رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تقدير موقف.. أسباب انقلاب الموقف الأمريكى من التأييد المطلق للاحتلال إلى السعى لوقف إطلاق النار

غزة
غزة

لا تزال ردود الأفعال مستمرة على المقترح الذى عرضه الرئيس الأمريكى، جو بايدن، لإنهاء الحرب فى غزة، ومع أن المقترح لم يختلف كثيرًا عما تم طرحه فى الجولة السابقة من المفاوضات، إلا فى نقاط بسيطة، لكنه يكشف عن متغير كبير فى الموقف الأمريكى، من التبنى المعلن لأهداف الاحتلال، إلى طرح صفقة تشمل الوقف الدائم لإطلاق النار وانسحاب إسرائيل وإعادة الإعمار.

وعلى عكس ما يرى كثيرون، فإن تقديم «بايدن» هذا المقترح على أنه اقتراح إسرائيلى، ثم فى نفس الوقت دعوته إسرائيل لقبوله، ليس تناقضًا، بقدر ما هو إدراك منه لحجم الأزمة السياسية الواقع فيها رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، فقبول هذه الصفقة قد يهدد مستقبله السياسى من قبل شركائه فى الائتلاف الحاكم، وتحديدًا من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين حذرا نتنياهو من قبول مقترح الجولة السابقة من مفاوضات الهدنة.

وهناك خلاف كبير داخل إسرائيل بين المستوى السياسى والمستوى العسكرى، حيث تدفع المؤسسات الأمنية وتضغط فى اتجاه الوصول لصفقة لتبادل الأسرى والوصول لهدنة، وهو ما يتوافق مع الطرح الأمريكى، فى حين أن نتنياهو كان يعرقل هذا المسار، وهو ما دفع ممثل الجيش الإسرائيلى فى فريق التفاوض لفضح هذا النهج من «نتنياهو»، لدرجة قوله إنه لن يتم الإفراج عن أسير إسرائيلى لو استمر «نتنياهو» فى الحكم.

ويعلم «بايدن» أيضًا أن «نتنياهو» وائتلافه الحاكم يتعمدون عرقلة التوصل لاتفاق، كما حدث فى الجولة السابقة، حين طرحوا فى المرحلة الثانية من المقترح بند الوقف المستدام لإطلاق النار، لكن فى نفس الوقت قلص صلاحيات الوفد الإسرائيلى المفاوض، وفى النهاية ألقى بالمسئولية على «حماس».

ويرى مراقبون أن الرئيس بايدن ألقى قنبلة سياسية فى إسرائيل، بإعلانه هذا المقترح وبالتأكيد على أنه مقترح إسرائيلى، وهو ما ستتلقفه أسر الأسرى والمحتجزين فى إسرائيل، وأيضًا التحالف السياسى الذى بدأ يتشكل من أفيجدور ليبرمان وجدعون ساعر ويائير لابيد، ومن المتوقع أن ينضم له بينى جانتس، فى حال إعلان انسحابه من مجلس الحرب إذا نفذ تهديده، وهو التحالف الذى أعلن صراحة عن سعيه للإطاحة بنتنياهو، ويطالب بانتخابات مبكرة.

ولا شك أن قرب انتخابات الرئاسة الأمريكية وتأثير أزمة غزة على المشهد الداخلى هناك، خاصة فى الولايات المتأرجحة وعلى قواعد الحزب الديمقراطى، وعدم وجود أى مؤشرات على أن أهداف عملية رفح ستحقق شيئًا على مستوى الوصول لقادة حماس أو الإفراج عن الأسرى، كل ذلك يدفع بايدن للضغط بقوة فى اتجاه نجاح هذه الجولة من المفاوضات.

كما أن الترتيبات الأمريكية والأوروبية حول الحرب الروسية الأوكرانية اتخذت مستوى متقدمًا من بدء الحديث عن القبول الأمريكى والأوروبى بضرب أوكرانيا أهدافًا داخل روسيا، وهو ما يعنى تصعيدًا كبيرًا على الجبهة الروسية، يستدعى خفض التصعيد فى الشرق الأوسط.

ومن المؤكد أن الإدارة الأمريكية تعاطت مع كل رغبات نتنياهو وائتلافه الحاكم خلال ٨ أشهر، بما فيها تمرير اجتياحهم مدينة رفح، لكن يبدو أن إدارة بايدن بدأت تدرك صعوبة التماهى مع الرغبات الإسرائيلية، فى ضوء عجز جيش الاحتلال، حتى الآن، عن تحقيق أهداف الحرب، التى على رأسها تحرير الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين والوصول لقادة حماس فى غزة، كالسنوار والضيف.

وجاء تأكيد الرئيس بايدن أن الوصول لاتفاق هدنة ووقف إطلاق النار وصفقة لتبادل الأسرى، ستعقبه المساعدة فى تحقيق الهدوء على جبهة إسرائيل مع حزب الله اللبنانى، فى ضوء أن هذه الجبهة تضغط بشكل كبير على إسرائيل، سواء على المستوى العسكرى، وأيضًا على مستوى إخلاء مناطق الجليل الأعلى وشمال إسرائيل من ١٠٠ ألف إسرائيلى نزحوا لمدن الداخل.

وكان تعليق «حماس» على المقترح الأمريكى متوقعًا فى ضوء أنه يشمل الحديث عن مناقشة الوقف الدائم لإطلاق النار، وكذلك إعادة الإعمار.

وعمومًا فإن مصر جزء رئيسى من جهود الوساطة الجارية، بمشاركة قطر والولايات المتحدة الأمريكية، وستبذل قصارى جهدها لإنجاح هذه الجولة لخفض التصعيد، وهذه الجولة من التفاوض لو نجحت، والتى ستشمل إدخال ٨٠٠ شاحنة مساعدات إنسانية وإغاثية، بالتأكيد سيشملها الانسحاب الإسرائيلى من الجانب الفلسطينى من معبر رفح وتسليمه لإدارة فلسطينية، خاصة أن مصر شددت على هذا الموقف.