رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسين حمودة: الرواية كانت ولا تزال نوعًا أدبيًا له تأثيره المجتمعى

دكتور حسين حمودة
دكتور حسين حمودة

تحدث الناقد دكتور حسين حمودة عن تأثير الرواية في تشكيل الوعي المجتمعي وهل ما زال ساريًا، مؤكدًا أن السؤال عن تأثير الرواية في الوعي المجتمعي، تاريخيًا، هو سؤال عن تأثير الأدب في المجتمع بوجه عام، ثم هو سؤال عن تأثير نوع أدبي أصبح حاضرًا حضورًا كبيرًا في أغلب المجتمعات خلال القرن العشرين كله وما انقضى من هذا القرن، وطبعًا له تاريخ طويل سابق.

 الرواية تاريخيًا صعدت في موجات واضحة

وقال "حمودة"، في تصريحات خاصة لـ"الدستور": "هذا السؤال حول هذا التأثير قد طرح مرارًا، في مسيرة الأدب، وتباينت الإجابات عنه من فترة تاريخية لأخرى، ومن سياق اجتماعي لآخر، وتحديد السؤال وربطه بنوع الرواية يجعل محاولات الإجابة عنه أكثر تحديدًا، ولكن هذا التحديد لا ينفي إمكان تعدد الإجابات عن هذا السؤال نفسه أيضًا".

وتابع: "الرواية، تاريخيًا، صعدت في موجات واضحة. في الثقافة الغربية كانت أكثر هذه الموجات وضوحًا مقترنة بالثورة الصناعية وما بعدها، حيث وفرت الآلات التي تنتج المنسوجات أوقاتًا كافية، لجمهور النساء خصوصًا، كانت هذه الأوقات بحاجة إلى شغلها أو ملئها، وتشير دراسات علم اجتماع الأدب إلى أن هؤلاء النساء، اللاتي لم يعدن ينفقن الكثير من الوقت في أعمال "شغل الإبرة"، أصبحن يمثلن الجمهور الأوسع والأكبر لتلقي فن الرواية، وهكذا، في هذه الموجة، يمكن استنتاج ما يشير إلى حضور كبير للرواية واتساع لدوائر تلقيها، في قطاع كبير من المجتمع الغربي، وإلى تأثير ما مؤكد، وإن لم يكن محددًا بوضوح، أو كان صعبًا "قياسه" في هذا المجتمع، ولكن من المؤكد أنه يعدّ بعدًا مهمًا من الأبعاد التي قادت إلى بلورة مبكرة للوعي النسائي في المجتمعات الأوربية".

وأضاف: "هناك حالات أكثر تحديدًا، في سياقات أخرى، كان معها تأثير الرواية في المجتمع أكثر وضوحًا وأكثر مباشرة. من أشهر هذه الحالات ما ارتبط برواية الكاتبة الأمريكية هيريت بيتشر ستو (كوخ العم توم)، التي صدرت في منتصف القرن التاسع عشر وكانت أكثر مبيعًا عقب صدورها، وصورت معاناة الزنوج من العبودية في المجتمع الأمريكي، ويشار كثيرًا إلى أن هذه الرواية تحولت إلى واحد من أسباب الوعي بمكابدات هذه العبودية، وواحد من أسباب نشوب الحرب الأهلية الأمريكية التي ترتب عليها تحرير الزنوج".

تأثير الرواية أشبه بنوع من التراكم الخفي البطيء

واستدرك حمودة: "لكن تأثير الرواية، وتأثير الأدب عمومًا، ليس دائمًا بهذا التحديد والوضوح والمباشرة. أحيانًا يكون هذا التأثير غير مرئي أو غير ملحوظ في زمنه، وأحيانًا يكون مراوغًا جدًا، وفي كل هذه الحالات يكون أشبه بنوع من التراكم الخفي البطيء ولكن المتصاعد، مثله مثل أي درجة مبكرة من مسيرة درجات يقطعها الماء لكي يصل إلى نقطة الغليان. نحن نرى تأثير ومظاهر التغير مع الدرجة الأخيرة، أو الدرجات القليلة السابقة عليها فحسب، وهي في الحقيقة تستوى مع أي درجة أو درجات مبكرة غير مرئية".

يقول: "الرواية تستكشف المجتمع، وبالتالي تسهم بالضرورة في الوعي به. ومن الأفكار الصالحة للتفكير فيها هنا يرتبط بفكرة (الجماعة المغمورة) التي تمثل عماد تجربة كل كاتب، والتي يستكشفها ويكشفها ويستطيع أن يعبر عن عالمها أفضل من غيره. مجتمع الأكراد الذين كتب عنهم سليم بركات، ومجتمع الطوارق الذين كتب عنهم إبراهيم الكوني، مثلًا، لم يعرف الكثيرون عن عالميهما إلا من خلال روايات هذين الكاتبين، هذا شكل من أشكال متعددة تقوم الرواية خلالها بكشف العالم وبالوعي به، وهذا طبعًا مستوى من مستويات التأثير المتعلق بدور الرواية".

ويستطرد: "أيضًا من الأفكار الصالحة للتفكير فيها، بشأن الصلة بين الرواية والوعي، ما يتصل بتصورات لوسيان جولدمان المنهجية حول صلة الأدب بالمجتمع، وكيفية تحليل هذه الصلة، وارتباط هذا بمستويات من الوعي: (الوعي القائم- أي الوعي الذي لا يتجاوز حدود معرفة المشكلات في واقع ما)، والوعي الممكن (الذي يرنو إلى إمكان تغيير هذا الواقع)، ثم رؤى العالم، التي يتبلور معها هذا الوعي الممكن، فرديًا وجماعيًا، ومع هذا المستوى يمكن للمجتمع أن يتغير.. إلخ. ولكن هذه المستويات جميعًا تتصل بأشكال تحليل العمل الأدبي، وباستكشاف الرابطة بين وعي مبدعه ووعي مجتمعه، أو على الأقل وعي الجماعة التي يعبر عنها، وهذه المستويات طبعًا ليست حاضرة في كل الأعمال الأدبية، ولا في كل المجتمعات، لكن من المؤكد أنها تصلح للتأمل حين نفكر في صلة الرواية بالوعي المجتمعي، وتأثيرها فيه وعليه، وهذا التأثير حاضر بشكل أو بآخر، أيًا كان مستواه".

وشدد "حمودة" في الختام: "بهذا المعني، يمكن أن نتفق على أن الرواية كانت ولا تزال نوعًا أدبيًا له تأثيره المجتمعي، وإن تباين شكل هذا التأثير ومستواه من سياق لآخر، ومن مجتمع لآخر، ومن فترة لأخرى. ولعل محاولات قياس تأثير الرواية الآن، في مجتمع من المجتمعات، ومن بينها مجتمعنا المصري والعربي، تحتاج إلى دراسة مفصلة من دراسات علم اجتماع الأدب".