ذكريات العيد.. الكونستابل وأنا
قبل وقفه عيد الفطر بيوم في ستينيات القرن الماضي كنت طفلا في الثالثة عشرة من عمري.. كنا نقطن في مدينة بورسعيد الجميلة حيث الهدوء والسكينة والشوارع النظيفة الخالية من الزحام.. فالسيارات وقتها لم يتجاوز عددها الخمسون سيارة علي أقصي تقدير وأصحابها معروفون بالاسم لدي إدارة المرور.
قمت بمغامرة عنترية.. انتهزت رجوع والدي للمنزل وخلوده للنوم بعد يوم عمل مرهق وشاق.. وبهدوء أخذت مفاتيح سيارته وتسللت إلي الشارع، حيث كان ينتظرني أحد الأصدقاء.. قمنا بدفع السيارة بعيدا عن نافذة غرفة نوم والدي حتي لا يسمع صوت المحرك عندما يدور، وقدت السيارة علي طريق الكورنيش.
لمحت في المرآة (كونستابل) مرور يقود موتوسيكل ويتتبعني بصوت السارينا المزعج.. هو رجل بدين شديد السمار أعرفه جيدا واسمه رشدي.. بالتأكيد شك في عدم حيازتي لرخصة القيادة نظرا لصغر سني الواضح.. زودت من سرعتي وهو لا يزال يتبعني وفجأة تعطل الموتوسيكل لسبب غير معلوم.. فرحنا أنا وصديقي لانتهاء المطاردة واستمتعنا بالنزهة وتبادلنا مقاعد القيادة عدة مرات ثم عدنا لمنازلنا بعد قضاء يوم رائع.
وفي صباح يوم العيد وبعد توزيع العيدية نزلت علي السلم وكلي آمال بقضاء يوم جميل علي البحر مع أصدقائي.. لكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه.. فوجئت بالكونستابل رشدي (الذي كاد يفقدني) صاعدا علي السلم لمقابلة والدي كي يقص عليه ماحدث.. وبعد توسلات تكاد تصل للبكاء وافق أخيرا علي نسيان الموضوع بعد أن أخذ كل ما معي من عيدية.
اضطررت للصعود مرة أخري للمنزل فلا معني لقضاء العيد مفلسا.. وسط دهشة أبي وأمي بررت عودتي بشعوري بوعكة صحية واضطررت لقضاء أيام العيد كلها بالمنزل..
لازلت أتذكر تلك الحادثة كل عام مع قدوم عيد الفطر.. وأحمد الله كثيرا أنني نجوت يومها من (العلقة) المتوقعة من والدي مع الشكر المشمول بالكراهية والغيظ لمعالي الكونستابل.