سحر الموجى.. رَابِحَةُ العَظَمَةِ
أن يقال إن المصرية الصميمة سحر الموجى «المولودة فى القاهرة 1963» هى الأكاديمية المعتبرة، أستاذ الشعر الإنجليزى والأمريكى فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، المؤمنة بديمقراطية التعليم إلى أقصى درجة، والبسيطة المتخلصة من طباع معقدة كبلت نفوس طوائف من المشتغلين بالتدريس فى الجامعات وغيرها على وجه العموم.
فهذا يكفى تمامًا، وأن يقال إنها النسوية الجادة النشطة، بعيدًا عن الصخب الفارغ لعديدات ممن حملن الوصف نفسه، فهذا يكفى تمامًا، وأن يقال إنها القاصة والروائية البديعة ذات البصمة الفارقة فى صياغة السلاسل الذهبية التى جادت بها قريحتها فهذا يكفى تمامًا «أطروحاتها القصصية: سيدة المنام 1998 عن دار شرقيات للنشر والتوزيع، وآلهة صغيرة 2003 عن دار ميريت للنشر والمعلومات، أطروحاتها الروائية: دارية 2008، نون 2008، مسك التل 2017 صدرت الأعمال الثلاثة عن دار الشروق» وأن يقال إنها حائزة الجوائز الرفيعة فى الأدب «جائزة أندية الفتيات بالشارقة عن رواية دارية 1999، وجائزة كفافيس للنبوغ عن رواية نون 2007، وجائزة ساويرس الثقافية عن رواية مسك التل 2019» فهذا يكفى تمامًا، وأن يقال إنها صاحبة المقالات الرصينة الفيصلية فيما تعرض له من الموضوعات والقضايا فهذا يكفى تمامًا، وأن يقال إنها الممثلة بهية الحضور.
ولو كانت ركزت فى مجال التمثيل لكانت بلغت قمته، فهذا يكفى تمامًا، وأن يقال إنها «الحكاءة» الجذابة الملهمة فهذا يكفى تمامًا، وأن يقال إنها المثقفة الموسوعية المستنيرة فهذا يكفى تماما، وأن يقال إنها الناقدة البصيرة الموضوعية فهذا يكفى تمامًا، وأن يقال إنها قرينة الوعى فوق العادى فهذا يكفى تمامًا، وأن يقال إنها الإذاعية التى انفرد إيقاعها الصوتى اللطيف الآسر بابتكاراته فلم يحل متابعيه إلى تجليات غير تجلياته الخاصة، مستغنية بالجمال الوافر الذى ملكته عن الحاجة إلى ميراثها الإذاعى النفيس من والدتها الرائدة الراحلة جمالات الزيادى، فهذا يكفى تماما.
وأن يقال إنها السيدة الخلاقة التى بوسعها مفاجأة العالم، فى كل لحظة، بشىء جديد مدهش، يضاف إلى سجلها الحافل بالأشياء الجديدة المدهشة، فى إطارها الرحب أو خارجه، فهذا يكفى تمامًا.
أنا فى الحقيقة أود أن أتحدث عن الإنسانة التى وراء ذلك التنوع الهائل كله والشرف الباذخ بجملته وتفاصيله، الإنسانة التى لما اقتربت من دوائرها الفخمة؛ عدت مؤمنا بأن الأشياء جليلة القدر يساويها إنسان كثقلها وزيادة، فقد كانت طغمة من الموهوبين الكبار، لا سامحهم الله، أفقدتنى الإيمان بذلك فى وقت من الأوقات، وامتد أثرهم السلبى طويلًا بدواخلى، ولكن سحر الموجى، وإن أندادها لندرة، تناقض حالتها الصادقة الصافية كذب من أدمنوا المخادعة من المقصودين، وتناقض شوائبهم المخزية، وتقدر، بيسر لافت، على إعادة الثقة فى الذين يجرى التعويل الكبير على فيوضاتهم العبقرية الأخاذة؛ فكم يفقد عنوان الثقة باحثون عن شوارعها فى مدائن هؤلاء البشر المميزين ذوى الإلهام.
سحر كيان متصالح مع النفس والحياة تصالحًا أكيدًا، لا خطأ بالمرة فى وصفى لها هكذا، بل الوصف دقيق، وجملة حصائلها تدل على صوابه وإحكامه دلالة دامغة، هى التى تعنى حريتها مواجهة الخوف، ولا تعنى التفكك الشخصى ولا الضياع فى أتياه الوجود، وتعنى ثورتها اقتلاع نبتة الأرض اليابسة المنتهية واستبدال النبتة الخضراء النضرة بالمقتلعة، ولا تعنى الفوضى ولا أشباهها بأى صورة من الصور، وتعنى خطوتها الراكضة خلف الروائح المنتشرة فى الأجواء ميلها إلى كشف خفايا الأرواح الهائمة فى الأفضية تتميمًا للمعارف من خلال اكتناه عمق النسائم الندية حاوية الأسرار، ولا تعنى تطلبها للهواء الفواح بذاته.
وتعنى حفاوتها بالحلم والخيال ظلال سفينة مكتظة بالمرتحلين تتنقل بين البلدان متحيرة بعقلها العاطفى وقلبها المفكر تقريبًا حتى تجد مرافئ تطمئنها ومن ثم تطمئن سالكى مسلكها ومتموجين مع تموجات بحورها، ولا تعنى هروبًا من الحقيقة ولا من الواقع، أيًا كان سواد أفقهما؛ وعلى هذا فيقينى الذاتى أنها ربحت ربحًا معنويًا ثابتًا عظيمًا، ربما زهَّدها فى مجموع الماديات، وما زالت رابحة، وخسر كثيرون، غايروا مبادئها، أرباحهم الطائلة الموهومة بالتدريج.