بعد ضياع الفرصة الأولى.. لماذا تميل إسرائيل لإتمام صفقة فى غزة الآن؟
فى ديسمبر الماضى، رفضت إسرائيل، بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، صفقة جدية لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، مقابل تحرير المحتجزين فى القطاع لدى حركة «حماس» الفلسطينية، لكنها تعطى حاليًا مؤشرات إيجابية نحو إتمام صفقة مشابهة، تضمنها المقترح المصرى، الذى يتم التفاوض بشأنه حاليًا.
وفى الوقت الذى ينتظر فيه الجميع التوافق حول الصفقة الجديدة، رغم الضغوط المتبادلة بين الطرفين، والتهديد الإسرائيلى باجتياح مدينة رفح الفلسطينية، يدور السؤال حول أسباب التحول فى الموقف الإسرائيلى والظروف الجديدة التى أدت إلى الميل لقبول ما تم رفضه من قبل، بعد فرصة ضائعة لإنهاء الأزمة قبل عدة أشهر، وهو ما تتناوله «الدستور» فى السطور التالية.
تل أبيب توافق على مقترحات رفضتها قبل أشهر وتتجه للقبول بوقف إطلاق النار
فى ديسمبر الماضى، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو مقترحًا لإنهاء الأزمة، يشبه كثيرًا المقترح المصرى، الذى يتم النقاش حوله حاليًا، وكان موضوع الخلاف وقتها هو بند إطلاق سراح ما بين ٢٠ و٤٠ من الإسرائيليين من النساء وكبار السن المحتجزين لدى حركة «حماس» الفلسطينية، مقابل هدنة ستستمر لمدة ٦ أسابيع، وإطلاق إسرائيل سراح بعض الأسرى والسجناء الأمنيين الفلسطينيين المحتجزين فى سجونها. وحينها، أرادت إسرائيل تحرير عدد أكبر من المحتجزين، مع رفض تحرير أسماء معينة من الأسرى الفلسطينيين، المحكوم عليهم بأحكام عالية، وبينما أصرت «حماس» على نهاية دائمة للحرب، أرادت إسرائيل فى حينه مجرد هدنة مؤقتة لعدة أسابيع، ووقتها، سعى الوسطاء إلى دفع المفاوضات إلى الأمام، دون معالجة تلك النقطة على الفور، خاصة أن إسرائيل أصرت على أن «حماس» لم يعد بإمكانها البقاء فى غزة، ويجب إكمال العملية العسكرية لتدميرها.
وطوال الفترة الماضية، أكد الوسطاء فى مصر وقطر أن إسرائيل تطرح فى كل مرة شروطًا يبدو أنها موجودة لعرقلة الأمر، وهو ما اتفق معه إسرائيليون، وأكدوا أن «نتنياهو» وفريقه طرحوا شروطًا لا جدوى منها، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى أرسل مستشاره السياسى، عوفير فليك، للتأكد من أن الوفد الإسرائيلى لن يظهر مرونة فى المفاوضات.
وفى أعقاب اتهامات كبير المفاوضين فى الصفقة بعرقلة المباحثات، أوضح زعيم المعارضة فى إسرائيل، يائير لابيد، أنه سيدعم الاتفاق، وسيوفر «شبكة أمان» لـ«نتنياهو»، ودعاه إلى التخلص من الوزيرين المتطرفين فى حكومته إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، قائلًا: «نتنياهو.. لديك أغلبية من شعب إسرائيل تؤيد الصفقة، ولديك أغلبية فى الكنيست تؤيد الصفقة، وإذا لزم الأمر، اطرد (بن غفير) و(سموتريتش) من الحكومة، وسأعطيك ٢٤ مقعدًا من حزبى (هناك مستقبل)، للحصول على أغلبية فى الحكومة». مضيفًا أنه يجب أن يعود المحتجزون إلى منازلهم.
ورغم ذلك، استمر الرفض الإسرائيلى للاتفاق لأكثر من ٤ أشهر. وحاليًا، يجرى التفاوض على مقترح مصرى يشبه كثيرًا ما رفضته إسرائيل من قبل، ويتضمن صفقة تشمل إفراج «حماس» ما بين ٢٠ و٤٠ محتجزًا إسرائيليًا فقط، مقابل الإفراج عن مئات السجناء الأمنيين من ذوى الأحكام العالية فى السجون الإسرائيلية، مع وقف إطلاق النار لمدة لا تقل عن عشرة أسابيع، سيناقش خلالها الجانبان المرحلة الثانية من الصفقة. وتتضمن المرحلة الثانية عودة الآلاف من النازحين إلى شمال قطاع غزة، مع وقف إطلاق النار لمدة عام، يتم فيه الإعلان عن تنفيذ خطوات لإقامة دولة فلسطينية، وهو الطلب الذى لم تقبل به إسرائيل حتى الآن، ويشكل تحديًا كبيرًا على طريق التوصل إلى اتفاق. وحسب المقترح الحالى، فقد تم تخفيض الحد الأدنى لعدد المحتجزين الذين تلتزم «حماس» بإطلاق سراحهم، مع إزالة التقسيم بين أجزاء قطاع غزة، كما تتخلى إسرائيل عن الدخول إلى مدينة رفح، وتوافق على وقف إطلاق النار، وكلها مطالب سبق أن رفضتها إسرائيل. ووفقًا للمتابعين، فإن المقترح الحالى يحظى بفرصة كبيرة لقبوله رغم ميل الجانبين، إسرائيل و«حماس»، إلى تبادل الضغوط لقبول الصفقة.
فمن جانبها، هددت دولة الاحتلال «حماس» بأنها إذا لم تقبل الصفقة فإن القوات الإسرائيلية ستقدم على تنفيذ العملية البرية فى رفح، خاصة مع مواصلة الجيش الإسرائيلى استعداداته العسكرية للعملية.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلى يسرائيل كاتس، للقناة ١٢ العبرية: «إذا كان هناك اتفاق، فسنعلق العملية فى رفح»، مشيرًا إلى أن الإفراج عن المحتجزين فى القطاع يمثل أولوية قصوى. وأضاف «كاتس»: «إذا كان هناك خيار للتوصل إلى اتفاق، فسنفعله»، رغم تأكيده أن هذا لن يؤثر على الهدف العام للحرب، وهو تدمير «حماس».
فيما نقل موقع «أكسيوس» الأمريكى عن مسئولين إسرائيليين قولهم إنه تم إبلاغ الوسطاء بأن إسرائيل مستعدة لمنح المفاوضات فرصة أخيرة للتوصل إلى اتفاق، قبل المضى قدمًا فى غزو رفح.
ومن جانبها، تحاول حركة «حماس» الضغط على إسرائيل عبر نشر فيديو لمحتجزين إسرائيليين، هما عمرى ميرين وكيث سيجال، اللذان تحتجزهما الحركة منذ ٢٠٤ أيام.
وقبل ذلك، نشرت «حماس» فيديو يظهر فيه الرهينة الإسرائيلى الأمريكى هيرش جولدبيرج بولين، ٢٣ عامًا، وهو على قيد الحياة أيضًا. وتهدف تلك الفيديوهات إلى دفع عائلات المحتجزين إلى زيادة الضغط على حكومة «نتنياهو» للمضى قدمًا فى إتمام الاتفاق، كما يعتبر المراقبون أنها تهدف إلى الضغط على إسرائيل لقبول الصفقة بالشروط المطروحة.
محلل فى «يديعوت أحرونوت»: لو دخلنا رفح لن يبقى هناك محتجزون أحياء
من الواضح لدى المراقبين أن إسرائيل تقدم الآن مزيدًا من التنازلات وتبدى مرونة فى قبول اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما يرجع إلى عدة أسباب، منها أنه قبل أشهر، خاصة فى ديسمبر الماضى عندما عرقلت حكومة رئيس الوزراء نتنياهو الصفقة، كانت إسرائيل فى وسط عمليتها العسكرية فى قطاع غزة، وكان وقف الحرب وقتها بمثابة قطع للعمليات العسكرية فى منتصفها، دون تحقيق الهدف المتمثل فى القضاء على البنية التحتية والعسكرية لحركة «حماس» الفلسطينية.
أما الآن، فقد أصيبت «حماس» بشدة، وحتى لو كانت لا تزال تهاجم إسرائيل فإنها ليست بنفس القدرات التى كانت عليها قبل ٤ أشهر.
من ناحية أخرى، فقد كانت الرؤية لدى دولة الاحتلال وقتها أنه يمكن العمل من خلال محورين متوازيين، لتنفيذ صفقة رابحة وإنهاء العملية العسكرية، وكانت التصريحات الرسمية من إسرائيل توضح أن تل أبيب تسعى فى المسارين مع بعضهما، رغم حقيقة أن هذا كان مستحيلًا، وأنه كان عليها أن تختار بين وقف إطلاق النار وتحرير المحتجزين، وبين استكمال العملية العسكرية للقضاء على «حماس» مع إمكانية موت هؤلاء المحتجزين.
وكما يبدو، فإن إسرائيل قبل ٤ أشهر، اختارت العملية العسكرية كأولوية، وجاء ملف المحتجزين فى المرتبة التالية من أولوياتها.
وحول ذلك، قال رونين برجمان، محلل شئون الاستخبارات، فى مقاله بموقع «يديعوت أحرونوت»: «كان من الممكن- والضرورى- إعادة المحتجزين فى وقت سابق. لقد ثبت مرارًا وتكرارًا أن استمرار الحرب لا يؤدى إلا إلى موتهم، وهم يحاولون الآن أن يقولوا للجمهور إن عملية رفح وحدها هى التى ستمكنهم من القضاء على (حماس)، لكن عمليًا، قد تستغرق العملية فى رفح وقتًا أطول، وليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت تستحق ثمنها».
وأضاف «برجمان»: «فى البداية قالوا إن مناورة برية فقط هى التى ستجلب المحتجزين، رغم أننا نعلم أن (حماس) طرحت على الطاولة عرضًا مماثلًا تقريبًا، وربما أفضل لإسرائيل، قبل أن تقرر دخول غزة».
واستطرد: «بعد انفجار الصفقة الأولى، قبل خمسة أشهر، قالوا إنه سيكون احتلال خان يونس فقط، والآن يقولون إننا فقط إذا انتصرنا فى رفح سيتحقق لنا النصر الكامل، وكذلك إطلاق سراح المحتجزين ورأس القيادى الحمساوى يحيى السنوار، لكن من المشكوك فيه أنه بعد رفح سيظل هناك محتجزون على قيد الحياة للتفاوض حولهم».
وتابع: «كانت الاستراتيجية الإسرائيلية فى بداية الحرب هى أن إسرائيل ستبدأ الحرب على غزة، لتحقيق النصر المُطلق- كما أسماه نتنياهو، والذى فسره لاحقًا بأنه يعنى تدمير (حماس)، وتحرير المحتجزين، وكانت الفكرة فى حينه أن الضغط العسكرى هو الذى سيدفع (حماس) إلى المرونة فى الصفقة والقبول بشروط إسرائيل، ولكن ما يجرى الآن هو أن إسرائيل تنازلت عن مطالبها الصعبة، وأبدت مرونة فى المفاوضات، رغم أنها لا تزال تهدد باجتياح رفح».
واختتم: «بالنسبة لصفقة المحتجزين، فقد كانت هناك صفقة كهذه بالفعل، لذا فمن الواضح أن إسرائيل وافقت فى النهاية على الشروط التى زعم المستوى السياسى- عندما طرحتها «حماس» مرارًا وتكرارًا- أنها صفقة غير مقبولة، أى أن إسرائيل وافقت على ما أدى إلى نسف المفاوضات فى وقت سابق».