الناقدة آمال الشاذلى: "قناع بلون السماء" رواية بطلتها فلسطين المحتلة
حول التأثير المتبادل بين الجغرافيا والإنسان، تحدثت الكاتبة الناقدة آمال الشاذلي، خلال مناقشة رواية “قناع بلون السماء”، للكاتب الفلسطيني الأسير باسم خندقجي، والتي استهل بها نادي القصة بالإسكندرية فعالياته.
المكان بطل رواية "قناع بلون السماء" ومحرك أحداثها
واستهلت “الشاذلي” مداخلتها النقدية خلال مناقشة رواية “قناع بلون السماء”، بنادي القصة بالإسكندرية لافتة إلي: لا أحد يستطيع أن يجزم أيهما أكثر تأثيرا في الآخر، الجغرافيا أم الإنسان. فإذا كان الزمان يدرك من خلال سرد الوقائع فإن المكان يدرك من خلال وصف مسرح الأحداث.
وأوضحت “الشاذلي”: والمكان في رواية قناع بلون السماء ليس مجرد مسرحٍ بل المكان هنا بطل الرواية ومحرك أحداثها وملهم شخوصها.. فلولا فداحة الأرض المغتصبة ما كان “نور” الممزق الذي ولد لرجل ممزق أيضا، كأن التمزق إرث لا فرار منه، وما كان "أور" العدو المتشفي في حالة التشوش الذي يعيشها نور ابن المخيمات.. وما كانت “إيالا” الفتاة المتعصبة وما كانت أسماء إسماعيل المعجونة بحب الأرض.
واستطردت “الشاذلي”: في رواية قناع بلون السماء طغت شخصية المكان بتاريخها المحفور حفرا على جدران شرايين كل فلسطيني وكل عربي تجري في عروقه دماء حرة.
لذا لا عجب أن يطوف بنا نور أرض فلسطين، فنرى من خلاله مرتفعاتها ووهادها وأزقتها ومخيماتها التي استنشقنا رائحة رطوبة حوائطها كما استنشقنا رائحة القهوة والخبز.
"قناع بلون السماء" رواية بطلتها فلسطين المحتلة
وتابعت “الشاذلي”: يقول ابن خلدون: “البقاع تؤثر في الطباع”، وقد تأثر بطلنا الثاني "نور" بحياة أبيه الذي أفرج عنه مع تعهد ألا يعود للعنف مستنكرا ومتسائلا متى كان الجهاد ضد المغتصب عنفًا؟ متجرعا المر من تخلى رفاق رحلة المقاومة عنه بعد مواءامات وتسويات مع المغتصب، فركبوا السيارات الفاخرة وسكنوا بيوتا عامرة وصار لهم أرصدة في البنوك.. فقد الحماس لكل شيء وآثر العزلة والاعتزال والاعتصام بالصمت والاكتفاء بما تدره عليه عربة القهوة والشاي.
يقول الراوي قاصدرا “نور”: كان يعتقد أنه ولد من رحم الزقاق المنكوب.. ليتقن اليتم على أصوله.. هو المفجوع والمكلوم والتائه والمغترب الذي ولد بكل عتاد البؤس المتاح وغير المتاح.
في هذه الأزقة لا توجد حاجة للأسماء، فليس ثمة معنى لاسم المخيم إلا إذا وقعت فيه مجزرة، فيصبح اسمه/ مخيم تل الزعتر أو صبرا أو شاتيلا.
وأضافت “الشاذلي”: وفي رواية قناع بلون السماء أيضا، ومن خلال المكان نستطيع الاستدلال على سيكولوجية ساكنيه وطريقة حياتهم كما رأينا وسمعنا وقائع يوميات سكان المخيمات مقارنة بسكان "الكيبوتز" حيث الشوارع الواسعة المنمقة والبنايات الفاخرة والتشجير والهواء العليل عكس المخيمات.
لذا رواية قناع بلون السماء هي رواية بطلتها فلسطين المحتلة والتي تشرب ثراها بدماء شعبها الذين ضحوا ولا يزال يضحون بأرواحهم من أجل تحريرها وقد أخذ كل فلسطيني على عاتقه غرس حب الأرض في أبنائه وتحفيظهم أسماء المدن والشوارع والأزقة الحقيقية قبل أن يبدلها المحتل ولنقرأ كيف وصف الراوي حالة نور حينما تأخذه قدماه إلى القدس: “عندما كان يتنسم هواء القدس ينحل اغترابه عنه شيئا فشيئا ليحلق في فضائها، ثمة علاقة عشق تجمعه بالقدس، إذ يسبح أسماءها قصائد وأغاني وصلوات، وحدها تعطف عليه وتخبئه في طياتها وبيوتها العتيقة في أحلك الأوقات”.
واختتمت “الشاذلي” مشددة على: لقد أبحر بنا الراوي خلال روايته قناع بلون السماء عبر المكان والزمان ولم ينته إلا ورددنا خلفه.. فلسطين.. الموت دونك فرض.