سر السنوار.. كيف يفكر قائد «حماس» داخل غزة؟
بنهاية العملية العسكرية الماضية على غزة عام ٢٠٢١، التى تسمى فى إسرائيل بـ«حارس الأسوار»، نشر يحيى السنوار، زعيم حركة «حماس» فى قطاع غزة، صورة له وهو يجلس أمام مكتبه والدمار يحيط به من كل مكان، وكانت الرسالة حينها واضحة، ومفادها أنه حافظ على بقاء الحركة رغم كل شىء، لذا وضعت إسرائيل رأس «السنوار» هدفًا من أهداف الحرب الحالية على القطاع، وأكدت مرارًا حرصها على ألا تتكرر تلك الصورة مرة أخرى. وطيلة الأشهر الماضية، حاولت إسرائيل، خلال عمليتها العسكرية، البحث عن «السنوار»، دون جدوى، حتى بعدما وزعت منشورات تطالب برأسه، وتمنح مكافآت مغرية لمن يرشد عن زعيم «حماس» فى القطاع، الذى لايزال مختبئًا على الأرجح فى أنفاقها، ويعد رأيه حاسمًا للغاية فى مسار المفاوضات الهادفة إلى إنهاء الحرب، ما يجعل من العثور عليه جائزة خاصة لدولة الاحتلال.
إخفاق استخباراتى إسرائيلى أمريكى فى الوصول إليه رغم عرض مكافأة 400 ألف دولار لمن يدلى بمعلومات عنه
بعد اشتعال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فى أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، فى ٧ أكتوبر الماضى، وصف قادة دولة الاحتلال يحيى السنوار بأنه «رجل ميت يمشى على الأرض»، واعتبروه «مهندس الهجوم على إسرائيل، وصوروا اغتياله بأنه هدف رئيسى من أهداف الحرب.
وفى ديسمبر الماضى، وزع جيش الاحتلال منشورات فى قطاع غزة تعرض مكافأة قدرها ٤٠٠ ألف دولار لمن يدلى بمعلومات تؤدى إلى القبض على زعيم «حماس».
وفى يناير الماضى، قالت مصادر متعددة إن إسرائيل حددت مكان اختباء يحيى السنوار، وإن «استخدامه المحتجزين الإسرائيليين كدروع بشرية هو ما يمنع الجيش من الهجوم عليه»، حسب مزاعم صحيفة «إسرائيل اليوم» فى حينه. وحسب ما أوردته الصحيفة الإسرائيلية، فقد تحدث «السنوار» إلى المحتجزين بلغة عبرية غير متقنة، فى محاولة لطمأنتهم بعد وقت قصير من اقتيادهم إلى غزة خلال هجوم «حماس» فى ٧ أكتوبر، وقال: «مرحبًا، أنا يحيى السنوار.. أنتم فى حماية هنا ولن يحدث لكم شىء». وفى فبراير الماضى، نشر الجيش الإسرائيلى مقطع فيديو، قال إن الجنود التقطوه من كاميرا أمنية عثروا عليها فى نفق تابع لـ«حماس» أسفل غزة، وأظهر الفيديو رجلًا مسرعًا عبر النفق، برفقة امرأة وأطفال. وقال الجيش الإسرائيلى فى حينه إن الرجل هو «السنوار»، وإنه كان يفر مع عائلته، لكن كان من المستحيل التحقق من هذا الادعاء، نظرًا لابتعاد وجه الرجل عن الكاميرا، وإن كانت بنيته الجسدية تشبه زعيم «حماس».
وقبل شهرين، اغتالت إسرائيل نائب قائد الجناح العسكرى لحركة «حماس» مروان عيسى، الذى يعد القائد الثالث للحركة فى غزة، مع آخرين، لكن رغم ذلك ظل «السنوار»، ومعه رئيس الجناح العسكرى لـ«حماس» محمد الضيف، أحياء، مع استمرار مزاعم الجيش الإسرائيلى المنتظمة بأنه يقترب منهما، الأمر الذى يحرم إسرائيل من إنجاز عملياتى كبير، يرفع معنويات قواتها.
وخلال الأيام الأخيرة، عاد الحديث مرة أخرى عن «السنوار»، بعدما قال مسئولان إسرائيليان، لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، إن قائد «حماس» فى غزة يحيى السنوار لا يوجد فى رفح، على عكس الفرضيات السابقة، لكنهم أيضًا لم ينجحوا فى تحديد المكان الذى يوجد به. وتشير التقديرات الاستخباراتية الأخيرة إلى أن «السنوار» يختبئ فى أنفاق تحت الأرض فى خان يونس، التى خرج منها الجيش الإسرائيلى قبل شهر.
كما ترددت أنباء تقول إن ويليام بيرنز، رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «CIA»، عرض معلومات استخباراتية على إسرائيل عن «السنوار»، مقابل وقف غزوها البرى فى رفح. فيما قال تساحى هنجبى، مستشار الأمن القومى الإسرائيلى، إن «السنوار يعيش فى الوقت الضائع»، مشيرًا إلى أن الأمر استغرق من الولايات المتحدة عقدًا من الزمن للقبض على العقل المدبر لهجمات ١١ سبتمبر، أسامة بن لادن.
بقاؤه حيًا دليل على فشل الاحتلال.. وقراره يظل الأكثر حسمًا فى مفاوضات الهدنة رغم اختبائه فى «متاهة الأنفاق»
بعد مرور سبعة أشهر على بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، أصبح بقاء القيادى الحمساوى يحيى السنوار على قيد الحياة رمزًا لفشل الحرب الإسرائيلية، التى دمرت جزءًا كبيرًا من القطاع، لكنها رغم ذلك تركت القيادة العليا لـ«حماس» سليمة إلى حد كبير، كما فشلت فى تحرير معظم المحتجزين، الذين تم اقتيادهم إلى غزة خلال عملية ٧ أكتوبر.
ويبدو أن «السنوار» يفهم جيدًا كيف يتلاعب بإسرائيل، فأثناء وجوده فى السجن، تعلم اللغة العبرية، وطور فهمًا خاصًا للثقافة والمجتمع الإسرائيلى، وفقًا لزملائه السجناء السابقين والمسئولين الإسرائيليين الذين راقبوه أثناء سجنه، لذا فهو يستخدم هذه المعرفة لزرع الانقسامات فى المجتمع الإسرائيلى، وزيادة الضغط على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو. ويفهم «السنوار» أنه كلما طال أمد الحرب يتراجع وضع إسرائيل الدولى، ويتزايد الاستقطاب داخل المجتمع الإسرائيلى، وهو ما يحرص على زيادته عبر نشره فيديوهات لمحتجزين يتهمون «نتنياهو» بأنه لا يعمل من أجل إطلاق سراحهم، كما أنه، وفقًا لآراء إسرائيلية، يتشدد فى مواقفه بالمفاوضات حول الإفراج عن المحتجزين، مستهدفًا إضعاف إسرائيل.
فى المقابل، تتعامل إسرائيل أيضًا مع «السنوار» بشكل مختلف، ففى الوقت الذى يسعى فيه المسئولون الإسرائيليون إلى قتله، اضطروا أيضًا إلى التفاوض معه، ولو بشكل غير مباشر، لتحرير باقى المحتجزين المتبقين فى القطاع، كما لم يظهر «السنوار» كقائد قوى الإرادة فحسب، بل أيضًا كمفاوض ذكى، نجح فى تجنب انتصار إسرائيلى فى ساحة المعركة، أثناء إشراك المبعوثين الإسرائيليين على طاولة المفاوضات، وذلك وفقًا لمسئولين من «حماس» وإسرائيل والولايات المتحدة.
وفى حين تتم الوساطة فى المحادثات بمصر وقطر، فإن «السنوار»- الذى يُعتقد أنه مختبئ فى شبكة أنفاق تحت غزة- هو من يطلب المفاوضون من «حماس» موافقته قبل تقديم أى تنازلات، وفقًا لمسئولين إسرائيليين وأمريكيين، وهو ما أدى، وفقًا لهم، إلى إبطاء المفاوضات، خاصة بعدما دمرت الغارات الإسرائيلية جزءًا كبيرًا من البنية التحتية للاتصالات فى غزة، حتى إنه، فى بعض الأحيان، يستغرق الأمر يومًا كاملًا لتوصيل رسالة إلى «السنوار»، ويومًا آخر لتلقى الرد.
ويصر مسئولو «حماس» على أن «السنوار» ليس صاحب الكلمة الأخيرة فى قرارات الحركة، خاصة أنه لا يتمتع من الناحية الفنية بسلطة على الحركة بأكملها، لكن دوره القيادى فى غزة، وشخصيته القوية، أعطياه أهمية كبيرة فى كيفية عمل «حماس»، وفقًا للحلفاء والأعداء على حد سواء.
ويقول مسئولون أمريكيون إن «السنوار» أظهر ازدراءً لزملائه خارج غزة، الذين لم يتم إبلاغهم بالخطط الدقيقة لهجوم ٧ أكتوبر، رغم أنه منذ بداية الحرب، نادرًا ما سمع أحد عن «السنوار»، على عكس مسئولى «حماس» المتمركزين خارج غزة، بمن فيهم إسماعيل هنية، أكبر مسئول سياسى فى الحركة، والأكبر منه سنًا، لكن رغم ذلك، ظل دور «السنوار» محوريًا وراء الكواليس، كما يؤكد مسئولون أمريكيون وإسرائيليون.
وبينما يريد بعض الإسرائيليين إطلاق سراح المحتجزين المتبقين فى غزة حتى لو كان ذلك يعنى الموافقة على مطالب «حماس» بعقد هدنة دائمة، من شأنها أن تبقى الحركة، و«السنوار»، فى السلطة، إلا أن «نتنياهو» ظل مترددًا فى الموافقة على إنهاء الحرب، وهو ما يرجع جزئيًا إلى الضغوط التى يمارسها بعض حلفائه من اليمينيين، الذين هددوا بالاستقالة من الحكومة إذا انتهت الحرب مع استمرار «حماس».
وأمضت وكالات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية أشهرًا فى تقييم دوافع زعيم «حماس» فى القطاع، ووفق اعتقادهم فإن «الدافع الرئيسى لـ(السنوار) فى هجوم ٧ أكتوبر رغبته فى الانتقام من إسرائيل وإضعافها».
ويعتقد المسئولون الأمريكيون أيضًا أن «السنوار» يوافق على العمليات العسكرية التى تنفذها «حماس»، رغم أن المخابرات الإسرائيلية وضباط الجيش غير متأكدين من مدى تورطه فى ذلك.
ويرون أن القيادة الخارجية لـ«حماس» كانت فى بعض الأحيان أكثر استعدادًا للتوصل إلى تسوية، فيما يبدو أن «السنوار» أقل استعدادًا للتنازل عن الأرض للمفاوضين الإسرائيليين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى علمه بأنه سيقتل، سواء انتهت الحرب أم لا.
وحتى لو توصل المفاوضون إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فمن المرجح أن تلاحق إسرائيل «السنوار» لبقية حياته.