عمال ورش مسابك النحاس بالإسكندرية وسط لهيب الأفران وحرارة الجو
رغم حرارة الجو المرتفعة خلال أيام الصيف، والتي تجعلنا لا نستطيع الإبتعاد عن مصادر التهوية سواء التكييفات أو المراوح، هناك العديد من العمال يعملون أمام ألسنة اللهب وأفران شديدة الحرارة، في ورش مسابك النحاس بالإسكندرية، المهنة والحرفة اليدوية التي ما زالت تقاوم الاندثار لإنتاج قطع فنية ذات جودة عالية.
بداخل مسابك النحاس بمنطقة اللبان بالإسكندرية رصدت "الدستور" في بث مباشر تفاصيل العمل بداخل المسابك، خلال موجة الحر الحالية، للتعرف على حياة العاملين المحاطين بحرارة النيران ولهيب أفران صهر المعادن.
يقول رجب عبد العزيز، صاحب احدى ورش سبك النحاس بمنطقة ورش المسابك في الإسكندرية، إنهم اعتادوا على العمل في درجات حرارة عالية، صيفًا وشتاءً، حيث أن شدة الحرارة بداخل المسابك تفوق درجة حرارة الجو بأضعاف وخاصة في المكان المخصص لصهر المعادن.
وأضاف ل" الدستور" أنه يعمل في المهنة منذ 50 عامًا، حيث بدأ في تعلمها وهو في مرحلة الطفولة بجانب دراسته، وزاد شغفه بها وحبه للصنعة وأصبحت هي مهنته على مدار سنوات طويلة.
وتابع: برغم أن تلك المهنة شاقة ولكنها حرفة وفن يجب الحفاظ عليه من الإندثار، حيث أن القطعة التي يتم إنتاجها في الورشة تنفذ من البداية للنهاية بشكل يدوي تمامًا، وبجودة عالية تعيش لسنوات طويلة، ولا يمكن مقارنتها بالقطع المستوردة التي تكون منخفضة الجودة، مؤكدًا أن كل ما هو يدوي يحظى بإهتمام وجودة في العمل وهناك من يقدر ذلك.
وأوضح أن تصنيع منتج في الورشة ينقسم لعدة مراحل بداية من طبع القطعة المطلوبة بداخل القوالب الرملية وتجهيزها للمرحلة الثانية وهي صب النحاس المنصهر بداخل تلك القوالب، ثم عقب تماسها يتم صنفرة الأجزاء الزائدة لتدخل مرحلة جديدة في ورشة أخرى مسؤولة عن التنظيف والتلميع لتكون تلك اللمسات النهائية قبل التسليم.
وأشار إلى أن "فرن الصهر" من أصعب مراحل العمل، بسبب درجة الحرارة العالية والتي تصل ل360 درجة مئوية، ويقف أمامها العامل لمتابعة صهر المعادن وإزالة الشوائب، حيث يتم إحضار خردة النحاس وفرزها ثم توضع في وعاء مخصص يتحمل درجات الانصهار ويوضع في فرن صهر النحاس والذي يصبح سائل يصب عقب ذلك في القوالب الرملية التي طبع بها شكل القطعة المطلوبة.
ولفت إلى أن الورشة مخصصة لسبك النحاس فقط وهو أصل مسابك النحاس في المنطقة، ولكن في بعض الأوقات يكون هناك طلبيات من الألومنيوم يتم إنتاجها ايضا، مشيرًا إلى أن القطع التي يتم إنتاجها تشمل اطارات البراويز والمرايات ومقابض الآثاث والنجف، وغيرها من الأعمال النحاسية.
وأشار إلى أن كافة العاملين بالورشة مدربين منذ سنوات طويلة على العمل في كافة المراحل سواء أمام فرن الصهر أو في تجهيز وطبع القطعة في القوالب أو صب النحاس وذلك بسبب قلة العمالة حاليًا، لافتًا إلى أن الشباب لا يدركون معنى تعلم حرفة يدوية أو صنعة، وأن تلك المهنة تعاني من عدم وجود عمالة صغيرة يمكن تدريبها لخروج جيل جديد مستقبلًا، حيث أن كافة العاملين شبوا في الورشة.
وطالب “ عم رجب” بالتوعية بأهمية الحرف اليدوية، حيث أن الشباب الصغير يبحث عن العمل السهل حتى وإن كان بدون مستقبل، ولكن الصنعة هي مستقبل لذلك كان ابائنا يحرصون على تدريبنا منذ الصغر في الورش المختلفة لنمتلك صنعة نورثها ونحافظ عليها.
وقال محمد محمود أحد العاملين في الورشة، أنه بدأ العمل منذ 34 سنة، وتعلم المهنة بكافة مراحلها، مشيرًا إلى أنها مهمة شاقة، ولكن هي صنعته التي تدرب عليها منذ صغره حتى أصبح محترفًا بها.
وأضاف ل" الدستور" أنه يعمل منذ العاشرة صباحًا وحتى الخامسة مساءً، ويمكنه العمل في كافة المراحل سواء القوالب الرملية أو فرن الصهر، أو الفرز وغيرها، مشيرًا إلى أن العاملين بداخل المسابك لا يشعروا بدرجة حرارة الأجواء لأنهم في درجة حرارة مرتفعة جدًا يعملون بها في الحر الشديد والشتاء وأيام الصيام، “فهو عملنا الذي اعتادنا عليه ولقمة عيشنا”.
وتابع ياقوت محمود الحديث بأنه منذ 30عامًا وهو يعمل في ورشة سبك النحاس، حيث تعلم الصنعة وهو في سن صغير رغبة في تعلم مهنة وحرفة، وهذا كان التفكير السائد بين الجيل الأكبر وهو أن الحرفة اليدوية مستقبل، مشيرًا إلى أن الجيل الحالي لا يبحث عن ذلك.
وأوضح أن العمل في المسابك صعب وشاق ولا يعرفه جيدًا إلا العاملين به، موضحًا أنهم يعملون في درجة حرارة مرتفعة جدا، والعمل يحتاج جهد كبير، قائلًا: “نحن نصنع القطعة من بدايتها لنهايتها يدويًا دون تدخل أي آلة بل نعتمد على صحتنا وحرفية العامل حتى خروج المنتج بشكل جيد”.