رامز جلال.. والأطفال

قلت مرة، وأكرر، إن رامز جلال سيصبح رائعًا لو استطاع أن يحول مسار برنامجه إلى الأطفال، أو يجعل لهم فيه نصيبًا معقولًا على الأقل، سيحمل البرنامج حينئذ قيمة تعليمية وقيمة تربوية، وقد يكون مسليًا فقط دون أن يحمل القيمتين أو إحداهما، ولا بأس بالتسلية فى جميع الأحوال؛ فالفن يطيب النفوس ويذهب ما بها من سأم وضيق كما يمارس التوجيه بالضبط، والأطفال بالذات فى حاجة إلى التسلية كما التوجيه على الدوام، وأرى رامز مؤهلًا للمعنيين.
يبدو رامز طفلًا بالأساس، مرحًا يحب اللهو والعبث، يبدو طفلًا متطلعًا إلى المعرفة بنفس القدر، أعنى يتمناها ويرغب فيها ويمكن أن يساعد غيره على الوصول إليها أيضًا، وهذا بيت القصيد، وقد شاهدت برنامجه هذا العام، مثلما أفعل كل عام، لكننى شعرت بأنه صار معادًا بطريقة مملة، أو أوشك أن يصير كذلك، الاحتياط الذكى الذى قاله رامز فى المقدمة لم ينطل علىّ، وأظن على كثيرين غيرى، وهو أنه بحث حتى وجد فكرة جديدة؛ فالفكرة الأصلية واحدة: استقطاب الضيوف، بصورة أو بأخرى، ثم صنع مقالب يكونون ضحيتها، مقالب مضحكة طبعًا لكنها مؤذية بنسبة كبيرة، كما أنها ليست مختلفة الشكل ولا الجوهر عن ما كان يقدمه فى الماضى، أما حكاية أنه استضاف اثنين بدلًا من واحد، وأن الضيفين بينهما تناقضات، فليست بحكاية ينبنى عليها بناء راسخ متماسك، ولا تعبر عن طفرة ما، وفى الواقع كون رامز قال بلسانه إنه بحث عن جديد مغاير حتى لا يقع فى النمطية؛ فالمعنى أنه شعر باضمحلال أفكاره، وبدأ يقلق على مستقبل البرنامج الذى أسس نجوميته الكبيرة فى مصر والعالم العربى.
الجديد اللافت، وأحتفظ لنفسى بكل حرف هنا من باب الحرص على الحق المعنوى على الأقل، هو أن يستثمر رامز ملامحه الطفولية وروحه الطفولية فيدعو الأطفال إلى مائدة عامرة بالثقافة والفن، أو بالمتاهات والألغاز، فى أجواء مثيرة مشوقة، هو يفهم تمامًا كيف يخلقها لأعمارهم الغضة.. ويكفيه أن يكون الأطفال شركاءه فى العمل، والعدد الأكبر من مشاهديه، ونكون نحن الكبار معهم بالبداهة؛ لأن أمرهم يهمنا أكبر اهتمام، وعلى هذا يكون ضرب عصفورين بحجر كما يقال.. أما أن يستمر رامز فى استقطاب المشاهير، لا سيما نجوم الفن والرياضة، بآلية واحدة فى كل مرة، فإن القصة لم تعد جميلة كبداياتها، بل صار الاعتراض على البرنامج أكبر من الموافقة، وصار الحديث وافرًا عن ضرورة استثمار الإمكانات الإنتاجية المذهلة بصورة أجدى مما يجرى على الدوام ولا يفضى إلى شىء يذكر.
أنا أحب رامز جلال، وأراه مؤهلًا لصناعة الأمتع والأكثر إدهاشًا، وعليه أن يستمع إلى الذين يحبونه ويريدون له الخير، مثلما يستمع إلى الذين يمدحونه ولا يبالون غالبًا بمنزلته عند الجماهير!