اتفاقية السلام فى خطر.. هل تدرك إسرائيل الرسالة المصرية جيدًا؟
نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية تقريرًا، اليوم الجمعة، تحدثت خلاله عن تهديد مصر، عبر أمريكا، بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل.
وقالت "معاريف" إن مصر طالبت الإدارة الأمريكية بممارسة ضغوط على إسرائيل لدفعها إلى إنهاء عمليتها في مدينة رفح الفلسطينية، والعودة إلى المفاوضات بجدية، وإلا سيعملون على إلغاء اتفاقيات كامب ديفيد.
وأكدت أن ذلك دفع المسئولين الإسرائيلين للاتصال بنظرائهم المصريين، للاستفسار عن طبيعة هذه المطالبات وحجمها ومدى تأثيرها خاصة بعد تصاعد الحديث عبر الإعلام المصري بهذه المطالبات.
توقيت التقرير الذي نشرته "معاريف"، وهي من بين الصحف الأكثر انتشارا في إسرائيل، يكشف عمق التوتر الحالي في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب.
توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل.. ماذا يحدث؟
ولم تشهد العلاقات بين مصر وإسرائيل مثل ذلك التوتر منذ توقيع اتفاقية السلام قبل نحو 45 عامًا، بينما نشأ الآن بسبب تصميم اليمين المتطرف الإسرائيلي على سلوكه التصعيدي سعيًا إلى هدم قواعد الأمن والاستقرار في المنطقة.
في السياق ذاته، فإن المواقف التي تتبناها مصر تأخذ في عين الاعتبار ضرورة الحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وأنها لن تسمح بتهديد أمن أو مصالح الشعوب، كما أنها أيضًا لن تسمح بأي تهديد لأمنها القومي وستقوم بحمايته بكل السُبل.
ويدل تقرير "معاريف" على قوة التحرك المصري مع أمريكا بهدف دفعها لممارسة الضغط على إسرائيل، موضحة مدى التأثيرات السلبية التي ستنعكس على استمرار اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب، ومخاطر تداعيات العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح الفلسطينية.
وتزايدت التحركات المصرية مع الإدارة الأمريكية في ذلك الاتجاه عبر وليام بيرينز مدير المخابرات المركزية الأمريكية "CIA"، والذي كان يزور مصر خلال الأسبوع المنصرم.
كيف تتحرك أمريكا في ظل الموقف المصري؟
وأكدت مصر ضرورة الضغط على إسرائيل من أجل وقف عملياتها في رفح الفلسطينية، والعودة إلى المفاوضات، تجنبًا لأية تأثيرات تهدد استمرار اتفاقية "كامب ديفيد".
وكذلك، فإن تأثير وجدية التحذير والضغوط المصرية لرفض وجود أي اجتياح إسرائيلي لرفح، ظهر جليًا في الحديث العلني للرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال لقاءه مع شبكة "CNN" الأمريكية، حيث أكد أن "العملية الإسرائيلية في رفح الفلسطينية تتسبب في مشكلات مع مصر، التي يحرص على العلاقات معها".
لم يكن ذلك التحرك الأمريكي العلني الوحيد، ولكن جدية التهديدات المصرية دفعت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى إجراء اتصالا فوريًا مع سامح شكري وزير الخارجية، والذي أُعلن عنه في ساعة مبكرة من صباح اليوم.
وحرص بلينكن على أن يؤكد لشكري رفض واشنطن أي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح، ذلك التأكيد الذي يكشف أيضًا في طياته حجم التحركات التي لا تزال تبذلها القيادة المصرية لوقف التصعيد وإنهاء الحرب في غزة.
وكذلك، دفعت جدية التحركات المصرية، أمريكا، إلى ممارسة ضغوط فورية على الجانب الإسرائيلي، في محاولة لكبح تهور اليمين المتطرف هناك، والذي ينذر بإشعال صراع صفري لن ينول منه أي انتصار.
اتفاقية السلام: حجر زاوية لا يجب خدشه
ولا يخفى أن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل كانت ولا تزال حجر الأساس للأمن والاستقرار الإقليمي ككل، بل أنها تعد نموذجًا لمنح الأمل لشعوب المنطقة لإمكانية إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بالطرق السلمية القائمة على السلام العادل.
ومن ثم، يجب على مختلف المستويات في إسرائيل أن تعيد التفكير جيدًا في السلوك الذي يتبعه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، واليمين المتطرف الموالي له، وإدراك أن أي ممارسات أو حماقات إسرائيلية لتهديد ثوابت وقواعد هذه الاتفاقية سيدفع ثمنها كافة الأطراف.
وتجاوب الإسرائيليون مع الضغوط الأمريكية، حيث كشفت "معاريف" أنهم – في إسرائيل - تواصلوا مع المسئوليين المصريين بالفعل لمعرفة طبيعة وحجم ونطاق هذه المطالب، لاسيما بعد تصاعد الحديث عنها في وسائل الإعلام بشكل علني.
وبالتأكيد فإن الرد المصري كان واضحًا دون لبس فيه، بضرورة وقف العمليات العسكرية في رفح الفلسطينية، ومنع توسعها، وأيضًا وقف الحرب في غزة.
رسالة مصرية واضحة.. هل تدركها إسرائيل؟
ومن المرجح أن يكن هناك مستويات في إسرائيل بدأت رحلة إدراك حول مدى خطورة تداعيات أو تصاعد التوتر الحالي مع مصر، خاصةً أن المواقف الرسمية للقاهرة يعبر عنها عادة وسائل الإعلام المصرية.
وليس ذلك فقط، فإن وسائل الإعلام المصرية تكون انعكاسًا للمواقف والتطلعات الشعبية بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية، والتي أكدت مجددًا أن هناك ثقة راسخة في القيادات المصرية ودعمها في الدفاع عن مصالح الوطن والأمن القومي المصري.
في حقيقة الأمر، يجب على كافة المستويات في إسرائيل أن تدرك جيدًا خطورة استمرار أو تصعيد التوتر الحالي بين القاهرة وتل أبيب، وإلا ستكون اتركبت خطأ جسيمًا حال تهاونت تجاه التحذيرات المصرية بشأن التصعيد في رفح وعلى الحدود المصرية.
في ذلك السياق، يظهر أن أي محاولة إسرائيلية لتجاوز الخطوط الحمراء التي حددتها القاهرة، والمتمثلة في أي محاولة للمس بالسيادة المصرية أو تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، سيدفع فورًا إلى تجميد اتفاقية "كامب ديفيد" بالكامل، ومن ثم تجميد العلاقات، وهو عكس ما تحاول "معاريف" ترويجه زيفًا بأن ما تفعله مصر جزءً من الضغط ليس إلا، بينما تتحدث القاهرة بمواقف واضحة وجادة لا جدال فيها.
المعلومات الواردة في تقرير "معاريف"، بجانب التصريحات والتحركات الأمريكية سواء العلنية أو غير ذلك، تؤكد مجددًا أن مصر هي التي عطلت على مدى 8 شهور أية محاولات إسرائيلي لتنفيذ اجتياح كامل لرفح الفلسطينية، بل أنها كثفت الجهود والخطوات التي تقودها – حتى الآن – لوقف الحرب في غزة، وأيضًا منع انفجار الأوضاع في المنطقة بأكملها، مما يهدد مصالح العالم كله.
كيف يجب أن تفكر إسرائيل الآن؟
وكذلك، فإن تلك التقارير، لاسيما الإسرائيلية، تعد ردًا مباشرًا على المنصات المعادية التي حاولت الترويج لأن إسرائيل نسقت مع مصر خططها لتنفيذ عملية اجتياح لرفح الفلسطينية، رغم الموقف المصري الواضح بضرورة الوقف الفوري لأي أنشطة عسكرية إسرائيلية في المدينة الفلسطينية على الحدود المصرية مع غزة.
وتؤكد التحركات التي تتخذها القاهرة قناعتها بأن السلام هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ولكن في الوقت ذاته، فـ"مصر" التي حاربت قبل 50 عامًا، وصممت على استرداد أرضها، ثم اختارت سبيل السلام، لا تزال تمتلك الأدوات والقدرات لحماية مصالحها وأمنها القومي، وكذلك الأمن القومي العربي.
ويجب على القيادة الإسرائيلية أن تتجه إلى "نقطة نظام" ضد السلوك المتهور الذي يخرج من بين أروقتها مؤخرًا، والنظر إلى أن مصر لا تهتم باتخاذ المواقف "العنترية" أو الحنجورية في تحركاتها، لكنها بكل خطى ثابتة وجادة تسعى إلى منع تفجير الأوضاع في كافة أنحاء الشرق الأوسط، وكونها اختارت أن تكون قوة سلام في المنطقة، لن يمنعها مطلقًا من التحرك لحماية أمنها القومي، كما يجب على القيادة الإسرائيلية أيضًا التفكير مليًا وجيدًا في تداعيات أي محاولة قد ينتج عنها أي تهديد مباشر للمصالح المصرية.