صممه إيطالي وشهد أهم القضايا.. قصة"سراي الحقانية" أبرز وأقدم المباني التاريخية بالإسكندرية
في أحد أشهر ميادين الإسكندرية وأقدمها، تقع عيناك على مبنى مميز في تصميمه المعماري وعراقته التي توحي لك بما حمل في داخله على مدار 138 عامًا، هو مبني محكمة “سراي الحقانية”، الصرح البارز بميدان المنشية، والذي شهد على الكثير من القضايا التاريخية الهامة التي نظرت بداخل أروقته.
مشروع لتطويره تحت إشراف "السياحة والآثار" بتكلفة 150 مليون جنيه
ومع استمرار أعمال مشروع تطوير مبني محكمة الحقانية التاريخي تحت إشراف وزارة السياحة والآثار، والذي تبلغ تكلفته 150 مليون جنيه، لإعادة إحياء هذا الأثر الهام، حرصًا من الدولة على تطوير ورفع كفاءة المباني والمواقع الأثرية والتراثية، تلقى "الدستور" الضوء على تاريخ "سراي الحقانية" وتستعرض تفاصيل لأول مرة عن إنشاء المبنى التاريخي.
"سراي الحقانية" كانت مقرا للمحاكم المختلطة في مدينة الإسكندرية
وقال الدكتور إسلام عاصم أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر، ونقيب المرشدين السياحيين السابق، إن سراي الحقانية واحدةً من أهم المباني في الإسكندرية، لأنها كانت مقرا للمحاكم المختلطة في مدينة الإسكندرية، حيث أن المحاكم المختلطة شيئًا هامًا جدًا في التاريخ الحديث، وكان له تأثير كبير على الاقتصاد والسياسة المصرية في بعض الفترات حتى تم إلغائها بموجب معاهدة 36.
وأضاف "عاصم" لـ" الدستور"، أن سراي الحقانية أطلقت على المبنى حيث أن اسم الحقانية مشتق من "الحق"، واللوحة التأسيسية والكتابات الخارجية بالمبنى مميزة جدًا، والمبنى صممه المعماري الايطالي "الفونسو مانيسكالكو" حيث كان يسيطر على العمارة في تلك الفطرة الإيطاليين وكانت تسند لهم أعمال بناء المباني الهامة، حتى أن تخطيط ميدان المنشية هو للمعماري الايطالي فرانشيسكو مانشيني، مشيرًا إلى أن هذا المبنى الذي يوجد حتى الآن تم بنائه بعد قصف ميدان المنشية عام 1882م، حيث تدمرت مباني الميدان، فوجدت البلدية أن تنشأ في هذا الموقع المحكمة.
بدء إنشاء سراي الحقانية
وأوضح أن ميدان المنشية لم يكن يوجد به أي مبنى للمحاكم المختلطة قبل ضرب الإسكندرية عام 1882م، حيث قصف الميدان كاملًا، وحدثت خسائر كبيرة، وجميع المباني بالميدان تهدمت، عدا تمثال محمد على باشا، وكنيسة سان مارك ومبنى البورصة، مشيرًا إلى أن موقع سراي الحقانية قبل قصف الميدان بحسب الخرائط الدالة، كان يوجد به فندق شهير سمي "فندق أوروبا" وهُدم الفندق كاملًا في القصف، وتم بناء في موقعه سراي الحقانية "المحكمة المختلطة" في تلك الفترة، حيث بدأ البناء بعد قصف الميدان مباشرة، وتم افتتاح المحكمة في 1886م في عهد الخديوى توفيق.
نظام المحاكم المختلطة في مصر
وأشار "عاصم"، إلى أن المحاكم المختلطة، نظام أسسه نوبار باشا، عام 1875م، في عهد الخديوي إسماعيل، وذلك لحل بعض المشكلات التي كان توجد بين الرعايا الأجانب وبين المصريين، وبين الخديوى إسماعيل أيضًا، وأسست المحاكم المختلطة في مصر في عدة محافظات منها المنصورة والقاهرة والإسكندرية وكانت الإسكندرية يقع عليها اهتمامًا كبيرًا لتواجد جنسيات عديدة بها، فضلا عن حركة التجارة بين الاجانب، وتغول القناصل، والذي وكان له تأثيرًا كبيرًا، وهنا تم إنشاء ما يسمى بالمحاكم المختلطة وتم بناء مقرات لها.
4 ملايين ونصف تعويضات لأصحاب المباني بعد القصف
وتابع أنه عقب ضرب الإسكندرية احتلال مصر من الإنجليز، أجبرت الحكومة الإنجليزية الحكومة المصرية بتعويض كافة أصحاب المباني التي تم هدم مبانيهم نتيجة الحرب، فكل شخص يمتلك مبني بالميدان دفعت الحكومة المصرية له تعويض بذلك، وكانت حينها المنطقة مدمرة بالكامل.
وبلغ إجمالي التعويضات التي دفعتها الحكومة المصرية لأصحاب المباني 4 مليون ونصف وهو كان رقم كبير جدًا في تلك الفترة، وبعد دفع التعويضات أصبحت الأراضي في الميدان ملكًا للحكومة المصرية وبناءً على ذلك، بدأت تنفيذ مشروعات قومية من بينها بناء محكمة سراي الحقانية لتكون مقر للمحكمة المختلطة هذا المكان التي توجد به حتى الآن.
المبنى يحتوى على ملفات لأهم القضايا التي كانت موجودة في مدينة الإسكندرية
وأشار إلى أن سراي الحقانية تحتوى على ملفات لأهم القضايا التي كانت موجودة في مدينة الإسكندرية ما بين الجاليات الأجنبية والمصرية وبعضهم ببعض، والعديد من القضايا الهامة نظرت أمام محكمة الحقانية، مشيرًا إلى أن المبنى سجل بالآثار، ومع عوامل الزمن حدث تدهور في حالة المبنى وكان يستلزم عملية ترميم، وحيث أن المبنى يتبع الآثار استلزم ترميم مختلف، وهو ما جعل البدء في الترميم يستغرق وقتًا طويلًا لما يحتاج من تمويل كبير لترميم المبنى، مؤكدًا أن مشروع الترميم والتطوير لسراي الحقانية هو مشروع هام جدًا لإحياء هذا الصرح العريق.
ودعا عاصم، أن يتم نقل تمثال نوبار باشا والذي يوضع في مدخل أوبرا الإسكندرية، ليكون بداخل محكمة الحقانية عقب الانتهاء من تطويرها، وذلك لأن نوبار باشا هو مؤسس المحاكم المختلطة في مصر، هو أول رئيس وزراء مصري، فضلا عن أن يكون متحف الحقانية أيضًا بداخل المبني التاريخي ويتاح للمصريين والسائحين لأهميته، حيث يضم المتحف مقتنيات هامة جدًا من بينها لوحة أهديت إلى المحكمة، وفرمانات الدولة العثمانية، وسيف الملك فاروق.
اللوحات التأسيسية بمحكمة الحقانية
يزين مبنى سراي الحقانية لوحة تأسيسية خارجية مدون عليها تاريخ افتتاح المبنى عام 1886م، 1303ه، كما يوجد بداخل المبني لوحة تأسيسية عقب افتتاح الملك فاروق النظام الجديد للمحاكم المختلطة عام 1937م، 1356ه، وهناك لوحة تأسيسة أخرى بعد تجديد المحكمة لتصبح "محكمة استئناف الإسكندرية" والتي افتتحها الرئيس الراحل محمد حسني مبارك عام 1995.
نص اللوحة التأسيسية عقب معاهدة 36
في يوم الجمعة 10شعبان 1356، 15اكتوبر 1937، تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول، بتشريف سراي هذه المحكمة، ورأس حفل افتتاح النظام الجديد للمحاكم المختلطة، الذي تقرر باتفاقية مونتريال، التي ألغت بمقتضاها، الامتيازات الأجنبية، وكان بمعيته حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا رئيسًا لمجلس الوزراء، وحضرة صاحب المعالي الأستاذ محمد صبري أبو علم وزيرًا للحقانية، وجناب السير ريشار فوكس رئيسًا لمحكمة الاستئناف المختلطة، وحضرة صاحب السعادة يوسف ذو الفقار باشا، وكيلًا لهذه المحكمة، والمسار هيو هولمر نائبًا عامًا لدى المحاكم المختلطة والأستاذ جورج روسوس الذي مثل نقابة المحامين لدى هذه المحاكم، في غياب النقيب صاحب العزة الأستاذ جبرائيل مقصود بك.
وصف مبنى المحكمة الأثرى ومحتوياته
وأوضح محمد متولى، مدير عام آثار الإسكندرية، أن سرايا الحقانية هى أقدم وأكبر المحاكم الاثرية في مصر ومسجلة كأثر بالقرار 196 بسنة 2001، مشيرًا إلى أن أن المحكمة تحتوي على 250غرفة بخلاف قاعات المحاكم المتعددة، والتي تتسم بوجود عدة مخارج ومداخل، حيث بها أحد المداخل لدخول القضاة لقاعة المداولة، ومنها إلى منصة القضاء، ومدخل الجمهور، ومدخل للمحامين، والمدخل الرابع لدخول المتهمين إلى غرفة ومنها الي قفص الإتهام الحديدي بقاعة المحكمة.
ويشمل مبنى سراى الحقانية أربع واجهات، وتعد الواجهة الشمالية هى الواجهة الرئيسية وبها المدخل الرئيسى يفتح بها نوافذ مستطيلة، والواجهة مقسمة لأربعة مستويات، المستوى الأول من أسفل ويفتح به نوافذ البدروم، والمستوى الثانى وبه نوافذ الطابق الأول والثانى، والمستوى الثالث وبه نوافذ الطابق الثالث والرابع، والمستوى الرابع وبه نوافذ الطابق الخامس، ويزين أعلى المدخل الرئيسى فرانتون بداخله دائرة يحيط بها إكليل من فرع نباتي من غصن الزيتون، وبداخل الدائرة عبارة " العدل أساس الملك سنة 1303" وعلى الجانبين زخارف نباتية تشبه سعف النخيل أو أغصان الزيتون ويعلوها ما يشبه اللفافة الورقية وقد تم تنفيذ ذلك باللون الأخضر، ويزين وسط المدخل عامودين يستندا إلى دعامتين ويتوجهما تاج أيونى وزخرفة البيضة.