نتنياهو.. الصديق الذى أصبح أحمقًا «2»
يعتقد بعض معارضى رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، مثل نمرود نوفيك، المستشار الكبير السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلى شمعون بيريز- أن ضغط الرئيس الأمريكى، جو بايدن، يمكن أن يحدث فرقًا حاسمًا، «هذا يعنى أنه بدلًا من عملية كبيرة فى رفح فى الأيام أو الأسابيع المقبلة، أعتقد أننا سنرى تطويق رفح، وعزلها عن مصر لمنع التهريب إلى الداخل والخارج، وبدء عملية تخفيف السكان الفلسطينيين إلى الشمال، بطريقة خاضعة للرقابة للغاية، مع القيام ببعض إعادة الإعمار فى الشمال، وحث إسرائيل على استخدام هذه الفجوة الزمنية من الآن وحتى رفح، لإغراق قطاع غزة بالمساعدات الإنسانية».. وفى الأسبوع قبل الماضى، سلم وزير دفاع نتنياهو، يوآف جالانت، رسالة إلى السفير الأمريكى لدى إسرائيل، جاكوب ليو، قال فيها إن إسرائيل ستمتثل للمطالب المنصوص عليها فى مذكرة بايدن لمجلس الأمن القومى فى الثامن من فبراير، والتى جعلت المساعدات الإنسانية واحترام القانون الدولى شرطًا للمساعدة العسكرية فى المستقبل.. لكن البعض مثل السناتور كريس فان هولن، من ولاية ماريلاند، الذى رعى فى فبراير الماضى تعديلًا يربط أى مساعدات مستقبلية لإسرائيل بفتح ممرات إنسانية يعتقدون أن هذه الكلمات جوفاء، ويحثون بلينكن على مقاومة «التصديق» على الامتثال الإسرائيلى.
يقول ديفيد ماكوفسكى، وهو مراقب لإسرائيل منذ فترة طويلة فى معهد واشنطن للسلام فى الشرق الأدنى، إنه يعتقد أن ضغط بايدن بدأ يؤثر على نتنياهو.. موضحًا عاملًا آخر، هو أن نتنياهو لا يحظى بشعبية كبيرة فى الداخل الإسرائيلى، وأن الرأى يتحول بشكل كبير فى كل من إسرائيل والمجتمع اليهودى الأمريكى، وأن مصداقية بايدن العميقة بشأن هذه القضية تصاعدت، «لقد كانت لكمة واحدة أو اثنتين ضد نتنياهو: الأزمة الإنسانية وعدم وجود رؤية واضحة تتجاوز النصر.. المزيد والمزيد من الإسرائيليين والأمريكيين يرون أن الطريقة لمقاضاة ذلك، هى القيام بذلك بالطريقة التى يفعلها بايدن.. إذا كنت تريد هزيمة حماس، عليك أن تهزمها بفكرة أكثر إقناعًا. لا يمكنك التغلب عليها بلا شىء».
ومع ذلك، كانت الصحوة الأكبر لبايدن وإدارته هى إدراك أن نتنياهو، اليائس بشكل متزايد، ربما لم يعد يعمل لمصلحة إسرائيل بقدر ما يعمل لمصلحته فهو يواجه عددًا كبيرًا من تهم الفساد التى يمكن أن تؤدى به إلى السجن بمجرد مغادرته منصبه، وأن واشنطن كانت تُغذى أوهام نتنياهو لفترة طويلة جدًا.. أحد أسباب عدم شعبية نتنياهو الحالية فى إسرائيل، هو أن العديد من الإسرائيليين يدركون أنه وضع الأساس ليوم السابع من أكتوبر، من خلال اتباع سياسة تجاهل القضية الفلسطينية وتهميشها لسنوات.
اتبع نتنياهو استراتيجية كبرى لتطبيع العلاقات مع الدول العربية بموجب ما يسمى بـ «اتفاقيات إبراهيم»، وتفاخر سرًا بأنه «وضع حدًا فعليًا لاتفاقيات أوسلو».. قبل وقت طويل من هجمات السابع من أكتوبر، حولت سياساته الوحشية غزة إلى ما تسميه منظمة هيومن رايتس ووتش «أكبر سجن فى الهواء الطلق فى العالم»، وخدع نفسه بأن إسرائيل ستكون آمنة خلف نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ والسياج على طول حدود غزة.. خلال أكثر من ستة عشر عامًا من توليه منصب رئيس الوزراء، تعمدت حكومات نتنياهو أيضًا إضعاف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس الذى أراد التفاوض مع تقوية حماس، التى تعهدت بتدمير إسرائيل.. لماذا؟.. لأنه بذلك، لن يضطر نتنياهو إلى التفاوض على دولة.
لفترة من الوقت، على الأقل، وافق بايدن بشكل أو بآخر على نهج نتنياهو، خصوصًا بعد أن أصرت إدارة جورج دبليو بوش، التى واصلت أجندتها الديمقراطية الوهمية، على إجراء انتخابات فلسطينية عام 2006 وجلب التصويت حماس إلى السلطة، مما أدى إلى تقسيم السكان الفلسطينيين بشكل دائم.. يقول مساعدون سابقون، إنه بعد أن أحبط الفلسطينيون بايدن مرارًا وتكرارًا، برفضهم صفقة إقامة دولة تلو الأخرى ثم بدأوا الاقتتال الداخلى الشرس منتصف عام 2000 سئم بايدن أخيرًا منهم.. «لقد شعر دائمًا أن الفلسطينيين لا يستطيعون تنظيم جنازة من سيارتين»، قال مايك هالتسل، وهو مساعد كبير سابق لبايدن عندما كان رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ.. قال، «اللعنة عليهم، لقد كان معهم.. إذا لم يتمكنوا حتى من التوافق مع بعضهم البعض، فكيف سيتوافقون مع الإسرائيليين؟».
لكن كل هذا انفجر فى وجوه الجميع بأبشع طريقة فى أكتوبر الماضى. والآن أصبح شعار الولايات المتحدة مرة أخرى هو: اهزموا حماس، بالتأكيد، ولكن ابحثوا عن طريقة لإعطاء الفلسطينيين شيئًا يشبه الدولة.. لكن الإسرائيليين ليسوا قريبين، حتى من إجراء هذه المناقشة.. ووفقًا للمسئول الكبير فى الإدارة، فإن أكبر مصدر منفرد «للإحباط الشديد من الجانب الإسرائيلى» هو عدم وجود أى خطة ذات مصداقية للحكم.. ومع ذلك، فإن الأعضاء الأكثر اعتدالًا فى حكومة نتنياهو، مثل جانتس، يقاومون الجهود الأمريكية لتنصيب نسخة متجددة من السلطة الفلسطينية.. وأضاف أن غياب أى نوع من السلطة الفلسطينية الانتقالية أو الأمن داخل غزة، يعرقل أيضًا توزيع المساعدات ويخلق الفوضى، حيث تتم مهاجمة القوافل فى بعض الأحيان.
وعندما يتعلق الأمر بالإسرائيليين والفلسطينيين، يبدو أن نفس القضايا تعيد تدوير نفسها.. واليوم، ربما تكون القطيعة المفتوحة بين الحكومتين، الأمريكية والإسرائيلية، هى الأسوأ منذ عام 1989 على الأقل، عندما بدأت إدارة جورج بوش الأب فى الضغط بقوة من أجل إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين.. فاجأ جيمس بيكر «أيباك» بدعوته إسرائيل إلى التخلى عن «رؤيتها غير الواقعية لإسرائيل الكبرى»، التى تشمل غزة والضفة الغربية، وفى تصريحات لاحقة أمام لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب، أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلى آنذاك، إسحاق شامير، رقم هاتف البيت الأبيض، قائلًا: «عندما تكون جادًا بشأن السلام، اتصل بنا».. وفى واحدة من المرات القليلة جدًا التى هددت فيها واشنطن بحجب المساعدات، حذر بيكر شامير بصراحة، من أنه ما لم تتوقف إسرائيل عن بناء المستوطنات اليهودية فى الأراضى المحتلة، فإنها لن تحصل على عشرة مليارات دولار، من ضمانات القروض الأمريكية للمساعدة فى إعادة توطين مئات الآلاف من المهاجرين من الاتحاد السوفيتى السابق.. كان ذلك قبيحًا بالنسبة إلى إسرائيل، لكنه حرك عملية أوسلو للسلام.. وعندما خسر شامير الانتخابات أمام إسحاق رابين عام 1992، كانت قضية المستوطنات الإسرائيلية وضمانات القروض، إلى جانب المخاوف من أن إسرائيل تفقد الدعم الأمريكى، عاملًا فى التصويت.. أصبح رابين مدافعًا متحمسًا عن أوسلو، حتى اُغتيل عام 1995 على يد متشدد إسرائيلى يميني.
هل يمكن أن يحدث نوع من الاختراق المماثل اليوم، حيث تحدث الضغوط الأمريكية فرقًا أخيرًا؟.
مع المسار الجديد لبايدن، لم يعد ادعاء نتنياهو القديم، بأنه الوحيد القادر على التعامل مع الأمريكيين ذا مصداقية. ولكن مع استمرار الحرب فى غزة، واستمرار إصابة السكان الإسرائيليين بالصدمة بسبب السابع من أكتوبر وأزمة الرهائن المستمرة، لا يتعرض نتنياهو لضغوط فورية للدعوة إلى انتخابات جديدة.. كذلك، فإنه يرغب فى الظهور وكأنه يرضخ لبايدن.. أبعد من ذلك، يشير مسئولو الإدارة إلى أن المشكلة تتجاوز نتنياهو، لأن حكومته الحربية بأكملها متحدة فى الرغبة فى الانتقال إلى رفح.. قال رئيس مجلس النواب الجمهورى مايك جونسون، إنه يعتزم دعوة نتنياهو لإلقاء خطاب أمام الكونجرس، وهى خطوة تحد تعود إلى عام 2015، عندما ألقى رئيس الوزراء خطابًا أمام الكونجرس، انتقد فيه الاتفاق النووى الإيرانى.. أثار هذا الخطاب غضب كل من أوباما وبايدن. ولكن بعد انتخاب ترامب فى العام التالى، نفذ فعليًا أوامر نتنياهو بالانسحاب من الاتفاق النووى».. أصبحت إيران الآن أقرب إلى بناء سلاح نووى من أى وقت مضى، بناءً على كمية اليورانيوم التى قامت بتخصيبها، وفقا للوكالة الدولية للطاقة النووية.
ولا يزال من غير الواضح، فى الوقت الحالى، ما إذا كانت إدارة بايدن تخطط لزيادة الضغط أكثر.. لكن فى الأيام الأخيرة أصبحت الحرب الكلامية بين بايدن ونتنياهو سيئة تمامًا. بعد أن اشتكى نتنياهو على شبكة «سى إن إن» من التدخل الأمريكى فى السياسة الإسرائيلية، رد سوليفان بأنها «مفارقة مثيرة للاهتمام» لأن نتنياهو نفسه على مر السنين فعل الشىء نفسه فى السياسة الأمريكية، و«فى الواقع، نحن لا نفعل ما يقترب مما يفعلونه».. فى انتخابات عام 2020، غضب بايدن من دعم نتنياهو لترامب ولم ينتهِ به الأمر بالاتصال بنتنياهو إلا بعد شهر من توليه منصبه فى يناير 2021.. يقول بلانك: «إذا كنت أنصحه الآن، فسأقول، سيدى، هذه قضية أخلاقية، وليس هناك سيناريو يكون فيه نتنياهو شريكًا ذا مصداقية.. لذا إليك بعض الأشياء المختلفة التى يمكنك القيام بها إذا قررت أن تصبح أكثر صرامة».. يمكن أن يبدأ بايدن بخطاب فى المكتب البيضاوى يحدد مسارًا جديدًا، ثم يشير إلى أن الولايات المتحدة قد لا تستخدم حق النقض تلقائيًا ضد قرار مجلس الأمن الدولى الذى يدعو إلى وقف إطلاق النار.. وقد يقرر بايدن أيضًا عدم متابعة التطبيع الإسرائيلى مع المملكة العربية السعودية، الذى تريد الرياض أن يكون مشروطًا باتفاق دفاعى مع واشنطن، «والذى يرغب فيه نتنياهو بشدة، لأنه سيكون بمثابة اعتراف طال انتظاره بإسرائيل، من قبل أغنى دولة عربية، ومن خادم الحرمين الشريفين.
قد تكون مثل هذه المواجهة فى المستقبل القريب.. ووفقًا لموقع أكسيوس، يقول مسئول أمريكى، إن عملية برية إسرائيلية فى رفح قد تدفع واشنطن، لأول مرة، إلى السماح بتمرير قرار مجلس الأمن الدول،ى الذى يدعو إلى وقف فورى لإطلاق النار.. وقد امتنعت الولايات المتحدة بالفعل فى عهد بايدن عن التصويت على قرار يدعو إلى تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية فى غزة.. ومن شأن الامتناع عن التصويت المقبل على وقف إطلاق النار أن يبعث برسالة لا لبس فيها.. لكن هذا قد يعنى اللعب بالنار السياسية، فى وقت يظهر فيه العديد من استطلاعات الرأى خسارة بايدن أمام ترامب فى نوفمبر القادم.. وعلى بايدن أن يقلق.. ففى انتخابات عام 1992، وبعد الضغط على إسرائيل بشدة، حصل جورج بوش الأب على 15٪ فقط من الأصوات اليهودية، وهى أدنى نسبة حصل عليها مرشح رئاسى جمهورى منذ بارى جولدووتر عام 1964.. لكن فى الوقت نفسه، قد يقرر بايدن أن التهديد من التقدميين غير الراضين عن دعمه المتصلب لإسرائيل يمكن أن يؤذيه فى الولايات المتأرجحة الرئيسية، ذات الكثافة السكانية العربية الأمريكية الكبيرة، مثل ميشيجان وبنسلفانيا.. إن مكانة بايدن الجيوسياسية فى خطر أيضًا، حيث تزداد عزلة إسرائيل، حيث تفكر العديد من الدول، بما فى ذلك كندا وهولندا والدنمارك، فى قطع كامل للمساعدات العسكرية لتل أبيب.
لا يزال بلينكن، إلى جانب آخرين فى إدارة بايدن، متفائلين بأن الأزمة الحالية، سواء كان بيبى موجودًا أو لا، تمثل فرصة كبيرة لإسرائيل والولايات المتحدة والمنطقة بأسرها، «أعتقد أنه بقدر ما تكون هذه اللحظة مظلمة، هناك أيضًا فرصة هائلة.. ربما حتى فرصة فريدة»، قال بلينكن لقناة الحدث السعودية، «لأنه فى حين كان هناك العديد من الجهود لصنع السلام فى الماضى كنت منخرطًا فى بعضها ما هو مختلف الآن، هو أن كل دولة فى المنطقة تقريًبا ترغب فى دمج إسرائيل فعليًا، وتطبيع العلاقات مع تلك التى لم تفعل ذلك، وفى الواقع مساعدة إسرائيل على توفير أمنها.. لكن هذا يتطلب حلًا للقضية الفلسطينية وخصوصّا دولة فلسطينية، وبالطبع يتطلب إنهاء العمليات العسكرية فى غزة».
شىء واحد يبدو مؤكدًا: من غير المرجح أن يتراجع بايدن ولا نتنياهو تمامًا فى أى وقت قريب.. «الكثير من الناس لا يفهمون مدى صعوبة بايدن.. يمكن أن يكون مؤخرة صلبة حقيقية.. إنه سياسى، ويعرف إلى أى مدى يمكنه تقديم تنازلات، دون الإضرار بمكانته السياسية بشكل قاتل.. لا تنسوا: هذا رجل لم يخسر أى انتخابات».. يقول فان هولين، «كان الرئيس أكثر صراحة وأكثر انتقادًا علنيا لتصرفات حكومة نتنياهو.. وقد طلب الرئيس مرارًا من الإسرائيليين الانفتاح أكثر.. لكن السؤال الحقيقى هو: فى أى مرحلة تكون إدارة بايدن مستعدة لدعم هذا الطلب بالمساءلة؟».
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.