مشاهدات معرض أبوظبى الدولى للكتاب «3»
«صباح الخير يا جميلة».. هكذا تعودت أن أخاطب نفسى عندما أستيقظ، وقد كنت بحاجة حقًا لهذه الروح المبتهجة التى أشكر الله أن منحنى إياها.
بكل التفاؤل والشغف، خرجت من الفندق لأستقل سيارة وفرها لى المنظمون للمعرض والذين لم يبخلوا بأى جهد لتسهيل مهمتنا، وتوفير كل سبل الراحة لكل المشاركين فى فعاليات المعرض، استقلت معى السيارة، ناشرة هندية، تعارفنا خلال الطريق الذى يستغرق ٢٠ دقيقة، وحكت لى عن ذكرياتها عن القاهرة، وكيف تصادفت مشاركتها فى دورة عام ٢٠١١ وما واكب ذلك من أحداث ثورة ٢٥ يناير، وانقطاع الاتصالات وتوقف حركة الطيران، وكيف عاصرت أحداث الثورة وعدم قدرتها على التواصل تليفونيًا مع أهلها فى مدينة دلهى أو العودة لوطنها، ورغم تجربتها الصعبة، إلا أنها تُكنّ محبة كبيرة للقاهرة، وتحرص على المشاركة سنويًا فى معرضها الدولى.
بدأت نشاطى فى المعرض، بتسجيل حوارات مع أهم ضيوف المعرض، لإذاعتها فى حلقة خاصة من برنامجى «أطياف» الذى يذاع كل خميس على شبكة تليفزيون «الحياة»، وقد سعدت هذا العام بأن تكون الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية الراعى الرسمى للمعرض إعلاميًا مع شبكة تليفزيون أبوظبى.
حرصت مع الصديقين الكاتب زين خيرى رئيس التحرير والمخرج عبدالفتاح خضر على التركيز على مشاركة مصر المميزة كضيف شرف المعرض، والتركيز على برنامج ضيف الشرف، الذى تمت فعالياته فى الجناح المصرى الذى تم تصميمه على شكل معبد مصرى قديم، فعبّر بقوة عن مكنون الروح المصرية الخالدة.
وقد شارك فى ندوات الجناح المصرى نخبة متميزة من المثقفين والكتاب المصريين..
وأيضًا حرصنا على الاحتفاء، خلال الحلقة، باختيار أديب مصر العالمى نجيب محفوظ الشخصية المحورية للمعرض. وتصوير الجناح المميز الذى أهداه معرض أبوظبى للغة العربية لروح الكاتب العظيم وتم تصميمه على شكل الحارة المصرية التى أبدع نجيب محفوظ فى تصويرها حتى أصبحت هى العلامة أو المرادف لعالمه الأدبى الرفيع.
استغرق تصوير الحلقة اليوم الأول والثانى من أيام المعرض، أجريت خلالهما حوارات متنوعة مع ٩ شخصيات من أهم الفاعلين فى نشاطات المعرض، وسعدت خلال اليومين بمقابلة العديد من الأصدقاء من الأدباء والنقاد والناشرين والإعلاميين المصريين والعرب، فى تظاهرة تعكس حرص دولة الإمارات، ممثلة فى دائرة الثقافة ومركز أبوظبى للغة العربية بقيادة رئيسه الدكتور على بن تميم على دعم الثقافة العربية، وإبراز الدور التاريخى والآنى للثقافة المصرية من خلال الحرص على دعوة عدد كبير جدًا من المثقفين المصريين للمشاركة فى جميع فعاليات المعرض التى تزيد على ٢٠٠٠ فعالية تشمل مختلف الحقول الثقافية والمعرفية.
وقد جاءت دورة هذا العام وهى الثالثة والثلاثون فى تاريخه تحت شعار «هنا تُسرد قصص العالم»، شهد المعرض مشاركة ١٣٥٠ ناشرًا من ٩٠ دولة، بينها ١٢ دولة تشارك لأول مرة.
واستحدث المعرض فى دورته الجديدة عددًا من الفعاليات من أهمها: محور «كتاب العالم» الذى يتناول واحدًا من الكتب التى أثّرت فى مسيرة الأدب والثقافة حول العالم، واختير هذا العام كتاب «كليلة ودمنة» بما له من أبعاد أدبية وفلسفية وسياسية تتجاوز المعنى البسيط للحكايات الخيالية، ومن المعروف أن مصر هى صاحبة الفضل فى الاحتفاظ بهذا الكنز العربى وإعادة تقديمه للعالم العربى من خلال طبعه فى المطابع الأميرية وتنقيح وتحقيق نسخته الأصلية على أيدى الدكتور طه حسين وعبدالوهاب عزام ونشره فى دار المعارف المصرية.
كما تم استحداث سوق للكتب القديمة تحاكى «سور الأزبكية» فى القاهرة، بما يمثله من زخم وثراء وروح مصرية صميمة، فالمعرض فى كل جوانبه هذه الدورة كان يشع بالروح المصرية، وهذا ليس انحيازًا ومحبة لمصر فحسب، ولكن انعكاس للثقل الثقافى لمصر والذى يجب أن نحافظ عليه ونقويه وندعمه، فمصر كانت وستظل قلب الثقافة العربية، وهى الرقم الذى لا يمكن إغفاله أو تجاهل تأثيره فى أى معادلة ثقافية عربية، وهذا يجعلنا نشعر بالفخر والمسئولية، ويجعلنا أيضًا ممتنين لكل من يدرك ويقدر هذا الدور من الدول والمؤسسات العربية الشقيقة.
وللحديث بقية..