أنا امرأة.. أنا أكتب
حين تقام فعاليات تخص النساء يتساءل البعض: لماذا وهل ثمة خصوصية للإبداع النسوى؟، هل تختلف كتابة المرأة عن كتابة الرجل؟، سؤال متداول ينكره ويستنكره البعض الآخر، إلا أننى، وكإحدى بنات إيزيس، أؤمن بحضور هويتى الأنثوية فى الكتابة، وأجد فى الكتابة ساحة لكتابة الذات، وسأحاول عبر هذا المقال أن أضع بين يدى القارئ بعض المقاربات التى تظهر خصوصية كتابة النساء، والوقوف عند عدد من السمات المميزة لكتابات النساء التى تكسر القوالب المكرورة.
فالمرأة المبدعة تعالج فى كتاباتها فى الغالب قضايا حميمة متصلة بطبيعتها كأنثى، قضايا لا تنفصل عن وجودها الأنثوى؛ لكون هذه القضايا أولًا محل اهتمامها، ولأنها تعتقد فى ذاتها القدرة على معالجتها معالجة صادقة وواقعية بعيدة عن المقاربات الأدبية التى يقيمها الرجال فى الغالب فى كتاباتهم عن قضايا ووضعية المرأة على نحو تشوش فيه الصياغة الأدبية والعناية بالأسلوب على القضية ذاتها، أو انطلاقًا من وضع المتعاطف بما يشمله هذا الموقف من تعالٍ ضمنى، أو انطلاقًا من موقف المتأمل البارد الذى لا يكبش النار بكلتا يديه. وربما تكون أعمال الكاتبة والمخرجة عفت يحيى، مؤسسة فرقة القافلة، نموذجًا واضحًا فى هذا الإطار مثل مسرحيتى «صحراوية» و«ذاكرة المياه».
تستخدم المرأة المجاز استخدامًا مغايرًا، فتستعين برموز حميمة فى أنثويتها، أو تفكك رمزًا ذكوريًا، ففى مسرحية «الضفيرة» للكاتبة والمخرجة نورا أمين، مؤسسة فرقة لاموزيكا، نلحظ أن التضفير رمز متعدد الدلالات، وهو رمز نسوى بحت لا يمكن أن تدركه إلا المرأة، فالشعر المرسل فى الخيال الفطرى للمرأة هو معادل للانطلاق والحرية، لكنه يكتسب فى التأويل الاجتماعى دلالة مزدوجة، فهو يمثل الجمال والعفة إذا تم حله فى غرفة النوم الشرعية مع الزوج، فتقول المرأة «شعرى مانحلش على كتف راجل إلا فى الحلال»، والانحراف والدنس إذا ما تم حله فى الحرام أو على إطلاقه فيُقال «ماشية على حل شعرها»، ولذا فإن فعل التضفير هو فعل تربوى له أبعاد اجتماعية.
التضامن مع النساء الأخريات: تزخر كتابات المرأة بالتضامن مع النساء الأخريات، وتعضيد مواقفهن، ونموذج الزوجة والعشيقة فى مسرحية الكاتبة لبنى غريب «زوجة وتمثال وعشيقة» يعكس هذه الفكرة بجلاء- خاصة فى ظل كسره العداء المتوقع فى آفاق التلقى- فيدور الحوار بينهما على نحو ودّى، ويبدو تعاطف كل منهما مع وضع الأخرى.
مَن يقهر المرأة؟ يشغل هذا السؤال من حيث طرحه أو محاولات الإجابة عنه حيزًا كبيرًا فى كتابات المرأة المبدعة، وأكاد أعتقد أن كتابات النساء تبدو أكثر نضجًا فى الإجابة عن هذا التساؤل مما هو متوقع، فتأمل المقهور لحاله قد لا يسمح له فى الغالب بالتعاطف مع جلاديه، وإدراك القهر الواقع على الجلاد ذاته يحتاج إلى عقلية متجاوزة. وفى مسرحية «حكاوى الحرملك»، وهى المسرحية التى شرُفت بالمشاركة فى كتابتها مع المخرجة والدراماتورج عبير على والكاتب محمد عبدالمعز، انشغل العرض فى حكاياته المتباينة بمحاولة البحث عن إجابة لهذا السؤال.
الاحتفاء بجسد الأنثى: ويبدو هذا الاحتفاء فى كتابة المرأة عن جسدها فى محاولة لإعادة تثمينه والتعرف عليه بعيدًا عن كتابات الرجل التى كثيرًا ما تقدمه كموضوع للذة مُكرسة لنوع واحد للجمال معيارى محفوظ متوارث. كما تهتم المرأة الكاتبة بوصف العمليات الحميمة المتعلقة بهذا الجسد «الختان- الحيض- فض غشاء البكارة- الولادة- الرضاعة...» تلك الخبرات الحميمة التى يصعب على الرجال التعبير عنها أفضل من المرأة إذا استطاعت الخروج من القوالب الذكورية للغة فى تعبيرها، لربما تكون عروض الرقص الحديث هى العروض الأكثر جرأة فى تحقيق هذا الاحتفاء، مثل عروض الكاريوجرافر والمخرجة كريمة منصور «فرقة ماعت»، وشيرين حجازى «فرقة عوالم خفية»، ونيرمين حبيب فى عروضها أيضًا، يحتفين بهذا الجسد ويعارضن محاولات قولبته وحبسه فى أطر جامدة وبالية.
هناك الكثير من الجماليات المميزة لكتابة المرأة يمكن رصدها بوضوح فى كثير من النصوص التى أبدعتها النساء، ومنها استخدام قالب السيرة الذاتية، وهذه الجمالية تحديدًا من الجماليات المتكررة فى كتابات المرأة، فكما تقول بام موريس، فى كتابها «الأدب والنسوية»: «السيرة الذاتية هى الضمان الأخير لكون ما نقرأه حقيقيًا»، وهو اتجاه له ما يبرره، فالمرأة المبدعة التى يتاح لها قدر من التجربة لم يتح للأخريات ترى من الواجب عليها القيام بدور تنويرى عبر تقديم تلك التجارب لقريناتها، كما أن المرأة بطبيعتها تميل للسرد، والسرد حين يتعلق بحياتها يصبح طريقة تعيد من خلالها اكتشاف ذاتها، فالمرأة قد تحكى نفس الحكاية مرات عدة لكنها فى كل مرة تنتج معنى جديدًا.