قتل شقيقى بجانب العديد من الأهل والجيران».

ولفت: «استمر الهجوم والنهب من قوات الدعم السريع وميليشياتها على كل المنازل، وتم نهب وتدمير كل مؤسسات الدولة ومقار المنظمات الدولية والقطاع الخاص، ولم تعد هناك مستشفيات تعمل أو مدارس، حتى مصادر المياه تم تخريبها وإتلافها، واعتلى قناصة (الدعم السريع) الشوارع الرئيسية لتقييد حركة المواطنين، خاصة من أماكن مصادر المياه التى شهدت عمليات قتل للنساء والأطفال عند محاولة جلبهم الماء».

وقال: «اقتحمت الميليشيا المنازل وعملت على تصفية المواطنين داخل دورهم فى حى المدارس والمنصورة، وداهمت عيادات طبية ومستشفيات وقتلت ٩ أشخاص، وهم يؤدون صلاة العصر داخل منزل أحد المواطنين يُدعى إبراهيم أرباب، وكذلك مداهمة منزل المحامى محمد أحمد كودى وحرقه بعد قتله».

وأكد أن الأيام الحالية صعبة جدًا، إذ تمت تصفية العديد من رموز المجتمع بطريقة انتقائية، موضحًا: «من شدة صعوبة الوضع النهار كله يشهد عمليات قتل، وضربًا بالرصاص والقذائف، وليلًا نخرج متخفين لندفن الموتى والقتلى بعيدًا عن بطش قوات (الدعم السريع) وقناصتها، خاصة أنها كانت تستخدم أسلحة فتاكة مثل مدافع الهاون، والآر بى جى والأسلحة المتطورة الأخرى، فالحركة نهارًا كانت شبه مستحيلة، ولذلك كنا ليلًا نجهز جثامين القتلى استعدادًا للذهاب لدفنهم ليلًا، وفى اليوم الذى قتل فيه الوالى لم نستطع أن ندفن القتلى، جهزناهم فقط، ولم نتمكن من دفنهم وتركناهم فى أماكنهم».

وواصل: «كنا نلجأ إلى المياه ونضيف لها الملح ونغليها على درجة حرارة عالية، لكى نطهر الجروح والإصابات لعدم وجود محاليل أو أدوية أو أى مستلزمات طبية»، مشيرًا إلى أن هناك أعدادًا كبيرة تم قتلها داخل المستشفيات والمراكز الطبية على يد قوات الدعم السريع، مضيفًا أن الفرق الطبية كانت تبذل مجهودًا كبيرًا بأقل الإمكانات والموارد حتى تنفذ حياة الأهالى.

وبيّن أن المعاناة اليومية تتمثل فى الحصول على الطعام والمياه، موضحًا: «يومان كاملان لم نحصل على مياه، والأكل عبارة عن (البليلة)، وهى وجبة يتم تحضيرها بإضافة الخبز أو الأرز فى الماء أو أى سائل، ونتناولها حتى نستطيع مواصلة الأيام، وكنا نتناول وجبة واحدة فقط».

وقال: «السيدات كانت تساعد الفرق الطبية فى العيادات والمراكز الطبية التى نهبت وسرقت، من خلال صنع الشاش من الملابس؛ حتى تستطيع الطواقم الطبية معالجة الجرحى بالماء والملح وقطع القماش».

وأضاف: «تكمن الصعوبة فى الانعدام التام لمياه الشرب، نحن نبحث عن ماء فقط لنتجرعه ونلين به جوفنا، كنا بهذه الحالة تحت حصار الجنجويد لمدة شهرين فى منطقة تكاد تبلغ مساحتها كيلومترًا مربعًا، تجمع بها أهالى أحياء الثورة والبحيرة والتضامن والجبل، وجزء من الجمارك، والمدارس الشرقى».

واستكمل: «لك أن تتخيل أن كل أهالى تلك المناطق تجمعوا فى كيلومتر مربع فقط، وأعداد الأهالى كانت بالملايين، ولكن سرعان ما بدأ الهجوم علينا بالقصف بالمدافع الثقيلة والمسيرات، وأصبحنا يوميًا نودع عشرات القتلى، إلى أن قررنا التحرك نحو تشاد غربًا، ووصلنا لمقر قوات شرطة الاحتياطى المركزى».

وتابع أن «هذا اليوم كان نفس اليوم الذى قتل فيه والى ولاية غرب دارفور، ولكن الوضع هناك كان غير آمن، بسب تجمع أعداد كبيرة من ميليشيات القبائل التابعة للدعم السريع».

وأكمل: «قررنا التوجه إلى أردمتا ليلًا، والجميع تحرك فى مسار واحد عقب المغرب حتى اليوم الثانى الساعة ٥ صباحًا، فى مشهد كأن الناس على الصراط، الحركة بطيئة جدًا من هول وزحمة المواطنين والإرهاق، وبدأ الأطفال يتساقطون فى الطريق من الإرهاق ومشقة التنقل، حتى وصلنا حى الشاطئ ووجدنا ميليشيات الدعم السريع تعترض الموكب وأطلقت النار علينا فسقط من سقط، بينما الآخرون دخلوا الوادى الملىء بالماء».

وأشار إلى أن هناك العديد من الأطفال والنساء غرقوا داخل الوادى بالتزامن مع إطلاق رصاص الميليشيات، وبدأوا مرة أخرى فى ملاحقتنا، وبدأ القناصة فى استهدافنا وتساقط العديد منا بين قتيل وجريح، ولم يكن هناك شخص واحد دون إصابة أو فقد أحد أفراد أسرته».

وتابع: «فر الناجون بأرواحهم وتركوا كل أمتعتهم متناثرة فى الأرض، وقرروا مرة أخرى التوجه إلى تشاد، وهذه كانت الطامة الكبرى، فعلى امتداد شوارع المدينة نصبت الميليشيات كمائن للمواطنين وبدأت فى عمليات التصفية».

وقال: «كانت تنقل الجثامين بالعربات ويتم رميها فى المستنقعات، وهناك من مات فى طريق تشاد ونهش جثمانه الكلاب والضباع، والمؤسف أن هذه الميليشيا لم تتوقف عن قتل الناس فحسب، بل نهبت المنازل بالكلية ونهبت حتى سقوف المنازل والأبواب والشبابيك، وعملت على تجميعها بمنازلها ومقراتها، كما جرفت معسكرات النازحين ومراكز الإيواء».

وحول رحلة الخروج، أكد: «كانت مدينة أدرى التشادية، تبعد عنا ٢٥ كلم، ولكن فى طريقنا كان هناك عدد كبير من الميليشيات المنتشرة تطلق الأعيرة النارية علينا، وهناك من أصيب ولم يستطع أحد إنقاذه حتى فارق الحياة نتيجة للنزيف الحاد».

وأكمل: «كان هناك من يحمل جريحًا على ظهره، وقتل الاثنان معًا، وحتى الآن الأسر التى وصلت مدينة أدرى الكثيرون منهم لا يعرفون مصير ذويهم، وأغلب الذين وصلوا تشاد وصلوها سيرًا على الأقدام ليلًا متفادين الشوارع الرئيسية، وعلى الرغم من ذلك تم اختطاف مجموعة من الشباب عند الحدود فى أثناء العبور، ومنهم من قتل ومنهم من تمت إعادته لمعتقلات الجنينة».

وأشار إلى مكان يسمى «بوابة أديكونق»، الذى تتمركز فيه مجموعة كبيرة من «الجنجويد» التى تجمع المعلومات عن أبناء قبيلة المساليت، وكل من تم القبض عليه حينها كانت تسأله هل أنت مسلاتى، وإذا رفض الإقرار، تمارس معه أبشع طرق التعذيب، ومنهم من فقد حياته جراء الضرب، مضيفًا: «لم يعد هناك مكان أو جهاز لتحرير البلاغات، وأصبح البلد خاليًا من كل شىء، لا جهاز تنفيذيًا، ولا تشريعيًا ولا حتى القضائى، فقط بقى الجنجويد».

مراكز الإيواء تكتظ بالنازحين.. والمجاعة تقترب 

كشف الناشط الحقوقى أحمد عبدالله إسماعيل، رئيس منظمة شباب من أجل دارفور «مشاد»، أن المعسكرات ومراكز الإيواء تكتظ بالنازحين واللاجئين، وهناك صمت دولى وتجاهل تام لما يعانيه السودان من كارثة إنسانية جسيمة، بسبب الصراع المسلح بين الفرقاء، وانعدام الغذاء والمياه الصالحة للشرب.

وقال: «الوضع الإنسانى كارثى، وإن لم يتدخل المجتمع الدولى لإنقاذ السودان، فإننا نتجه إلى مجاعة كبرى ستنضم لسلاح قوات الدعم السريع فى قتل الأبرياء»، موضحًا أن إقليم دارفور شهد ٣ مجازر بشعة وعمليات تطهير عرقى وإبادة ممنهجة للسكان نفذتها قوات «الجنجويد»، الأولى فى ولاية غرب دارفور، وراح ضحيتها أكثر من ٦ آلاف مواطن، والثانية مجزرة بمحلية ولاية وسط دارفور، راح ضحيتها أكثر من ٢٠٠ شخص، والثالثة هى مجزرة أرض مطا المشهودة التى راح ضحيتها أكثر من ٦٠٠ شاب.

وأضاف: «هناك اعتقالات وتصفيات يومية تنفذها ميليشيا الدعم السريع منذ سيطرتها على إقليم دارفور، بجانب إعدام ١٦٠٠ شاب رميًا بالرصاص، ناهيك عن المعتقلين الذين يتم قتلهم يوميًا فى الطرقات وفى منازلهم؛ بحجة أنهم لا ينتمون إلى القبائل المؤيدة للدعم السريع».

وعن استخدام الاغتصاب كوسيلة من وسائل العقاب الجماعى، قال: «هناك آلاف الفتيات والنساء تعرضن للاغتصاب على يد ميليشيا الدعم السريع، وهناك حالات كثيرة أصيبت بصدمات نفسية فى إقليم دارفور، وأصبن بيأس كبير، واختارت بعض الحالات الانتحار، بجانب وفاة أكثر من ٥٣ سيدة نتيجة الاغتصاب الحاد والمتكرر والمستمر لفترة طويلة».

وتابع: «ترفض النساء التحدث مع أى وسيلة إعلامية أو مركز أو جمعية حقوقية؛ بسبب حالة اليأس التى سيطرت عليهن، خاصة أن تلك الجمعيات ووسائل الإعلام لن تستطيع إنصافهن أو تعويضهن عما حدث معهن».

واختتم: «لم تشهد أى بقعة فى العالم ما شهدته أرض دارفور من مجازر وممارسات دموية بشعة نفذتها قوات الدعم السريع بحق الأبرياء، حيث قتلت الأبرياء ببشاعة وفظاعة ومثلث بالجثث، وقطعتها لقطع صغيرة، وربطت الجثث بذيول السيارات وطافت بها فى الطرقات، وجمعت الجثث فى حفر، وأشعلت فيها النيران».

اغتصاب للسيدات وسرقة السيارات وتهجير قسرى للمواطنين الأبرياء

أكد الباحث السياسى السودانى، مجدى عبدالعزيز أن المجزرة الإرهابية التى ارتكبتها الميليشيا المتمردة فى «ود النورة» تضاف إلى سجل انتهاكاتها المستمرة التى كان أبرزها جريمة الإبادة الجماعية التى وقعت غرب دارفور ضد قبيلة المساليب، والتى قُتل فيها والى ولاية غرب دارفور عبدالله أبوبكر.

وأوضح أن الميليشيا انتهكت كل قرى ولاية الجزيرة، والأسباب الرئيسية لهذه المجزرة هى ارتداد للهزائم التى تلقتها فى أم درمان وبحرى والفاشر وفى مناطق عديدة، حيث تتصدى القوات المسلحة والقوات المشتركة وكتائب المستنفرين بقوة للميليشيا فى عدة مواقع لدحر هذا العدوان على المواطنين، الذى أخذ ينتهج أساليب قذرة مثل الاغتصاب.

وأضاف: «(ود النورة) منطقة بين مدينة المناجل، ثانى أكبر مدن ولاية الجزيرة، وبين ولاية النيل الأبيض التى تربط الطرق إلى جنوب وغرب السودان، ومن أسباب وأهداف هذه المجزرة كسر إرادة الشعب السودانى وكسر إرادة المقاومة الشعبية، كما تريد الميليشيا المتمردة أن تدق إسفينًا بين المواطنين وبين القوات المسلحة».

وتابع: «مارس إعلام تلك الميليشيا التضليل بأن القوات المسلحة غير قادرة على الحماية، لكن بالأصل هذه المنطقة ليس فيها جيش، كانت فيها شرطة وسلطات قانونية.. هى مدينة مثلها مثل مناطق ولاية الجزيرة والمناطق الزراعية».

وأوضح أن هذا ليس تطورًا فى مسار الحرب بل هو رد فعل لهذه الهزائم، كما أن الميليشيا تعمل بنظام حرب العصابات، وتدخل مثل هذه المجموعات للقرى، ليس بغرض الاحتلال، لكن للنهب والسلب، وهذا ما حدث فى كل قرى الجزيرة من اغتصاب للحرائر وسرقة السيارات وتهجير المواطنين، وهذا بُعد آخر يُضاف إلى بُعد المصالح الدولية، لأن الميليشيا أداة لقوى خارجية.

وتابع: «بينما يتحدث الناس عن أن السودان سلة غذاء العالم أو العالم العربى، يشار إلى مشروع الجزيرة الزراعى، لأنه الأكبر فى إفريقيا بمساحة ٢ مليون فدان، وهناك استهداف لتهجير سكان هذه القرى وإسكان المرتزقة القادمين من غرب إفريقيا، فى محاولة للتجريف الديموغرافى، وهذه الجرائم يتحملها داعمو الميليشيا الذين صدرت بحقهم تقارير الأمم المتحدة، مثل تقرير لجنة الخبراء، لأنهم يمدونهم بالأسلحة، وكذلك يرعون الحملات الإعلامية التى تروج لمشروع الميليشيا فى إطار ما يُعرف بصراع النفوذ والمصالح الذى يستهدف السودان».

الميليشيات تنهب الأسواق والمحال

قالت «ز. م»، من الجنينة، إنها حاولت الهرب من المدينة أكثر من مرة، ولكن لم تنجح بسبب قصف ميليشيات الدعم السريع وانتشار القناصة فى كل مكان، وبسبب خوفها على أطفالها، حاولت الهرب مجددًا، وبالفعل نجحت فى الوصول لمدينة أدرى فى تشاد رفقة بعض الجيران.

وأضافت: «زوجى لا يزال عالقًا فى الجنينة، وفقدت نسبة كبيرة من وزنى بسبب عدم توافر الطعام والمياه الصالحة للشرب، فكنا نعتمد فى غذائنا على البليلة فقط، وهى غير متوافرة، نظرًا لنهب الجنجويد الأسواق والمحلات التجارية، وكنت أتناول فقط ما يتبقى من طعام أطفالى».

وتابعت: «تحركت مع رفيقاتى بسيارة من نقطة خارج الجنينة، تاركة خلفى زوجى، لأن الرجال يقتلون أثناء فرارهم مع أسرهم، ولا أدرى ماذا حل به منذ مغادرتى، والميليشيات تسأل الفارين عن قبائلهم، ولا تسمح بعبور الفارين من قبيلة المساليت، فيما يخضع باقى الفارين من القبائل الأخرى للتفتيش من خلال أكثر من عشر بوابات خلال مسافة ٣٠ كيلومترًا فقط».

ضحايا «ود النورة» لم ينقذهم أحد لمدة ١٢ ساعة

وصف الكاتب والصحفى السودانى، طاهر المعتصم، المعركة التى دارت فى قرية «ود النورة»، التابعة لولاية الجزيرة، بأنها الأكثر فظاعة منذ اندلاع الحرب، بعدما تجاوز عدد القتلى فى هذه المجزرة الـ٢٠٠ قتيل.

وقال «المعتصم»: «هذه المعركة أبكت السودانيين داخل وخارج السودان، لأنها المجزرة الأكبر فى المنطقة حتى الآن»، مشيرًا إلى أن «ميليشيات الدعم السريع نفذت هذه المجزرة على بعد ٤٠ كم من مواقع توجد فيها قوات من الجيش، لكن لم يتدخل أحد لإنقاذ المواطنين الأبرياء، لمدة ١٢ ساعة كاملة، وفق شهود عيان». وأضاف: «استهداف (الدعم السريع) المدنيين مؤكد، ويتزايد يومًا بعد يوم، دون أن يجدوا من يحميهم. فى الوقت ذاته المخاوف كبيرة من تحول الحرب إلى صراع دولى وليس إقليميًا فحسب، خاصة بعدما ذهب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالى، مالك عقار، إلى موسكو، وتحدث عن مركز ملاحى أو نقطة تزود بالوقود فى بورتسودان، وهو استدعاء لدخول روسيا إلى مياه البحر الأحمر».