رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الناس والحكومة والدعم

يهمنى ما يهم الناس فى الصميم.. عوام الناس الذين لو اختلفوا فى كل شىء فلن يختلفوا فى شئون المعيشة، لا سيما وقد صارت قاسية، وتعددت طرق البحث عن ما يخفف وطأتها، البحث الشخصى، أى بحث الناس أنفسهم عن ما يحسن أحوالهم، والبحث الحكومى، أى بحث الحكومة عن وسائل جديدة من شأنها أن تغير الظروف للأفضل، وبالأخص ظروف الذين ترعاهم الدولة مباشرة من الطبقات الأدنى «محدودى الدخل ومن إليهم».. وعلينا أن نعترف بأن الفقر يزداد فى مجتمعنا الكبير، وحتى الطبقة المتوسطة التى كانت قادرة على الادخار فى زمن فائت لم تعد قادرة عليه، ولا على تدبير احتياجاتها الضرورية أصلًا.  
اقترح مجلس الوزراء فكرة التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى، وهى فكرة معمول بها فى بعض الدول، يعنى الأول دعم السلع التموينية، والثانى يعنى أموالًا يحصل عليها المواطنون المستحقون «من 500 إلى 1000 للمواطن»، غير أنها وسيلة، لو تم تنفيذها بإحكام، فيمكنها أن تحد من استغلال الدعم العينى الذى يستفيد منه المستحقون ونقائضهم، وهذه مشكلة مرصودة، لا يحتاج حلها إلى رقابة قدر ما يحتاج إلى ضمائر، والجلى أن ضمائر كثيرة ماتت للأسف، ولا أدرى كيف ماتت، وكيف استمرت في ذم الحكومة، بالتوازى، وهى تحتال عليها وتسرق سلعها الرسمية؟!
على كل حال تحتاج الفكرة، فكرة استبدال الدعم النقدى بالعينى، إلى حوار مجتمعى واسع قبل إقرارها بصورة نهائية. الحكومة تحاول أن تصنع شيئًا يساعد الناس على تخطى الأزمات المتكررة، وهذا دورها، لكننا يجب أن نشاركها بالرأى، متفقين ومختلفين، والمهم أن نصل معها إلى شاطئ أخير.
لن يكون الدعم النقدى، لو جرى إقراره، عامًا من أول مرة، سيتم تجريبه في عدد من المحافظات ابتداء في الأغلب، ولن يكون ثابتًا كذلك، لكنه سيتحرك بمعادلة سعرية تراعى التضخم، والمهم أنه، كما أسلفت، سيحد من استغلال التموين، والشرط أن تضبط الحكومة صيغته بحيث لا يتسلل إليه ذوو الأطماع والنوايا السيئة، والمهم أيضًا أن يكون التجار بمستوى التحدى الاقتصادى الذى تواجهه الدولة؛ فيكونون سند الناس والحكومة، ولا يكونون فى بون شاسع عن المصلحة العامة للبلد محبذين مصالحهم الشخصية.
أنا هنا أنحاز إلى قيمة واحدة، قيمة التعاون الطبيعى المثمر بين الناس والحكومة، فى صورة الإجراء المناسب الذي يمكن اتخاذه بتوائمهما، ومناقشة مدى نفع هذا الإجراء من ضرره، متمنيًا، في ختام الكلام، أن يحدث الوفاق الذى يليق بنا، وأن تنفرج الكروب، بشكل واضح، لأن المعاناة طالت والصبر كاد أن ينفد.
لا يجب، فى هذا المقام الحساس، نسيان استعادة روحنا المصرية الكريمة التي كانت مدد بعضنا لبعض؛ فجزء من المأزق أخلاقى، يتعلق بطغيان الأنانية ودوس المروءة، إلا أننا قادرون على استرجاع روحنا الأصيلة التى حجبتها غيوم عابرة.