وليد الخشاب: الريحانى أول من رسّخ قدميه كممثل للشرائح البسيطة للطبقة الوسطى
تحدث الشاعر دكتور وليد الخشاب، أستاذ الدراسات العربية، جامعة يورك بكندا، خلال اللقاء الذي عقد بدار المرايا للثقافة والفنون، عن الاقتباس في أعمال نجيب الريحاني.
أبوحلموس وأبوبيشون
واستعرض وليد الخشاب ما يميز أعمال الريحاني المقتبسة عن الفرنسية، مشيرًا إلى أنه ربما يبدو الفارق بسيطًا بين عنوان الفودفيل الفرنسي "بيشون" والفيلم المصري المقتبس عنه: "أبوحلموس". في الحالين، القصة عن رجل سليم النية يقع ضحية امرأة شابة توهمه أنه أبو رضيعها المولود حديثًا.
وتهدف الشابة من عملية الاحتيال هذه أن تنجو من حرج اجتماعي وأن تضغط على أبيها، بل وتنتقم منه، لمعارضته تحرر ابنته الأخلاقي الذي أدى بها على أن تقيم علاقة مع شاب مستهتر لا يليق بها اجتماعيًا وأن تحمل طفله.
المسرحية والفيلم المأخوذ عنها يركزان في العنوان على الطفل المولود
واستدرك الخشاب: لكن مسرحية الفودفيل الفرنسية والفيلم المأخوذ عنها يركزان في العنوان على الطفل المولود والذي يحمل اسمًا غريبًا (بيشون في الفرنسية يعادل غرابة حلموس في العربية). لكن اللافت للنظر هو أن المسرحية والفيلم الفرنسيين يركزان على المولود، بينما عنوان الفيلم المصري يركز على الأب المزعوم ضحية الاحتيال. لم يختر الفيلم الفرنسي عنوان "أبوبيشون" ولم يكتف الفيلم المصري بعنوان "حلموس" بل أكد على التركيز حول الأب الطيب، فجاء العنوان "أبوحلموس". حتى في الصيغة المسرحية التي اقتبسها الريحاني وبديع خيري عن المسرحية الفرنسية، كان العنوان العربي هو "لو كنت حليوة".
الفودفيل وأيديولوجيته عند نجيب الريحاني
وتابع الخشاب: المؤكد هو أن الريحاني كان أول من صبغ أفلامه بأيديولوجية الفودفيل المعناة بالولاء لنظام الدولة، في مقابل منح بطاقة دخول إلى الطبقة الوسطى لمن يدين بذلك الولاء. والريحاني أول من رسخ قدميه كممثل للشرائح البسيطة من الطبقة الوسطى في سعيها لتثبيت أوضاعها في تلك الطبقة، ومواصلة السعي نحو الصعود إلى شرائحها العليا. كان على الكوميديا العربية أن تنتظر ناصر في السياسة وفؤاد المهندس في الكوميديا لتتبنى الدولة دعم الإنتاج الثقافي الكوميدي وتوظيف أيديولوجية الفودفيل على نطاق واسع.
ولفت الخشاب إلى أن الفارق الكبير بين أيديولوجية الفودفيل عند الريحاني وعند المهندس هو أن أفلام فؤاد المهندس كانت تصور طلب الدولة لولاء المواطن مقابل إعطائه فرصة حقيقية للانضمام للطبقة الوسطى والتمتع بملذاتها بما فيها ملذات شبيهة بملذات قصص مسرح الفودفيل: العلاقات الغرامية الحرة، والحياة الرغدة، والزواج من فاتنات (مثل شويكار) والانتقال للعيش في أحياء راقية.
أما عند نجيب الريحاني فأيديولوجية الفودفيل كانت تتضمن وعدًا ببعض المنح البسيطة تلحق المواطن بشريحة أفضل في الطبقة الوسطى بشرط أن يخدم المواطن الطبقات الحاكمة، وأن يتنازل أخلاقيًا وكل ذلك مقابل حلم قد لا يتحقق. على سبيل المثال، بينما كانت كوميديات المهندس تنتهي دائمًا بزواجه من شويكار.
فغزل البنات تظهر الريحاني وهو يترقى اجتماعيًا فقط، لأنه أصبح يخدم في بيت الباشا كمعلم لغة عربية وهو يحلم بليلى مراد فقط، لكنه لا ينال حبها والوصول على القرب منه كلفه التنازل أخلاقيًا، لأنه اصطحبها في خطة الهروب من منزلها.
واختتم وليد الخشاب متسائلًا: وما دور كل من الريحاني وبديع خيري في الاقتباس؟ من منهما يترجم نصًا غربيًا ومن منهما يمصره؟ رأيي أن الريحاني هو الذي كان يترجم المسرحيات الفرنسية مثل "ياقوت" لمارسيل بانيول و"بيشون"، بينما كان بديع خيري هو الذي يمصرها ويجعل طابعها الاجتماعي واللغوي شديد المصرية بواقعية عالية ومصداقية كبيرة بفضل المفردات والتراكيب اللغوية الأصيلة التي كان يضفيها على المسرحية. وبمجرد ما تظهر المسرحية في ثوبها العربي، كانت تعتبر جزءًا من الإنتاج الثقافي بالعربية ولا يبدو هناك حرج في اقتباسها من المسرح إلى السينما بوصفها منتجًا مصريًا يبدو خالصًا.