"دعاة سلام لا حرب".. مصر تسعى لإخماد نيران المنطقة منذ "كامب ديفيد"
كانت مصر على الدوام وستظل داعية للسلام ورافضة للحرب، فهي تمد يد السلام أولا، لكن في يدها الأخرى سلاحًا يحمي إرادتها وشعبها وأرضها منذ فجر التاريخ، وما كانت حرب 6 أكتوبر 1973 ضد الاحتلال الإسرائيلي إلا تتويجًا لهذا النهج الراسخ؛ لتؤكد للعالم أجمع أنها صانعة سلام، لكن في الوقت ذاته لا تقبل بالعدوان على أرضها أو شعبها.
حرب أكتوبر وكامب ديفيد
ورغم الانتصار الساحق الذي حققه المصريون في حرب السادس من أكتوبر، إلا أن الرئيس الراحل أنور السادات وبشجاعته المعروفة أدرك أن السلام هو أساس استقرار المنطقة العربية وليس الحروب، ولهذا كسر كل المحاذير ووقع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل لتحقيق السلام وإنهاء الحرب واستعادة الأرض ولكن ضمن السلام الشامل والعادل لكل دول المنطقة، وعلى رأسها حقوق الشعب الفلسطيني واستعادة كل الأراضي العربية التي استولى عليها الاحتلال الإسرائيلي في حرب 1967.
وأمام سيل الانتقادات والتخوين، الذي لاحق مصر بعد هذه الاتفاقية من الأشقاء قبل الغرباء، زادت إصرارًا وتمسكًا على أهمية الحل السلمي لأزمات المنطقة، وهو ما أدركته دولها لاحقًا فقد وقعت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات في سبتمبر 1993 اتفاقية أسلو مع إسرائيل من أجل اتخاذ خطوات فعلية نحو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، إلا أن مماطلة الاحتلال حتى اليوم تحول دون ذلك.
وبعدها بحوالي عام وفي أكتوبر 1994 وقع الأردن مع إسرائيل معاهدة سلام "اتفاقية وادي عربة"، بهدف تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط، بناء على قراري مجلس الأمن 242 و338، وأن يحترما ويعترفا بسيادة كل دولة في المنطقة وبسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي.
وقد دعمت مصر اتفاقيتي أسلو ووداي عربة على أمل أن ذلك يدعم ويصب في صالح استقرار المنطقة ويمنع المزيد من الحروب؛ لتؤكد على أن الحل السلمي هو الأنسب والأفضل لشعوب دول المنطقة.
وظلت مصر تدعو لإحلال السلام حتى تم التوصل إلى مبادرة السلام العربية عام 2002، والتي أبدت فيها الدول العربية الاستعداد لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل شريطة إقامة دولة فلسطينية، وجاء هذا الأمر بعد جهود مصرية قوية فهو ما طالبت به منذ بعد حرب أكتوبر وعارضه الجميع، ولكن أدركوا صحة هذا التوجه.
اتفاقيات السلام وإنهاء الاحتلال أساس لاستقرار المنطقة العربية
ومع العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 والمستمر حتى اليوم عقب عملية طوفان الأقصى التي قادتها فصائل المقاومة الفلسطينية ردًا على انتهاكات الاحتلال، سعت مصر لإطفاء حرب إقليمية أوسع، وأكدت مجددًا للجميع أن الحل سيبقى سلميًا وعبر الاعتراف بإقامة دول فلسطينية ذات سيادة كاملة تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية ورفض أي عمليات تهجير للفلسطينين من أرضهم وعودة اللاجئين الفلسطينيين.
وقد حذرت مصر من تبعات استمرار هذه الحرب، وما زالت المخاوف قائمة من تمدد نطاقها، خاصة بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل في الثالث عشر من أبريل 2024 بمئات الصواريخ والمسيرات ردًا على ضرب الاحتلال قنصليتها في دمشق، إلا أن القاهرة وعلى الفور أجرت اتصالاتها لمنع التصعيد واحتواء حرب إقليمية جديدة بالمنطقة، فقد أجرى وزير الخارجية سامح شكري عقب ساعات من الهجوم اتصالات بنظيريه الإسرائيلي والإيراني لحثهما على التهدئة وعدم الانجرار إلى التصعيد.
وأمام هذا التصعيد والعدوان المستمر على غزة ما زالت مصر تجدد مطالبها بالسلام، لكنها في الوقت ذاته تحذر من أي مساس بسيادتها أو الدفع نحو مخططات تهجير سكان قطاع غزة نحو سيناء؛ لأن هذا لن يضر بمصر فقط، وإنما بالقضية الفلسطينية برمتها، وهي التي تدافع عنها مصر بدماء أبنائها منذ عام 1948، وستظل تقوم بهذا الدور على الدوام، إلا أنها تمد يد السلام أولا وفي يدها الأخرى ما يحمي سيادتها وشعبها وأشقاءها.