رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طارق الخولى: محمد البلتاجى قال لى «هنحكم مصر 300 سنة»

طارق الخولى
طارق الخولى

قال طارق الخولى، وكيل لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب، إن وصول جماعة «الإخوان» الإرهابية للحكم فضحها أمام الشعب، الذى كان يتوسم فيها الخير، ويظن أنها جماعة تنحاز إلى البسطاء والفقراء، فتبين له فشلها، وسوء إدارتها، واستغلالها الدين لتحقيق أجندتها.

وكشف «الخولى»، خلال حواره مع الدكتور محمد الباز، فى برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، عن أن جماعة «الإخوان» اشترت فيلا أمام مبنى وزارة الداخلية، وحولتها إلى مقر رئيسى لحزب «الحرية والعدالة» كيدًا فى الوزارة.

وأشار إلى أن أسامة ياسين، القيادى الإخوانى وزير الشباب والرياضة فى فترة حكم الجماعة، كان يقدم إغراءات عديدة لشباب وقيادات الحركات المدنية والثورية لتجنيدهم، من بينها ضمهم إلى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وتعيينهم فى المجالس القومية.

■ فى البداية ونحن نوثّق شهادات ٣٠ يونيو.. دعنا نتحدث عن الأجواء فى فترة حكم الإخوان؟

- أتذكر أنه فى هذه الأيام عشنا حالة قلق كبير على بلدنا، لم نكن نفكر فى أمننا الشخصى، لم نخف على حياتنا أو على أسرنا وأولادنا، لأن بلادنا كانت الهَم الأكبر، وكان لدينا قلق أكبر من أن المواطنين الذين نزلوا فى ٢٠١١ من الممكن أن يكونوا سببًا فى وصول الإخوان إلى الحكم.

والإخوان فصيل سياسى نجح فى أن يستولى على الحكم، ونحن نتحدث عن فصيل لا يمتلك عقيدة وطنية وليست لديه فكرة الوطن، ولديه مرشد قال كلمة شهيرة: «طز فى مصر»، فالجماعة للأسف لا يهمها مصر فى شىء، وكل ما يهمها هو بناء دولة الإخوان.

■ ما تفاصيل لقائك مع أسامة ياسين القيادى الإخوانى وزير الشباب والرياضة فى ذلك الوقت؟

- بعد وصول محمد مرسى إلى الحكم، الإخوان اشترت فيلا أمام وزارة الداخلية كيدًا فيها، وجعلتها مقرًا رئيسيًا لحزب «الحرية والعدالة»، وما علمته أنها كانت تحدد من مقرها الأماكن التى كان يتم حجزهم أو التحقيق معهم فيها قبل وصولها للحكم.

فى ذلك الوقت كانت هناك مساعٍ من أسامة ياسين لدعوة القوى الشبابية، وكنت على رأس حركة احتجاجية شهيرة حينها، وكان هناك أيضًا عدد من الحركات الاحتجاجية كانت نتاج ٢٠١١، وفى ذلك الوقت اجتمع أسامة ياسين بقيادات الحركات الاحتجاجية، وكان واضحًا جدًا من هذه الاجتماعات أنه يريد إيصال رسالة، وهى إما أن نكون جزءًا من المشهد العام فى تنفيذ ما تطلبه جماعة الإخوان، حتى لو كانت طلبات معارضة، أو القضاء على الحركات الشبابية.

وكان يقدم إغراءات للحركات الشبابية بأنه سيتم ضم قياداتها للهيئة التأسيسية لوضع الدستور، وما حدث أن بعض القيادات اتفق معه، وبالفعل دخل إلى الجمعية التاسيسية، وبعضهم دخل البرلمان، وتلقى البعض الآخر وعودًا بالدخول إلى المجالس القومية، والتشكيلات المختلفة الخاصة بؤسسات الدولة.

■ متى شعرت بأن الحراك الذى نفذته القوى المدنية قد تم اختطافه من الإخوان؟

- بعد ٢٥ يناير وصعود الإخوان للحكم كان هناك تخوف من أن الجماعة ستعمل ضد أى حركات احتجاجية قد تخرج ضدها، وكان هناك ترغيب لبعض القيادات بمنحهم مكتسبات إذا لعبوا الدور الذى ستحدده «الإخوان».

وحاولت الجماعة ضم عدد من الحركات الشبابية لها، وأسامة ياسين هددنا إما بتنفيذ ما تطلبه جماعة الإخوان، أو القضاء على الحركات الشبابية.

وخلال اجتماع مع قيادات الإخوان وضع أسامة ياسين الخيار أمام الجميع، إما أن نختار طريق الإخوان وننضم إليها، أو تتم مواجهتنا.

وبعض الحركات والروابط انضم بالفعل، لكن البعض رفض وقال أنا متمسك ببلدى وبوطنى مهما حصل، والطرف الذى يرفض كان يتم تهديده بالتنكيل والقتل وبالوضع على قوائم الاغتيالات، فكان الخيار إما جنة الإخوان أو نار الإخوان.

■ فى ٢٥ يناير وضعت القوى المدنية بعض الخطط خلف الكواليس.. حدثنا عن ذلك؟

- هناك أشياء لم يعلمها البعض، ومنها أنه قبل ٢٠١١ بفترة قصيرة كانت هناك اجتماعات مستمرة للقوى الاحتجاجية فى أحد مقرات مركز حقوقى شهير فى وسط البلد، وكانت الاجتماعات تعقد بين القوى الاحتجاجية المدنية فقط دون وجود للإخوان، وفى يوم من الأيام أحد الأطراف المدنية وجّه دعوة للإخوان للحضور، أو «هُما اللى طلبوا يحضروا»، وأذكر أنه حضر عنهم المحامى أحمد أبوبركة، وكان أحد قيادات جماعة الإخوان، و«كانوا جايبينه عشان سِنه وسط»، وبالتالى يكون قريبًا من الشباب.

وفى هذا التوقيت كانت تحدث اجتماعات واتفاقات على التحرك احتجاجًا على ما حدث فى انتخابات ٢٠١٠، وكان هناك اتفاق على تنظيم مظاهرة كبيرة عنوانها «ضد التزوير»، وحُدد مكانها أمام دار القضاء العالى، وكانت بمثابة مظاهرة مشتركة ما بين القوى المدنية والجماعة، «والمظاهرة دى لما نزلنا فيها ولقينا إن نصها من جماعة الإخوان قررنا الانسحاب».

والمظاهرة كانت استعراضًا قويًا لحجمهم، وحين تركنا المظاهرة ظهر أن نصفها من أعضاء جماعة الإخوان، وبالتالى «كانوا بيدوا رسالة إن أنتم من غيرنا قليلو العدد والتأثير»، فكان هذا جزءًا من الحرب النفسية، ووسيلة لإقناع القوى المدنية بأنها «لو عايزة تعمل أى شىء مش هتقدر من غير الجماعة».

■ ما رأيك فى موافقة بعض القوى السياسية المدنية على انضمام الإخوان فى الحراك السياسى عام ٢٠١١؟

- للأسف البعض أخطأ فى رؤيته لجماعة الإخوان، ورأوها جماعة سياسية ويجب احتواؤها والعمل معها، والبعض الآخر رأى أنه يجب استخدامها حتى نصل إلى أغراضنا، لم يكونوا يعلمون أن ما سيحدث هو العكس، أن الإخوان كانوا يستغلون القوى المدنية كى يصلوا لأهدافهم.

وأنا وبعض القوى كنا منتبهين لمخططات الإخوان، وكنا ندخل «خناقات» مع بعض التيارات المدنية فى هذا التوقيت بسبب ذلك، بعدها بدأت جماعة الإخوان تتحدث عن ٢٥ يناير.

وفى هذا التوقيت القوى المدنية قالت «ننزل نعمل تظاهرة»، لكن لم يكن فى بال أحد أن هذه التظاهرة ستتوسع وتؤدى إلى هذه الآثار، فى هذا الوقت كان هناك حراك وتظاهرات واعتصامات كثيرة وسط القاهرة، خاصة فى شارع قصر العينى.

وأصدرت جماعة الإخوان يوم ٢٤ يناير ٢٠١١ بيانًا نددت فيه بالخروج يوم ٢٥ يناير، رغم أنها كانت على اتصال وحضرت اجتماعات مع بعض القوى المدنية، واتفقت على النزول يوم ٢٥، والبعض منا كان معترضًا على أن تكون «الإخوان» جزءًا من المشهد، والبعض الآخر كان يتبنى فكرة استخدام الجماعة.

وتبين أن «الإخوان» أصدرت هذا البيان «عشان لو ٢٥ يناير فشلت تبقى هى فى المنطقة الآمنة»، لكن نزل بعض رموزها، مثل «البلتاجى»، أمام دار القضاء العالى، حتى يؤكد أنهم كانوا موجودين.

وحين اكتشفوا أن «الموضوع كبر» بدأوا يخططون للنزول فى ٢٨ يناير، لسرقة هذه الثورة والسيطرة عليها، واستخدامها لتحقيق توجهاتهم السياسية.

وبالفعل فى يوم ٢٨ يناير كان لدى الإخوان خطة ثانية عبر اقتحام السجون وضرب الأقسام، «عشان يعملوا حالة من الخلل الأمنى فى الدولة»، بالاستعانة بقوى خارجية اخترقت الحدود ودخلت واقتحمت بعض السجون، وأخرجت العناصر الجنائية والإرهابية.

■ كيف استقبلتم الإعلان الدستورى المكبل الذى أصدره «مرسى»، والذى يعتبر بداية مرحلة أخرى من الحراك ضد الإخوان؟ 

- أثناء دراستنا للحكم الثيوقراطى، وهو الحكم باسم الدين، وتجارب بعض الدول فى المنطقة التى نجحت فى تبنى شكل من أشكال الحكم الثيوقراطى، وجدنا أن الجماعات الدينية تقدم فى البداية وعودًا للقوى المدنية، ثم فى لحظة تسيطر على المشهد بالكامل، وتتعامل مع أى معارض يظهر بأنه معارض للدين، ولن تتم محاكمته وسجنه بتهمة المعارضة، بل سيتم إعدامه بتهمة أنه ضد الدين، وهذا كان الخطر الأكبر الذى يهددنا.

وبالتالى كان هذا أول مخاطر الإعلان الدستورى الذى أصدره محمد مرسى، الذى يعتبر ترسيخًا لملامح الحكم الثيوقراطى، حيث يحصن به قراراته، ويستهدف المحكمة الدستورية العليا.

ومن الأفعال الفجة التى ارتكبتها جماعة الإخوان محاصرة المحكمة الدستورية العليا، ومنع القضاة من الدخول والخروج.

ودستور الجماعة وُضع سفاحًا فى الليل، لدرجة أنها وضعت مادة خاصة من أجل المستشارة تهانى الجبالى حتى لا تستمر فى المحكمة الدستورية العليا. 

ودستور الجماعة تمت مقاطعته من القوى المدنية، التى بدأت تستيقظ لنفسها، وتحول هذا الإدراك من الشعور بالخطر إلى اتخاذ قرار بأن هذا النظام يجب ألا يستمر، وأن هذا النظام يشكل خطرًا على وجود الدولة المصرية نفسها وعلى الهوية المصرية.

ولأن الجذر المصرى أصيل، ولأن مصر عبر آلاف السنين تجرى محاولات لهدم هويتها، ورغم أنه لم تكن كلمة الهوية المصرية مستساغة شعبيًا على الساحة فى هذا التوقيت، ولم تكن مطروحة على الرأى العام طيلة الوقت- ظهر شىء جديد داخل المصريين وهو الخوف على مصريتهم، الخوف كان متمثلًا فى أن تظهر أقاويل مثل: أنت مسلم وأنت مسيحى.

ورغم أن المصريين يعبدون الله، سبحانه وتعالى، منذ مئات السنين ويصلون ويصومون بتدين بسيط وهادئ وغير متكلف، فإنه ظهرت على يد الإخوان نعرات دينية، وتحول الدين إلى إطلاق اللحى وارتداء البناطيل القصيرة، لكن جوهر الدين الإسلامى ليست هذه المظاهر، وكانت تتشكل صورة مختلفة وغريبة عن مصر.

وبدأت تظهر الميليشيا التى تستخدم العنف، وظهر أناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بشكل علنى، وقد شاهدناهم عندما خرجوا على المتظاهرين السلميين فى محيط قصر الاتحادية، فاقتحموا الخيام وأشعلوا فيها النار، ونفذوا عمليات تعذيب لبعض المتظاهرين، وبالتالى بدأت تظهر حالة من القلق والرعب خوفًا على الهوية المصرية، لذلك ثورة ٣٠ يونيو فى رأيى هى ثورة الهوية المصرية.

■ بعد الإعلان الدستورى وأحداث الاتحادية وفض اعتصامها بهذه الوحشية.. بدأ الحراك على الأرض يأخذ شكلًا آخر وبدأت تتشكل جبهة الإنقاذ ومن ثم بدأت تظهر حركة «تمرد».. وصار هناك حراك منظم وممنهج هدفه فى النهاية إزاحة نظام الإخوان.. كيف شاركت فى هذا الحراك؟

- هذا الحراك كان دافعه الخوف على البلد من الضياع، وبالتزامن مع ذلك حدث تغيير فى قيادة الجيش، حيث تم إعفاء المشير طنطاوى من منصب وزير الدفاع، وتولى الفريق أول عبدالفتاح السيسى المنصب وقتها، وهنا حدثت الحرب النفسية من الإخوان عبر تصدير فكرة أن وزير الدفاع تابع لهم، وأنه رجل متدين، وبدأوا فى صناعة حالة من الإحباط لدى القوى المدنية، وأن المسألة انتهت، والجيش أصبح تابعًا للإخوان، وهذه الفكرة التى صدروها عن الجيش كانت بسبب إدراكهم أن الجيش المصرى هو عامل الحسم، أى أن المصريين لو خرجوا فى مظاهرات واحتجاجات واستمروا فيها ١٠٠ سنة، ولم تنحز لهم القوات المسلحة لإنفاذ إرادتهم، فلن يحدث شىء.

ولذلك كانت الأنظار كلها متجهة نحو هذا الرجل عبدالفتاح السيسى، لأن الكل كان يعلم أنه إذا مال إلى القوى الوطنية المصرية وإلى إرادة المصريين حُسم الأمر، وإذا لم يحدث وتم للإخوان ما أرادوا بتحييد الجيش وتحييد قيادته، سيكون قد انتهى أمر القوى المدنية وانتهت الدولة المصرية إلى أبد الآبدين.

ومحمد البلتاجى قال لى مرة فى مشادة كلامية حدثت بينى وبينه: «سوف نحكم مصر ٣٠٠ سنة»، وهذه كانت عقيدتهم.

وكنت قد هاجمت «البلتاجى» وهاجمت الدستور، فى قاعة داخل مجلس النواب الحالى، وحينها كان يوجد حوار مجتمعى مع القوى المدنية للنقاش حول دستور الإخوان، وهاجمت تصرفات الجماعة وطعنت فى شرعية حكمها.

وحينها وقف «البلتاجى» وهاج وماج، وقال: «أنا جايبكم فى مكانى عشان تهزأونا».. فقلت له: «ده مش مكانك.. ده ملك مصر وليس ملكًا للإخوان»، وجن جنونه، وقال لى إنهم سوف يحكمون مصر ٣٠٠ سنة، و«هنوريكم وهنعمل فيكم»، وأنا كنت أرد ولم أصمت على هذا الكلام.. لكن فى النهاية كانت هذه عقيدة الإخوان ونفسيتهم بأنهم يريدون أن يستولوا على الحكم لمئات السنين. 

وما شاهدناه فى السنوات السابقة لحكم الإخوان هو أن الجيش المصرى كان فى صف الشعب، فالجيش فى اللحظة التى ينزل فيها الشعب، ينحاز للشرعية الشعبية، وكان يحدث ذلك منذ أيام «عرابى»، ودائمًا ما ينحاز الجيش لما يتجه إليه الشعب وما يتفق حوله، وبالتالى تكون بوصلته مع الناس طوال الوقت. 

وفى نفس اللحظة كان هناك ذكاء من الفريق أول عبدالفتاح السيسى بأنه لم يكن يوضح للإخوان إلى أين تتجه البوصلة، حتى لا يستبقوا التحرك ويتخذوا قرارات يحبطون بها أى انحياز من القوات المسلحة للشعب المصرى، وبالتالى لم تكن الرؤية واضحة بشكل كبير أمام القوى المدنية والشعبية، فكان القلق كبيرًا حول موقف القوات المسلحة وموقف الجيش فى انحيازه.

وفى هذا التوقيت، تشكلت جبهة الإنقاذ من عدد كبير من الرموز المدنية، وتولّدت بعد ذلك حركة «تمرد» التى نفذت حراكًا كبيرًا جدًا وأقلقت محمد مرسى نفسه، لدرجة أنه علّق عليها فى هذا التوقيت وقال: «أنا جاى فى الانتخابات بالعافية بـ٥١٪ فلن تخلعنى استمارة»، فأدركنا أن هذا بداية النجاح.

وكنت حينها منخرطًا فى جمع استمارات «تمرد»، وفى نفس الوقت كنت أدخل مواجهات تليفزيونية شبه يومية مع قيادات جماعة الإخوان، حيث كانت توجد معركة إعلامية أخرى قائمة، وكان الإعلام مستهدفًا فى هذا التوقيت.

■ كيف ترى حالة العبث التى وصلت إليها الإخوان فيما يتعلق بحصار مدينة الإنتاج الإعلامى؟

- معركة الإخوان لم تكن معركة إعلامية فقط، وإنما تحولت إلى عملية إرهاب على الأرض، وقد عشت هذا الموقف، وكان لدىّ تصوير فى إحدى الليالى مع برنامج شهير فى قناة شهيرة، وتم إرسال سيارة القناة لى، واتجهت نحو مدينة الإنتاج الإعلامى، ثم بدأت تحدث اتصالات مع السائق وقيل له «لف وارجع».

وتعرضت حينها لمحاولة اعتداء من عناصر جماعة الإخوان أثناء حصارهم المدينة، حيث وصلت سيارتى أمام المدخل الرئيسى لها، ووجدت عددًا من الشباب يبدأون فى تحطيم السيارة، واستطاع السائق أن يفلت منهم، ثم جاءت سيارة ضيف آخر فأطلقوا النار عليه.

وكانت المدينة وقتها تحت حصار من يسمون بأبناء حازم أبوإسماعيل، لكن بشطارة المصريين المعتادة كان الإعلاميون والمعدون يجدون طرقًا بديلة للدخول سرًا إلى المدينة وأداء عملهم.

ووقتها بعض الإعلاميين الكبار كانوا يصعدون على سلم خشبى لتخطى الأسوار التى صنعها أتباع حازم أبوإسماعيل.

وكانت هناك مواجهات أخرى فى المحافظات تسببت فى قلق كبير لـ«البلتاجى»، فحين كنت أتولى قيادة حركة ٦ أبريل كان «البلتاجى» يذهب للمحافظات لأنه كان مسئولًا عن اللجنة الخاصة بالحوار المجتمعى فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وكان لدينا عدد من الشباب يحضرون مؤتمراته ويهاجمون الجماعة وممارساتها وشرعيتها، وأيضًا يهاجمون الدستور الذى كانت تضعه، وهذا سبب له حالة من الغضب الشديد، لدرجة أنه أرسل إلىّ عن طريق وسطاء من بعض الأحزاب، ومنهم حزب الوسط، من أجل التفاوض.

وفى هذا الوقت كان الإخوان يلعبون أدوارًا معينة من خلال أحزاب قريبة منهم وقريبة من القوى المدنية، وهذه كانت لعبتهم، وحدث تواصل من أجل تهدئة الأمور، وطلبوا منى الانضمام للجمعية التأسيسية للدستور لكنى رفضت، فتم تجنيد مسئول شئون العضوية بحركة ٦ أبريل، ووعدوه بكرسى فى المحليات بالجيزة، وهذا الشخص تسبب فى إضعاف الحركة، وبدأت الأصوات تعلو بانتخاب محمد مرسى أمام أحمد شفيق، وحينها بدأت أفهم ما يحدث.

والتركيبة الأساسية لمعظم الشباب كانت ضد حكم الإخوان، وشهدت اختراقًا كبيرًا للحركة، وعندما وقفت أمام ذلك تكالبوا علىّ بشكل كبير وفصلونى من الحركة التى أسستها لأنى رفضت انتخاب «مرسى»، وواجهتهم بما تبقى من أعضاء الحركة الأساسيين، وبدأت فى إنجاز تحالفات سياسية جديدة، والعمل مع «تمرد» للحفاظ على الهوية المصرية واستعادتها مرة أخرى.

■ كيف استقبلت «بيان الخلاص» من حكم الإخوان؟ 

- رغم هذه الفترة الرمادية، كان بداخلى إيمان عميق حول انحياز القوات المسلحة للشعب المصرى، وهذا الإيمان ليس مبنيًا على تحليلات وتفسيرات سياسية أو سوابق تاريخية، لكنه مبنى على أنها مؤسسة مصرية خالصة، لأن تكوينها من الشعب المصرى، وكان لدىّ إيمان داخلى شديد بانحياز الجيش للمصريين.

وأذكر الخطاب الغريب الذى ألقاه مرسى قبل عزله وكيف أن الجميع كانوا يصفقون له، رغم أنه كان يتحدث عن القضاة وعن شخصيات عامة بالسوء، و«خبّط فى كل الناس»، وكانت أولى كلماته عن الشرعية.

ومشهد الرئيس السيسى وهو يستمع إلى الخطاب فى هذا التوقيت أعطانى إشارة عميقة بأنه سيحدث شىء، وبدأت إرهاصات ذلك فى ٢٨ يونيو، أى «جمعة الإنذار الأخيرة»، وقمت حينها بفعل مجنون، حيث نزلت يوم ٢٨ يونيو ووقفت فى ميدان رابعة بالعلم المصرى، وكان الإخوان وقتها قد بدأوا يحتشدون داخل مسجد رابعة، ووقفت لوحدى وكان زملائى على بُعد خطوات منى، وظللت أقول «تحيا مصر»، وخرج عدد من الإخوان وبدأوا ينظرون إلىّ، وحينها رأيت أبشع وجه للجماعة، رغم أننى رأيت ذلك الوجه فى الغرف المغلقة، وهم ليسوا كما يدعون أنهم «بتوع ربنا»، بل لديهم انحطاط أخلاقى ويريدون السيطرة على دولة بحجم مصر.

ويوم ٣ يوليو كنت فى الاتحادية فى انتظار اللحظة التى ستحدد مصير مصر لمئات السنين، فهى لحظة فاصلة فى تاريخ مصر بالكامل، إما أن نرجع لبيوتنا آمنين، أو ستكون هناك طبقة عليا حاكمة اسمها جماعة الإخوان، هذه الطبقة هى التى ستحكم مصر وستتعامل مع كل القوى بقمع شديد، ويمكن أن أكون أنا وغيرى على منصات الإعدام، فهى كانت مسألة مرتبطة بمصير الدولة المصرية كلها، ومصيرنا فى الحياة، وبالتالى كنت فى حالة سلام نفسى فى انتظار اللحظة الحاسمة.

وأتذكر أن الحشود كانت كبيرة جدًا، وكنا فى انتظار اجتماع القوى المدنية مع القائد العام للجيش فى هذا التوقيت، وفى انتظار خروج «السيسى» للتحدث للجماهير، وأيضًا أتذكر أول قرار قاله وقتها هو تعطيل العمل بالدستور، وشهدنا هتافًا وتكبيرات للمصريين، وكانت فرحة عارمة وليلة امتدت للصباح، فالمصريون يحتفلون بنجاح ثورتهم وإنقاذ بلدهم من فصيل وضع شعار «إما أن نحكم مصر أو نحرق مصر»، وهذا ما رأيناه بالفعل بعدها.

■ البعض قال «كان المفروض الإخوان ميوصلوش للحكم من الأساس».. هل تتفق مع هذه الرؤية؟

- بعد تحليل المشهد وإعادة القراءة بشكل متأنٍ، نقول «الحمد لله أن الإخوان حكموا»، فقبل حكم الإخوان كان كثير من الناس البسطاء متأثرين بالصبغة الدينية للجماعة، وكانوا يتأثرون بخطاب الدين، فالإخوان كانوا منتشرين على مدار عشرات السنوات، ويستخدمون خطاب الدين فى جذب المصريين.

والحمد لله أنهم ظهروا على حقيقتهم أمام الشعب المصرى، وخرجوا من تحت الأرض، لأنهم قبل حكمهم كانوا يعملون فى شبكات عنقودية تعمل فى خلايا نائمة تمتد داخل الجامعات والنقابات، وفُضح التنظيم أمام الشعب المصرى، واستطعنا مواجهته عقب ٣٠ يونيو، وهم لا يمتون للدين الإسلامى بصلة، بل هم وبال على الدين ويسيئون للدين والتدين، وهؤلاء الناس ارتكبوا كل الجرائم التى يمكن أن نتصورها أو لا نتصورها من «قتل وسفك دماء وفتن». 

■ هل تلقيت تهديدًا مباشرًا بعد رفضك الانضمام أو تنفيذ مطالب الإخوان؟

- هذه اللحظة كانت لحظة اختيار حقيقية، وأتذكر الآن «مسلسل الاختيار» الذى يعبّر عن ذلك، لأنه كانت هناك اختيارات كثيرة أمامى فى هذا الطريق، وبالفعل كان هناك تهديد شخصى بشكل مباشر بوضعى على قوائم الاغتيالات، وقالوا لى: «ديتك رصاصة لو شفناك فى أى مظاهرة».

وفى هذه الفترة رأيت عددًا كبيرًا من الشباب تم اغتيالهم داخل التظاهرات، وكان منهم الصحفى الحسينى أبوضيف الذى تم اغتياله بشكل مباشر، وكان معى قبل اغتياله بفترة قصيرة خلال أحداث الاتحادية وما قبلها.

و«الحسينى» كان حالة نفسية خاصة جدًا، وكان مُقبلًا على الحياة ومتفائلًا بشدة، رغم أن الوضع وقتها لم يكن يدعو للتفاؤل، ولكن «هو كان شايف إن بكرة أحسن».