رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هالة فودة.. النصف الأجمل من الحكايات

لكل حكاية نصفها الأجمل ونصفها الأقل جمالا، لم يستغرق الأمر وقتا طويلا لأدرك أن هالة فودة (أستاذ اللغة الفرنسية والأدب المقارن بجامعة عين شمس، الكاتبة والروائية، وصائنة الزي التراثي، وأمينة لجنة الحقوق والحريات بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي) هي النصف الأجمل من الحكايات عموما.

لا أدري إلى أي بلد مصري تنتمي هالة، لم أجد معلومة مفيدة بهذا الشأن، لكن بقدر ما تحمل أوصافا تشير إلى الجنوب، بعاداته وتقاليده، تحمل أخرى تشير إلى الشمال بجملة ما يدل عليه، المهم أنها مريحة جدا في الحالين، وتترك لدى جليسها، أيا كان موقعه منها، شعورا حميما بمصريتها الصميمة، كما لو كان بحيال معبد فرعوني، وقد لا يكون عجيبا أنها عدة أرواح فرعونية بالفعل.    

تقف دوما عند المراحل الخالدة في حيوات الموهوبين، تعول على ثورات المغنين في بواكيرهم، مثلا، لكنها تملك روحا جديدة شابة قادرة على استيعاب "أعمالهم العابرة" بعد ذلك، الأصالة راسخة فيها، ولكن بدون حنين قتال إلى القديم، وهذا طبع بالغ القوة، أن تحيا في زمن سابق مستطيعا معاملة الأزمنة اللاحقة بنفس المرونة تقريبا!

تتجاوز هالة، جامعيا، فكرة الأستاذ التقليدي إلى المثقف التنويري والتوعوي، تبدع من طينة طلابها فنانين خلاقين، كما تحاول النفاذ بهم إلى أعماق الأشياء ومنحهم حسا خياليا ونقديا ممتازا.

"تَلِّينَا" علامتها التجارية الخاصة لـ"التَّلِّي" الذي اهتمت به فوق ما اهتم به خبراؤه (نوع من النسيج يُنفَّذ بأشرطة معدنية رقيقة على أقمشة قطنية أو حريرية أو شبكية).. تصممه بطرق ابتكارية لا تطمس ماضيه، وتتزيا به فخورة، وتعرض منتجاته على صفحتها بالسوشيال ميديا.
لها مقالاتها الصحفية الرصينة التي تتعرض لقضايا الشأن العام، لا تفوتها شاردة ولا واردة، ولا يزوغ قلمها في أحكامه، وقد أصدرت رواية واحدة حتى الآن "في قلبي رضا"، وهي رواية ممتدة الزمن غنية بالتفاصيل ذات ملمح تأريخي، استثمرت فيها سيرة الأب البطولية "سيرة رجل عايش الحرب واعترك الحياة"، هو والدها الحقيقي بالمناسبة، واستثمرت تقاطعات خطي سيرهما أيضا (للرواية
حديث خاص طويل فى مقام آخر).  

سياسيًا لا تترك حدثًا يتعلق بالحقوق والحريات التي كان لها رأيها الواضح فيه، رأيها المستقيم الشجاع الذي ينتصر للإنسانية في نوال حقوقها وممارسة حرياتها، من غير أن يثير زوابع تطيح بآمال الآملين في أوضاع تفضل غيرها مما يطمح إليه مريدو الخلاص.

هالة، في ختام كلامي المختصر عنها، ثروة ما، ومن أصدق ما لاحظته فيها، أنها نادرة التعريف بنفسها في المحيط الذي تتواجد فيه، تبدو عادية تماما وتلقائية تمامًا، إلا أنها فوق العادية بكثير وقرينة النظام متناهي الدقة، هكذا بالضبط، لكن يغلبها سرمديا تواضعها الجم وإحساسها الأكيد بأنها ثمرة أشجار الشارع حاوي السواد البشري الأعظم!