لم تكن شعارات جوفاء
لنقل بكل بساطة، حتى نمنح العمل أهميته التى يستحقها، ونقدرها، وحتى نكون أمناء، ومحقين، وقارئين للتاريخ: إن «العمل هو كل شىء.. وإن كل شىء هو العمل».
1 مايو هو عيد الاحتفاء باليد البشرية والعقل البشرى والحلم البشرى، الذى حقق المعجزات، وما زال يبهرنا بثمراته الشهية.
واجب على كل البلاد أن تحتفل بالعمل وبالعمال، على مدار العام كله، وليس فقط فى يوم واحد. أليس العمل هو الذى أوجد الحياة وصنع الحضارات وأبقى على النماء واخترع الأدوات، فى كل مجال، فى كل زمان ومكان؟. أليس العمل هو الذى جعل من ماء البحر المالحة قطرات ماء عذبة تروينا؟. وهو الذى أدار محركات السفن والطائرات والسيارات لتنقلنا أينما نريد، ومتى نشاء؟.
العمل صنع أوتار العود والكمان، لتعزف لنا عزاءها فى الأحزان ومشاركتها فى الفرح. كما صنع أوتار النول اليدوى لتغزل النسيج وصنع أرغفة الخبز لتبقينا على قيد الحياة. وعندما يفتك بنا الألم الشرس، أليس العمل هو وراء الأقراص المسكنة التى تعيد للجسد هدوءه وتخلصه من الألم؟.
وهى مهمة مضنية محكوم عليها بالفشل، مسبقًا، أن يحاول أى إنسان الإحاطة بمنجزات العمل وثمرات الكد والكفاح التى أنجزها العمل، وقدمتها الطبقة العاملة، منذ إشراقات الجنس البشرى.
وعندما كنا نردد: «العمل حق واجب شرف حياة»، لم يكن هذا الترديد اعتباطًا، أو نوعًا من الشعارات الجوفاء، والضحك على عقول العمال وتطييب خاطرهم. بل كان يعكس وعيًا إنسانيًا راقيًا بقيمة العمل ومكانة العامل والعاملة. «العمل حق واجب شرف حياة» كانت مقولة نرددها بزهو، بصوت عالٍ، فى طوابير الصباح فى المدارس، ونكتبها على أغلفة الكتب والكراسات وعلى جدران المبانى وعلى زجاج الأتوبيسات وعلى حوائط الشوارع، لنثبت قدر العمل فى المجتمع وبين الناس. كلمات قليلة بسيطة كانت كافية لأن يشعر كل عامل وكل عاملة بالفخر والاستحقاق لأنها فى وطن يشعر لها بالامتنان، وأن ما تفعله تاج على رءوسنا جميعًا، ولن يذهب عبثًا، أو هدرًا.
إن ما يفعله العمل هو «ضرورة» للنهوض بالشعوب فى المجال الاقتصادى والاجتماعى والفكاك من التبعية والعلاقات التجارية العالمية غير المتكافئة التى تفرضها الدول الصناعية الكبرى على الدول الأقل تقدمًا.
وفى مجتمع مثل مصر، حيث الكثافة السكانية، التى تعززها الثقافة الدينية التقليدية، والأعراف الاجتماعية البالية، يصبح العمل والتوسع فيه وخلق مجالات متزايد، هو الحل الوحيد الأمثل لامتصاص الزيادة السكانية، وتوجيهها نحو المسار الوطنى المفيد للأفراد والمجتمع.
إن الأفراد الذين يلدهم المجتمع، ويكبرون ولا يجدون «عملًا» يتناسب مع تعليمهم ومهاراتهم وخبراتهم وأحلامهم وأمنيات آبائهم وأمهاتهم، وينتهى بهم الحال للتسول أو الجلوس على المقاهى، يتحرشون بالفتيات والنساء، هم «خطر» داهم.
على أنفسهم هم «خطر»، حيث يقتلهم الإحباط والشعور بعدم القيمة واللاجدوى وعدم البهجة فى الحياة. فى أغلب الأحيان تصيبهم أمراض نفسية وعضوية خطيرة، حيث أجمل الطاقات بداخلهم محبطة ومعطلة عاجزة عن التحقق. وكذلك يمتد الأمر الى الأسرة التى تحملت العبء الأكبر وقامت بتضحيات كثيرة من أجل تعليمهم وتربيتهم.
وهم أيضًا «خطر» على مجتمعهم. فالبطالة أسرع طريق إلى الحقد والغضب والاستفزاز وتوليد الرغبة فى الانتقام بأشكال ودرجات مختلفة. هم لا ينتقمون فقط لأنفسهم. ولكن أيضًا لأم أنكرت راحتها وسعادتها وكرامتها، لكى يدخلوا المدارس والجامعات. وكذلك، لأب كان يحرم نفسه من اللقمة والهدمة ليوفر لهم حياة أفضل.
إذن فالعلاقة وثيقة وعضوية وحميمة وعميقة، أكثر مما نتصور، بين «العمل»، و«النهضة» و«السعادة» و«الصحة النفسية» و«الصحة الجسمية» و«الأمان» و«الاستقلال» و«الحرية» للفرد والمجتمع، على حد سواء.
إن بلدًا مثل الصين، حيث يصل سكانه إلى ما يقرب من 2 مليار نسمة، عرف كيف يستفيد من هذا الكم الضخم، وكيف يحوّله إلى سلاح للتقدم، ينبهر به العالم كله. بالعمل ليلًا ونهارًا، أعلن الصين مؤخرًا عن أنه فى عام 2021 قد قضى على البطالة والفقر.
واليوم نستمر فى قراءة الأخبار التى تفيد بأن مصر سوف تعمم الإدارات الإلكترونية والميكنة والشباك الواحد لخدمة الشعب المصرى ولتقليل فرص الفساد.
كلام جميل. ولكن ماذا سنفعل مع الانفجار السكانى الهائل؟
ماذا سنفعل وكل عشرين ثانية يولد طفل؟
ثانيًا: هل خدمة الشعب المصرى تكون بالتوسع فى الميكنة والاستغناء عن أبنائه وبناته فى «العمل».. أم بخلق فرص جديدة ومتزايدة للعمل؟
ثالثًا: إن القضاء على الفساد، الذى ينبع من العنصر البشرى، ليس بإلغاء العنصر البشرى. ولكن بتوفير فرص عمل أفضل وتحسين الأحوال المادية والمعيشية والبيئية والتشريعية للعنصر البشرى، حتى لا يضطر إلى أخذ رشاوى، أو عقد صفقات للتحايل على القوانين.
إن القضاء على المرض لا يكون بالقضاء على المريض. ولكن بالتشخيص السليم للمرض، والعلاج الآمن غير الجشع.
لنأخذ بعض مزايا «الميكنة» فى حدودها التى تنفعنا، وتتناسب مع ظروفنا ومع مواردنا البشرية الضخمة، وحيث نحولها من «نقمة» إلى «نعمة».
ولا بد أن ننشر ثقافة تحديد النسل، لأننا لو حددنا عدد أفراد السرة المصرية، منذ سنوات طويلة، ووضعنا عقابًا رادعًا لمنْ يخالف مصلحة البلد لأصبحنا فى حال غير الحال.
إن الثقافة الدينية السائدة لا توضح للناس مخاطر كثرة النسل. أغلب الناس فى بلادنا مهما كان فقرهم يصرون على كثرة الإنجاب. هم يعتبرونها ضرورة دينية تزيد من عدد المسلمات والمسلمين. وهذا مطلوب.
أين دور المؤسسات الدينية فى هذا الأمر؟. أليس هذا جزءًا أساسيًا من تجديد الخطاب الدينى، الذى نتعثر فيه منذ 2014، وحتى الآن؟
من بستان قصائدى
===========
كان يبهرنى دائمًا
الإنسان الغارق فى الثراء
ويكافح وربما يدفع حياته
من أجل الفقراء