محمد الباز يكتب: ضربة حماس المريبة.. والمشبوهة أيضًا
كان المفاوض المصرى على بُعد خطوات من إتمام الهدنة بين حماس وإسرائيل.
كل المؤشرات كانت تقول ذلك.. كل الدلائل تؤكده.. وكل التصريحات التى خرجت من مصادر مسئولة وقريبة مما يجرى فى الغرف المغلقة كانت تبشرنا بأن احتواء يُجرى للموقف قبل أن يتأزم إلى درجته القصوى.
أعلن وزراء مجلس الحرب فى إسرائيل أنهم يوافقون على الخطة المصرية، وأن نتنياهو- رغم تحفظه على بعض التفاصيل- يوافق أيضًا على الخطوط العريضة.. المراقبون للمفاوضات التى تقوم عليها مصر أكدوا أن الوصول إلى خط النهاية أصبح وشيكًا.
حاول مسئولون إسرائيليون التشكيك فيما يحدث.
قالوا إن حماس لا تريد أن تصل إلى حل، وإنها بمطالبها غير الواقعية لا تسعى إلى اتفاق.
شكك مَن ينتمون إلى معسكر حماس فيما يقوله الإسرائيليون، لكن ما حدث على الأرض أكد أن "حماس" لا تتصرف بمسئولية.
كان العالم كله، بقيادة مصرية، يعمل حتى لا تنفجر الأوضاع فى رفح، وقف حائلًا دون الاجتياح، بذل جهدًا خارقًا حتى لا تتم العملية العسكرية التى تلوح بها إسرائيل، وتسعى إلى تنفيذها بكل السبل، لكنها كانت تجد الطريق إليها مغلقًا.
لكن حماس، وكعادتها، وبتصرف أقل ما يوصف به بأنه حمق سياسى كامل، منحت إسرائيل المبرر لعملية الاقتحام، قصفت معبر "كرم أبوسالم" ببضعة صواريخ أطلقتها من رفح على بُعد مئات الأمتار، زاعمة أنها كانت تقصد قاعدة عسكرية إسرائيلية، وراحت تعلن عن مسئوليتها عما جرى.
الحقيقة أن "حماس" لم تقصف المعبر الذى كان يعتبر مدخلًا مهمًا وحيويًا للمساعدات الإنسانية، ولكنها قصفت كل الجهود التى بُذلت للوصول إلى هدنة، هدمت كل المشاورات التى ظل المفاوض المصرى يجريها بين الأطراف المختلفة فى القلب، فتبدد كل شىء.
لا يمكن أن يصف أحد ما قامت به حماس بأنه فعل مقاومة.
لا يمكن أن نتحدث عن دفاع عن النفس.
فنحن أمام عملية مريبة، ولن أبالغ إذا قلت إنها مشبوهة أيضًا.
لقد سمعت تشكيكًا فى نوايا حماس وقياداتها، فهم لا يريدون هدنة، ولا ندرى كيف يفكرون، أو كيف يقومون بعمل حساباتهم السياسية والعسكرية على الأرض بعد كل الخسائر التى لحقت بقطاع غزة أرضًا وشعبًا.
منذ اللحظة الأولى ومصر تقف فى مواجهة سيناريو تصفية القضية الفلسطينية، وسيناريو التهجير، عملت على نزع كل الحجج التى كانت تتذرع بها إسرائيل، أفسدت عليها مخططاتها، وفى لحظة تأتى حماس لتضع السكين فى يد إسرائيل من جديد، تكشف أى غطاء عن نفسها أمام العالم، فلا تجد مصر ما تسترها به.
لقد أدى هذا القصف إلى دخول الصراع كله إلى نفق مختلف، وهو نفق بلا ملامح، وأعتقد أننا أمام ساعات عصيبة مرتقبة، مزيد من الضحايا، مزيد من المواجهات، مزيد من التخريب، مزيد من الخسائر، ولا يمكن أن نلوم أحدًا هذه المرة إلا "حماس"، التى كان قادتها يجلسون على موائد المفاوضات بينما يجهزون صواريخهم للقصف.