فنان لكل محافظة.. مطلب بسيط ومشروع
شهدت العاصمة القاهرة وعدد من عواصم المحافظات في السنوات القليلة الماضية جهودا كبيرة في مجالات التجميل والتشجير والتطوير التي طرأت على شوارع ومبانٍ وميادين عامة كثيرة. ولا يخفى على كل ذي عينين من سكان وزوار القاهرة عمليات التطوير التي شهدتها المباني والعمارات التاريخية في منطقة وسط البلد. تلك العمليات التي يشرف على تنفيذها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، إذ اعتنت كلها بعمليات التجميل والتشجير والصيانة والترميم.
وبمراجعة أهداف تأسيس جهاز التنسيق الحضاري سنكتشف أن هدفه الرئيس هو وضع أسس التعامل مع الفراغات المعمارية كالحدائق والشوارع والأرصفة والإنارة والألوان المستخدمة بمراعاة طبيعة كل منطقة والمعايير الدولية المتعارف عليها، وذلك بما يحقق احترام حركة المشاة والمعاقين، مع استخدام الخامات والألوان التي تتناسب مع الطابع المعماري لكل منطقة. والحقيقة أن الجهاز، برئاسة المهندس محمد أبوسعدة، قد نجح في تحقيق عدد كبير من الأهداف التي تأسس من أجلها.
يكفي فقط أن نستمع إلى تعليقات ضيوف مصر الذين نستقبلهم بعد سنوات من الغياب عن القاهرة، فنجدها تبرز سعادتهم بما تحقق من تطوير تبدو معالمه على واجهات المباني العتيقة التي أعادت للقاهرة رونقها. فقد ظن الكثيرون مع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة أن الإهمال سيطال عاصمة المعز بعد أن يتم نقل الوزارات إلى مقر الحكم بالعاصمة الإدارية. لكن ما حدث هو العكس تماما، إذ لا يمكن لمنصف أن ينكر ما تشهده شوارع القاهرة الكبرى ومبانيها من اهتمام وعناية.
الأمر يمتد أيضا ليشمل المدن الجديدة التي تتبع وزارة الإسكان، ومن أبرزها مدينة الشيخ زايد ومدينة حدائق أكتوبر وغيرهما، إذ تقوم الأجهزة التنفيذية القائمة على إدارتها بالعناية بحسن المظهر وسلامة المنشآت، والحرص على استغلال المساحات في إنشاء طرق واسعة والحفاظ على نسبة محددة للمنشآت من إجمالي مساحة كل مشروع سكني، لتبقى باقي المساحة متاحة للتشجير والتهوية ومنافذ لدخول أشعة الشمس إلى الوحدات السكنية حفاظا على صحة المواطنين.
ورغم كل تلك الجهود لا تزال هناك بعض ملامح العشوائية وعدم التنسيق تطل بوجهها البشع في بعض الميادين الموجودة بمحافظات الأقاليم، وذلك من باب خلفي، هو التبرع أو الإهداء. حيث تُقدم بعض المؤسسات الاقتصادية المحدودة- سواء تطوعا أو بطلب من رئيس الوحدة القروية أو رئيس مجلس المدينة- على القيام بعمل ما يعتبرونه تجميلا أو تطويرا في مدخل القرية أو الميدان القريب من كيانهم الاقتصادي بهذه المدينة أو تلك كعمل يجمع بين خدمة المجتمع والدعاية في ذات الوقت. وغالبا ما ينتهي الأمر بعمل فني مشوه بفتح الواو وكسرها أيضا. وهنا يصبح الأمر محل تنّدر الناس كلما مروا به، وليس موضع إعجابهم أو سعادتهم أو راحة لأعينهم على عكس ما كان يستهدف صاحب اقتراح التجميل بحسن نية.
والأمر فيما أقترح سهل جدا، إذ أرى أن أي عمل تجميلي أو إنشائي في ميدان عام ينبغي أن تراجعه جهات الاختصاص من أصحاب الموهبة وليس من الموظفين، بحيث يكون صاحب الرأي النهائي في التصميم، ثم في التنفيذ فنان مشهود له. قد يقول البعض، وهل يمكن أن نجد في قرية من قرى بحري أو الصعيد النائية من أصحاب الخبرات من يمكن الاستعانة به لإبداء الرأي أو الحكم على مدى مراعاة النسب الجمالية أو مناسبة الألوان أو المواد المستخدمة في إنشاء عمل فني يجمّل ميدانا في قرية أو في مدينة صغيرة نائية؟
هنا أتدخل لأقترح أن يكون لدى كل محافظ مستشار فني بين غيره من هيئة المستشارين، على أن يكون مشهودا له بالكفاءة والسمعة الفنية الحسنة التي تؤكدها سابقة أعماله. ولن تعجز كل محافظة أن تجد من يؤدي المهمة من بين أساتذة كليات الفنون في الجامعات المنتشرة حاليا في كل محافظاتنا. أو أن تبحث كل محافظة في سجلاتها عن الفنانين الحقيقيين الذين تفخر بهم مصر من أبناء تلك المحافظة وقد حقق شهرة وتميزا ونجاحا يُشهد له بها. ولا أظن أن أيا من هؤلاء الفنانين الكبار سيمتنع أو يتأخر حين تطلب منه محافظته الأم استشارة في مجال إبداعه الذي تألق فيه اسمه وبرز، وقد يبلغ الكرم ببعضهم مبلغه فيهدي مسقط رأسه عملا فنيا كبيرا من تصميمه، بل ويشرف على تنفيذه.
فهل جربت محافظة الغربية مثلا أن تستعين برؤية الفنان الكبير أحمد نوار في تحديد الهوية البصرية لمدنها ومراكزها؟ وهل فعلت ذلك محافظة المنوفية مع الفنان المهاجر عبدالرازق عكاشة؟ وبالمثل نسأل: كيف استفادت محافظة أسيوط بإبداعات ابنها الفنان الكبير سعد زغلول لبيب؟ هذه مجرد أمثلة، لكن على كل محافظة أن تبحث عن النابهين من أبنائها الفنانين الذين يدركون طبيعة ثقافة بلدهم ويعرفون مواطن الجمال فيها ويحفظون لها هويتها البصرية ويحافظون لها على وجهها الحضاري الجميل بعيدا عن العشوائية والقبح.