النكبة مستمرة.. مخططات ما بعد رفح
عبر الضفة والرصيف البحرى.. "الدستور" تكشف "المخطط الشيطاني" للاحتلال لتكرار "سيناريو 48"
- أبرز أدوات التنفيذ كان استخدام المستوطنين المسلحين فى الضفة
- المخاطر استدعت زيارة مفاجئة من الرئيس السيسى عشية حفل تنصيبه لدعم الأردن وقيادته
جددت الخطوات الأخيرة التى قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلى باقتحام المنطقة الشرقية من جنوب رفح، ومطالبة النازحين الفلسطينيين بإجلائها والنزوح مرة جديدة إلى منطقة أسماها جيش الاحتلال بالمنطقة الإنسانية الموسَّعة- مخاوف العالم من تنفيذ عملية تهجير قسرى لأهالى قطاع غزة من النازحين، الذين يتم تشريدهم بإجبارهم على النزوح للمرة الرابعة.
فمنذ أحداث ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وبدء عملية «طوفان الأقصى» التى ردت عليها إسرائيل بعملية أسمتها فى البداية بـ«السيوف الحديدية»، والتى لم تلبث إلا عدة ساعات لتتحول إلى حرب جنونية شعواء وصلت حد الإبادة الجماعية ولم يسلم منها بشر ولا حجر، بل حتى المنشآت الطبية ودور العبادة الإسلامية والمسيحية كانت هدفًا للسعار الإسرائيلى القاتل رغبة فى الانتقام لسمعة أمنية وعسكرية انتهت إلى الحضيض على يد أعضاء حركات المقاومة الفلسطينية.
اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلى منطقة جنوب شرق رفح، ومن ثم قيامها بالسيطرة على الجانب الفلسطينى من معبر رفح، استدعى للأذهان العمل على تنفيذ نكبة جديدة للفلسطينيين واستكمال مخططات التهجير بالتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية الأولى، من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلى بضغط الحكومة اليمينية المتشددة التى يقودها بنيامين نتنياهو بدعم من ممثلى القوى المتطرفة، وهما وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذان يحلمان بتنفيذ مخطط دولة إسرائيلية خالية من الفلسطينيين والعرب، وتكون خالصة لليهود، وهو ما تحلله «الدستور» فى السطور التالية، وتكشف عن مخططات متطرفى إسرائيل والاستعداد لمرحلة «ما بعد رفح».
تحذيرات سبقت اقتحام رفح بعودة مخططات التهجير للواجهة
فى يوم ٢٨ أبريل الماضى، حذر الرئيس الفلسطينى محمود عباس، خلال كلمة له فى الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادى العالمى فى الرياض، من أن اجتياح إسرائيل رفح سيمثل أكبر كارثة بتاريخ الشعب الفلسطينى، معربًا عن خشيته من توجه إسرائيل بعد غزة للضفة الغربية وترحيل أهلها نحو الأردن.
هذه التحذيرات سبقها تحذير مشترك من الرئيس عبدالفتاح السيسى، والعاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى، يوم ١ أبريل الماضى، من خطورة استمرار الحرب على غزة، وأعمال العنف التى يمارسها المستوطنون المتطرفون بحق الفلسطينيين بالضفة الغربية، والانتهاكات على المقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس.
كما أعاد الرئيس السيسى والملك الأردنى وقتها التأكيد على رفضهما أى محاولات لتهجير الفلسطينيين بالضفة الغربية وغزة، ومحاولات الفصل بينهما، محذرين من العواقب الخطيرة لأى عملية عسكرية فى رفح، كما حثا على ضرورة التوصل لهدنة إنسانية ووقف شامل لإطلاق النار فى غزة فى أقرب وقت.
هذه التصريحات التى جاءت خلال زيارة مفاجئة قام بها الرئيس السيسى إلى المملكة الأردنية عشية حفل تنصيبه لولاية رئاسية جديدة، التى ظهر معها أن أمرًا خطيرًا يجرى أو يلوح فى الأفق استدعى القيام بهذه الزيارة وإصدار هذه التصريحات المصرية الأردنية المشتركة.
استشراف مبكر أكدته ألاعيب حكومة المتطرفين
هذا الاستشراف ظهر صدق توقعاته بخطوات التسويف والتلكؤ والتعنت من قبل الحكومة الإسرائيلية خلال المفاوضات الخاصة بالتوصل إلى هدنة ووقف إطلاق النار من خلال قرارات بنيامين نتنياهو بضغوط ظاهرية ودعم مبطن مستمر من قبل ممثلى قوى التطرف فى حكومته «بن غفير وسموتريتش»، فتدخلات «نتنياهو» لم تتوقف فقط عند رفضه الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار أو تعقيد المفاوضات ورفض كل طلبات حركة «حماس» الخاصة بتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار فى القطاع، بل تجاوزتها إلى تقليص صلاحيات وفود المفاوضين فى اللقاءات المختلفة التى عقدت فى الدوحة والقاهرة وباريس.
وهو ما نجح فى الوصول إلى طريق شبه مسدود، بعد أن كادت مصر تحقق نجاحًا تامًا فى إقناع الجانبين بالتوصل إلى اتفاق وتنفيذه على الأرض، قبل أن تتحجج حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بذريعة الهجوم على الموقع العسكرى بالقرب من معبر كرم أبوسالم، لتقوم باقتحام رفح وتبدأ فى تنفيذ الخطط الجديدة على أمل أن تؤدى بهم لتحقيق حلم التهجير.
كيف مهدت حكومة نتنياهو لزرع مخطط التهجير فى عقل المجتمع الإسرائيلى؟
على طريقة السينما الأمريكية فى هوليوود متخذة من فيلم «Inception» مرشدًا ونموذجًا لها، تم التمهيد لخطة متطرفى الحكومة الإسرائيلية أكثر من مرة على عدة مراحل بهدف زرع هذا النموذج كخيار وحيد لا بديل عنه، لتحقيق حلم الدولة اليهودية الخالصة التى يشاركهم فيها أى عرق أو خصم يهدف لإنهاء الاحتلال.
بداية هذه الخطوات كانت فى ١٤ نوفمبر الماضى عندما قال وزير المالية الإسرائيلى المتطرف بتسلئيل سموتريتش، إن «الهجرة الطوعية واستيعاب عرب غزة فى دول العالم هو حل إنسانى ينهى معاناة اليهود والعرب على حد سواء».
وفى ١٧ نوفمبر الماضى، ظهرت إعلانات تحريضية فى هذا السياق، فقد خرجت للعلن صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» تحمل اسم «هاجروا الآن» تدعو سكان الضفة للرحيل الى الأردن.
تمثيلية التهديد بالانسحاب من الحكومة لتمرير قرارات إفشال المفاوضات
ولكن مع تطور الموقف الداعم لإنهاء الحرب وتصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل من أجل وقف العمليات القتالية، والوصول إلى هدنة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين- دعا وزير المالية الإسرائيلى بتسلئيل سموتريتش، رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، لمنع فريق التفاوض من التوجه لقطر. وقال: «على نتنياهو أن يأمر الجيش بدخول رفح فورًا»، وقالت القناة ١٣ العبرية، فى ١٩ مارس الماضى، إن وزيرى الأمن القومى إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، هددا بالانسحاب من حكومة بنيامين نتنياهو، إذا تضمنت الصفقة المحتملة مع حركة المقاومة الإسلامية «حماس» إطلاق سراح عشرات الأسرى الفلسطينيين الذين أُدينوا بقتل إسرائيليين.
هذا الموقف تكرر فى ٢٨ أبريل الماضى مع قرب نجاح الجهود المصرية فى التوصل إلى صفقة تبادل تتلوها هدنة، ومن ثم العمل على وقف إطلاق النار، حيث هدد وزيرا الأمن القومى والمالية الإسرائيليان، وقتها، بالانسحاب من الحكومة فى حال عدم اجتياح مدينة رفح جنوبى قطاع غزة.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية إن بن غفير وسموتريتش هددا بالانسحاب من الحكومة من أجل تفكيكها، فى حال علقت العملية العسكرية المحتملة فى رفح، فى ظل تزايد احتمال وقف العملية العسكرية فى رفح، حال إبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، واتهم الوزيران المتطرفان الوفد الإسرائيلى المفاوض بعدم تحمل مسئولياته تجاه أمن إسرائيل.
«حصار فى خانة اليك».. اقتحام شرق رفح والسيطرة على الجانب الفلسطينى من المعبر
تهدف الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التى يقودها فى الظاهر «نتنياهو» وعلى أرض الواقع «بن غفير وسموتريتش»، من خلال اقتحام المنطقة الشرقية مدينة رفح الفلسطينية، مُتحججين بذريعة إطلاق قذائف هاون على موقع عسكرى قرب معبر «كرم أبوسالم»، ومن خلال العملية العسكرية التى أطلقت صباح ٧ مايو الجارى- إلى إحياء مخططات التهجير مرة أخرى، بعد أن تصدت لها مصر وتبعها الأردن.
ومع ثبات واستمرارية الرفض المصرى أى عمليات تهجير للفلسطينيين واعتبارها خطًا أحمر لا يمكن قبوله أو التغاضى عنه أو تجاوزه بأى حال من الأحوال، اعتبر الأردن على لسان رئيس وزرائه، بشر الخصاونة، أن عمل إسرائيل بأى شكل من الأشكال نحو تهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة، سيكون بمنزلة «إعلان حرب» على بلاده.
فالخطوات الإسرائيلية الأخيرة وضح الهدف من ورائها كونه تصعيدًا لا يتفق مع محاولة تغطيته بإعلان العودة لمفاوضات لم تستمر سوى ساعات، بعدما تم تنفيذ المراد من التحرك واقتحام شرق رفح، بوصول قوات الاحتلال الإسرائيلى إلى الجانب الفلسطينى من معبر رفح البرى، وإغلاق معبر كرم أبوسالم، ليعود الوضع فى قطاع غزة للمربع الأول كما كان فى بداية الحرب.
أدوات تنفيذ المخطط
غلق المعابر لبدء عملية التجويع
الخطوة الأولى كانت بقيام قوات جيش الاحتلال بإتمام السيطرة على معبرى رفح وكرم أبوسالم، ومن ثم إغلاقهما تمامًا لبدء عملية تجويع جديدة ضد النازحين، ووقف جهود مصر الإغاثية للفلسطينيين، وكذلك بقية جهود الدولة التى تتخذ من رفح مركزًا لتجميع المساعدات، ومن ثم إدخالها عبر معبر رفح، ما يقطع الخط الوحيد والأساسى الذى يضمن بقاء النازحين فى جنوب رفح بالقرب من الحدود المصرية على قيد الحياة.
زيادة هجمات قطعان المستوطنين المسلحين
بالتزامن مع هذه الخطوة، تمت زيادة العمل على استخدام المستوطنين فى الضفة الغربية، الذين لم تنقطع هجماتهم منذ سنوات، ولكنها تضاعفت عقب أحداث ٧ أكتوبر، من أجل العمل على تسريع عمليات التهجير الصامتة التى تجرى على قدم وساق فى التجمعات البدوية فى الضفة الغربية مع التركيز الكبير عالميًا على العدوان المستمر فى غزة.
فمنذ بداية الحرب، واظب وزير الأمن القومى المتطرف إيتمار بن غفير على التصريح بشكل متكرر ودائم بالعمل على تسليح المستوطنين من أجل حمايتهم وضمان أمنهم من مخاطر الفلسطينيين فى الضفة الغربية، وذكرت تقارير إعلامية أنه تقدم ٢٥٠ ألف إسرائيلى للحصول على رخصة سلاح خلال شهرين من عملية «طوفان الأقصى»، مشيرة إلى أن عملية الحصول على تصريح حمل سلاح تستغرق ٢٠ ثانية فقط للمستوطنين.
وقالت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية، فى تقرير مفصل، إن «قوات الجيش وزَّعت آلافًا من قطع السلاح داخل المستوطنات»، وإن رئيس مجلس المستوطنات «تفاخر بأنه اقتنى آلاف القطع ووزّعها على المستوطنين»، وذلك بالتزامن مع إقدام الشرطة على تسهيل الحصول على رخص حمل السلاح لمستوطنين «دون خبرة قتالية ممن يعتنقون أيديولوجيا متطرفة».
كل هذه الخطوات صعّدت من حوادث اعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين، لينفذوا مزيدًا من الهجمات على المواطنين الفلسطينيين فى رام الله ونابلس وبيت لحم، خاصة مع منح سلطات الاحتلال ميليشيا المستوطنين صلاحية حماية المستوطنات فى الضفة الغربية.
هذا الهجوم أشار إلى أن قطعان وتجمعات المستوطنين لم يعد يهمهم أى شىء، ولا يوجد رادع لهم، وأن ما تم زرعه فى عقولهم وتزايد بشكل كبير منذ أحداث ٧ أكتوبر بضرورة تصعيد هجماتهم ضد الفلسطينيين فى الضفة لا بد أن يتم، ويجب ألا يتوقف.
الرصيف البحرى من مدخل للمساعدات إلى بديل للمعابر
وبالتزامن مع خطوتى غلق المعابر وتزايد هجمات المستوطنين، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل مفاجئ، عن اكتمال إنشاء الرصيف البحرى أو «الميناء العائم» قبالة غزة بشكل مفاجئ فى الساعات الأخيرة من يوم ٧ مايو، الذى شهد بدء العملية العسكرية فى شرق جنوب رفح، بعد أن تم الإعلان عن إيقاف العمل فى إنشائه قبلها بـ٤ أيام، ما يشير إلى أن الخطوات ليست قدرية أو بالصدفة، وإنما تم ترتيبها بشكل مسبق لتتفق مع رغبة قوات الاحتلال المعلنة فى إغلاق المنافذ المختلفة لقطاع غزة، والسيطرة على جميع معابر القطاع، والتحكم بما يدخل ويخرج منه، ما يشير إلى عمل حكومة بنيامين نتنياهو على بدء تنفيذ خطة تهميش معبر رفح البرى، وبالتالى محاولة تقليص الدور المصرى وتأثيره، ردًا على جهود القاهرة وضغوطها للتوصل لهدنة، وهو ما قرأته مصر وحذرت من استغلال حكمة التفاوض بشأن غزة، وأن هذه الحكمة لن تمنع مصر من حماية أمنها القومى بكل السُبل.
كما أن إنشاء هذا الرصيف يشير إلى وجود توجه بتحويل قضية العدوان على غزة من قضية سياسية إلى إنسانية فقط، وأن ما يحدث هو محاولة لمساعدة الفلسطينيين، وليس توفيرًا لحق من حقوقهم، وإلزامًا لقوة الاحتلال لتضطلع بمسئولياتها فى توفير احتياجات المدنيين العزل من أهالى قطاع غزة، لكن ما يتم العكس وهو ممارسة عمليات إبادة لا تتوقف ضدهم بكل القدرات العسكرية.
ولا بد من الإشارة أيضًا إلى وجود مخاوف فعلية من أنه قد تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلى باستخدام الميناء فى تنفيذ مخططات تهجير الفلسطينيين، ولو جزئيًا، من غزة نحو دول أخرى عبر البحر تحت شعار «الهجرة الطوعية»، وربما فى مرحلة تالية تتم محاولة إدخال أمريكا كطرف على الأرض فى غزة من خلال الرصيف، وطرح فكرة إدارة معبر رفح لشركة أمريكية خاصة.