فشل إسرائيلى كامل
منذ نحو ٢٠٠ يوم تخوض إسرائيل حربًا عسكرية لا هوادة فيها ضد الفلسطينيين داخل قطاع غزة، أملًا فى تحقيق نصر مزعوم، ربما يمحو عورتها التى كُشفت يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
على مدار تلك المدة، لم تكن صدمة إسرائيل فى تكتيك الهجوم الذى حدث يوم ٧ أكتوبر بقدر ما كانت الصدمة فى أن «حماس» هى من تمكنت من فعل كل ذلك وحدها، دون مساعدة أو مساهمة، وبين ليلة وضحاها، انقلبت الحياة رأسًا على عقب.
لا تستطيع إسرائيل تحمل فشلها الأمنى والعسكرى وحتى السياسى الذريع فى هجمات ٧ أكتوبر، سواء داخليًا، أو أن يلتصق بصورتها دوليًا، فـ«أسطورة الجيش الذى لا يقهر» قُهرت مرتين، والفرق بينهما ٥٠ عامًا، فكيف يمكن تصديق أن كل المؤسسات انهارت دون استثناء، وأن حالة التراخى، ربما المقصودة أيضًا، كانت متغلغلة بين صفوفهم.
ولا يستطيع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، أن يتحمل ذلك الوزر وحده أبدًا، فليست لديه القوة، أو الشجاعة، فى أن يعترف بتلك الهزيمة القاسية، فهو من اعتاد أن يكون زاهيًا، وجد نفسه فى ورطة، فماذا يفعل لإسرائيل الآن؟.
حاول نتنياهو، وإسرائيل، جر مصر والأردن، على وجه الخصوص، لتلك الحرب، فالتجآ لورقة «التهجير» كخطة شيطانية حاولت استفزاز الدولتين خلالها، فإما ذلك أو ربما تخطئ إحداهما فتشارك فى «حرب»، لكن القاهرة تقف لذلك بالمرصاد، قوة وقولًا وفعلًا، لينصح بعض ممن يمكن إطلاق «العقلاء» عليهم بأنه «لا تهجير» للفلسطينيين، ولا ترويج لخطة «غير قابلة للتنفيذ» كما حددت مصر بالضبط.
وهنا، انتقلت إسرائيل لخطوتها التالية، لا سبيل سوى الشائعات، وإلقاء اللوم على من سمح بإدخال كل ذلك السلاح إلى غزة، ماذا عن الأنفاق؟، وإلى أى مساحة تمتد؟، تأمل فى أن يزيح ذلك بعضًا من هزيمتها أمام مواطنيها، الذين وجدوا أنفسهم دون أى حماية.
لكن، لماذا تتمثل صدمة إسرائيل فى «حماس» وحدها، وليس أى فصيل آخر؟، الإجابة ببساطة أنها صنيعتها بامتياز، تلك الأداة التى قوّتها إسرائيل بكل ما أوتيت، وانسحبت لها من غزة عام ٢٠٠٥ فيما عرف بـ«فك الارتباط»، ذلك المصطلح الذى ألقى بظلاله على تنشئة الانقسام الفلسطينى عام ٢٠٠٧ بين حماس والسلطة الفلسطينية.
عامان بين «فك الارتباط» والانقسام الفلسطينى، تركت فيهما إسرائيل «غزة» دون أن تترك من ينشأ فوق أرضها، وفى أنفاقها أيضًا، بل عملت على تغذية ذلك الانقسام لإحداث الصدع الضخم بين الفلسطينيين، فضعف الانقسام يوفر عليها الدخول فى حروب طوال الوقت، ويمكنها من اللعب على كل الأوجه دون إرهاق.
فى ذلك الوقت، وجدت إسرائيل فى حماس ضالتها لإضعاف السلطة الفلسطينية، وإحداث الانشقاق الذى يخدّم على مصالحها، حيث أشارت تقديرات عدة إلى أن أجهزة الاستخبارات والمؤسسات، سواء العسكرية أو السياسية، فى إسرائيل، لا سيما جهاز الأمن العام «الشاباك»، ساعدت بشدة فى تنامى وجود حماس وأذرعها حينها.
هذا أيضًا ما أكده تشارلز فريمان، وهو دبلوماسى أمريكى سابق، الذى قال إن جهاز الشاباك الإسرائيلى هو الذى صنع حماس لتقويض منظمة التحرير وتكريس الانقسام بين الفلسطينيين، تلك الشهادة الأمريكية التى لا لبس فيها.
١٧ عامًا منذ تكريس إسرائيل الانقسام، ساعدت إسرائيل فيها على ترسيخ وجود حماس- التى كانت خارج الجمع الفلسطينى من الأساس- داخل غزة، ودعمت وجود حكومة موازية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن تكون هناك سلطة موازية للسلطة الفلسطينية، وأن تكون فاصل الحدود بينها وبين مصر، فى الأراضى المحتلة، هى «حماس»، لأغراض ربما خُيل لها أنها سوف تستفيد منها لاحقًا.
ماذا يحدث الآن؟ تدرك كل الأجهزة والمستويات فى إسرائيل أن انفجار صنيعتها فى وجهها يمثل واقعًا جديدًا، وأن الانسلاخ من ورطتها فى غزة يحتاج لامتلاكها شجاعة «الانسحاب» التى يفتقدونها، بالإضافة لإدراك أن اللعب بالنار مع أطراف أخرى قد يحرق ما تم بناؤه لسنوات، ويجهض مستقبلًا يمكن أن يكون أكثر سلامًا دون حروب.