عرّاب الخراب.. كيف يُشعل «نتنياهو» العالم كله من أجل البقاء فى السلطة؟
رغم رفض العالم وتحذيراته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، أمس الأول، إن القوات الإسرائيلية ستدخل مدينة رفح الفلسطينية وتحقق «النصر المطلق»، وتقضى على زعيم حركة «حماس» فى قطاع غزة يحيى السنوار، وذلك بعد المصادقة مؤخرًا على خطط العملية العسكرية التى تستهدف جنوب القطاع، الذى أصبح مأوى لأكثر من مليون ونصف المليون من النازحين والفارين من الآلة العسكرية الغاشمة لقوات الاحتلال، رافضًا بهذا كل محاولات الوساطة للتوصل لهدنة إنسانية ووقف إطلاق النار وإيقاف الحملة الإسرائيلية المسعورة ضد المدنيين الفلسطينيين، والمستمرة منذ أكثر من ٥ أشهر.
خطوات «نتنياهو»- من قبل تصريحات- تؤكد أنه أصبح أحد أبرز مصادر الخطر فى منطقة الشرق الأوسط، والمشعل الأول للأزمات فيها، والمتتبع خطواته منذ توليه رئاسة الحكومة ونجاحه فى تكوين ائتلافه الحاكم «اليمينى المتطرف»، يرصد أن الأزمات التى أشعلها فى الداخل الإسرائيلى وخارجه خلال أقل من عام ونصف العام كانت كفيلة بتهديد أمن المنطقة كلها، وإدخالها فى دوامات وصراعات ونزاعات لا يعرف أحد إلى أين قد تنتهى، كما أنه استطاع أن يسجل أرقامًا قياسية كأول رئيس وزراء إسرائيلى تخرج ضده مظاهرات مليونية مستمرة لعدة أشهر تطالبه بالاستقالة والرحيل عن منصبه.
وفى مواجهة كل ذلك، ووفقًا لسياسة «أنا ومن بعدى الطوفان»، سعى «نتنياهو»، من خلال تحركاته وتصريحاته طوال الشهور الماضية إلى العمل على إشعال جبهات أخرى للحرب، متمنيًا أن يضمن له هذا البقاء فى منصبه، أو تحقيق أى إنجاز، يمكن تصويره على أنه «نصر عسكرى أو سياسى»، يبعد عنه سكين الاتهام بالتقصير والفساد.
وبناءً على تلك السياسة، استمر «عراب الخراب» فى عرقلة كل جهود الوساطة، ونقض أى اتفاق يمكن التوصل إليه لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، بحثًا عن استمرار المعارك لأطول فترة ممكنة، بالإضافة إلى افتعال الأزمات فى الداخل الإسرائيلى نفسه، بما يضمن بقاءه واستمرار حياته المهنية والسياسية، حتى لو كان ذلك على حساب مئات الجثث وآلاف الضحايا، وعبر إثارة الاضطراب فى عدد من الملفات الرئيسية، داخليًا وخارجيًا، نستعرض أبرزها فى السطور التالية.
إطالة الحرب: تعقيد مسار المفاوضات بفرض شروط تعجيزية
عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية الجنونية على غزة، انطلقت محاولة الوساطة لإنهاء الحرب أو الوصول لهدنة طويلة تتضمن وقفًا لإطلاق النار ، لكن «نتنياهو» كان يتصدى دائمًا لهذه المحاولات بالرفض، حتى إنه انتقد الولايات المتحدة الأمريكية حليفته الأولى والداعم الرئيسى لبلاده علنًا، إثر مساعيها للضغط عليه مؤخرًا للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وزيادة إدخال المساعدات إلى الفلسطينيين الذين أصبحوا يموتون جوعًا، كما يموتون إثر القصف الجنونى المستمر.
تدخلات «نتنياهو» لم تتوقف فقط عند رفضه الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار أو تعقيد المفاوضات ورفض كل طلبات حركة «حماس» الخاصة بتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار فى القطاع، بل تجاوزتها إلى تقليص صلاحيات وفود المفاوضين فى اللقاءات المختلفة التى عقدت فى الدوحة والقاهرة وباريس.
وقال وزراء فى الحكومة الإسرائيلية إن لديهم انطباعًا بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يحاول تأخير القرارات الصعبة، فيما نقلت القناة ١٣ العبرية عن مسئولين كبار فى فريق التفاوض الإسرائيلى تصريحات يشيرون فيها إلى أن «نتنياهو يضيع الوقت».
وخلال الأسبوع الماضى، عقد وزير دفاع جيش الاحتلال الإسرائيلى يوآف جالانت، جلسة بديلة حول صفقة الأسرى بعد رفض «نتنياهو» عقد جلسة للمجلس الوزارى المصغر.
وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن مكتب رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلى رفض طلبًا من وزير الدفاع، والوزيرين فى مجلس الحرب بينى جانتس وغادى آيزنكوت، للتحدث مع «نتنياهو» بشأن صفقة الأسرى والمحتجزين لدى «حماس».
عناد نتنياهو ووقوفه كعقبة لمنع التوصل لاتفاق بوقف إطلاق النار، دفع عائلات الأسرى الإسرائيليين للخروج فى مظاهرات، للاحتجاج وللمطالبة بإعادة ذويهم من غزة، وذلك لمرات عديدة، وكان آخرها أيضًا الأسبوع الماضى، بعد تنظيم مظاهرة أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية، تطالب بإقالة «نتنياهو» والتوجه لانتخابات مبكرة، وهو ما رفضه الأخير أكثر من مرة، خوفًا من خسارته فى الانتخابات، قائلًا: «إن آخر ما تحتاجه إسرائيل حاليًا هو الانتخابات».
خلق أزمة قوانين القضاء: تعزيز سلطات «فاسد» للهروب من السجن تحت دعاوى الإصلاح
أزمات الداخل الإسرائيلى بدأها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ فترة طويلة، وسبقت أزمات الحرب الحالية على قطاع غزة، وسعى من خلالها إلى تعزيز سلطاته وزيادة نفوذ حكومته.
وسعيًا للفرار من تهم وقضايا الفساد التى تلاحقه، وتجاوز مشكلة التظاهرات غير المسبوقة ضده وضد حكومته اليمينية المتطرفة وقراراتها، أقر «نتنياهو» ما سماه بقوانين الإصلاح القضائى، التى هدف من خلالها للبقاء بعيدًا عن قبضة القضاء، والهروب من اتهامه بالفساد عبر الجلوس على مقعده لأطول فترة ممكنة.
وتزايدت حدة الأزمة مع إقدامه على إصدار قرار إقالة وزير الدفاع يوآف جالانت، الذى عارض مشروعات قوانين الإصلاح، قائلًا إنها تهدد بتقسيم الجيش، وشدد على ضرورة وقفها، وهى الإقالة التى اضطر «نتنياهو» للتراجع عنها لاحقًا.
وبدأت أزمة الإصلاح القضائى مع إعلان وزير العدل الإسرائيلى ياريف ليفين، مساء الـ٤ من يناير ٢٠٢٣ عن عزمه تعديل النظام القضائى لتضمينه «استثناءً» يسمح للبرلمان بـ«تعليق قرارات المحكمة العليا».
ويهدف هذا التعديل، الذى أعلن «ليفين» عن خطوطه العريضة أمام الصحافة، والذى طرح أمام الكنيست الإسرائيلى فى شهر أبريل ٢٠٢٣، إلى تغليب سلطة النواب على سلطة القضاة، فى وقت تجرى فيه محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتهم فساد.
حدَّت التغييرات، التى حددها ليفين خلال مؤتمر صحفى آنذاك، بشدة من سلطة محكمة العدل العليا الإسرائيلية، ومنحت الحكومة السيطرة على لجنة اختيار القضاة، كما حدت بشكل كبير من سلطة المستشارين القانونيين للحكومة.
وحددت التعديلات المقترحة فى خطة حكومة نتنياهو للإصلاح القضائى التغييرات المطلوبة فى أربعة مجالات أساسية، هى: تقييد قدرة المحكمة العليا على إلغاء القوانين والقرارات الحكومية، بحيث يتطلب ذلك هيئة من جميع قضاة المحكمة الخمسة عشر وأغلبية خاصة، وتضمين «بند التجاوز» لتمكين الكنيست من إعادة تشريع مثل هذه القوانين ومنع المحكمة من استخدام اختبار «المعقولية» للحكم على التشريعات والقرارات الحكومية، وتغيير عملية اختيار القضاة لمنح الحكومة سيطرة فعالة على لجنة اختيار القضاة، بالإضافة إلى السماح للوزراء بتعيين مستشاريهم القانونيين، بدلًا من تعيين مستشارين يعملون تحت إشراف وزارة العدل.
وفى مواجهة تزايد وتصاعد الاحتجاجات ضد خطة الإصلاح القضائى، ناقش الكنيست الإسرائيلى قانونًا يحمى رئيس الوزراء من العزل بقرار من المدعى العام، ما يصب فى مصلحة «نتنياهو»، ما صاعد من موجة الاعتراضات التى لم تهدأ إلا بتراجعه عن إقالة وزير الدفاع «جالانت» والإعلان عن تأجيل تمرير التشريعات فى الكنيست.
توسيع نطاق المعركة: فتح جبهة مع لبنان لجر المنطقة لحرب إقليمية
مع استمرار الحرب على غزة، اتسعت المخاوف، التى عززتها تصرفات «نتنياهو»، من اتساع الحرب لتشمل عدة دول فى منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد دخول حركات تحسب على محور المقاومة للصراع، سواء من سوريا أو جناح حركة حماس فى لبنان.
ومع أن هذه المشاركة كانت محدودة ولم تمثل خطرًا واضحًا على الحدود الشمالية الإسرائيلية، خاصة فى منطقة الجليل الأعلى، ظل «نتنياهو» يهدد ويتوعد تنظيم «حزب الله» والدولة اللبنانية فى حال التدخل فى الصراع، مع قيام قوات جيش الاحتلال بقصف المناطق الحدودية، ردًا على عدة صواريخ أطلقتها أحد أجنحة حركة «حماس» وبعض الفصائل الفلسطينية فى لبنان.
تهديدات «نتنياهو» جاءت من رغبته فى توسيع الحرب طمعًا فى مساندة أكبر وأقوى من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وإنهاء لأى مطالب داخلية له بالتنحى عن رئاسة الوزراء عقب انطلاق مظاهرات من أهالى المحتجزين لدى «حماس».
وعمد «نتنياهو»، على مدار الأشهر الماضية، إلى استفزاز «حزب الله»، وإدخاله المعركة والحرب الدائرة، وكان هذا جزءًا من توجه أكبر لمحاولة جر رجل إيران للدفاع عن «حزب الله» حال تعرضه لهجوم كبير، أو حدوث اجتياح إسرائيلى للبنان.
وهو ما هدد به «نتنياهو» بالفعل قائلًا إنه حال مشاركة «حزب الله» فى الحرب فإنه سيعيد لبنان إلى العصر الحجرى، لكن الحزب أفشل تلك المخططات، حتى الآن، بإبقاء ردوده فى إطار قواعد الاشتباك المتعارف عليها طوال السنوات السابقة، وعدم توسعه فى الرد تجنبًا للتصعيد.
ومنذ بدء المواجهات بين الجانب الإسرائيلى وحزب الله، تسببت الغارات الإسرائيلية فى مقتل أكثر من ٢٠٠ من عناصر حزب الله ونحو ٥٠ مدنيًا. فى حين أدت الهجمات من الحدود اللبنانية على إسرائيل إلى مقتل ١٢ جنديًا إسرائيليًا وخمسة مدنيين، وفرار عشرات الآلاف من الإسرائيليين واللبنانيين من القرى على جانبى الحدود قدرت مصادر إسرائيلية عددهم بحوالى ٧٠ ألف شخص.
إثارة الخلاف داخل «مجلس الحرب»: التهرب من مواجهة كابوس «اليوم التالى»
ومع تأكيد استطلاعات الرأى على تراجع شعبية «نتنياهو» وائتلافه المتطرف الحاكم فى إسرائيل، وفى ظل إدراكه أن جره إلى ساحات القضاء التى ستفضى به إلى السجن أصبح مسألة وقت، انتقل رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى مرحلة جديدة من افتعال الأزمات، تعمد خلالها إثارة الخلافات داخل مجلس الحرب نفسه، مستغلًا فى ذلك الانشغال الكبير داخل أروقة الحكومة ومجلس الحرب حول مسألة «اليوم التالى»، أى ما بعد الحرب على غزة، وهى القضية التى أثيرت فى كل اللقاءات الدبلوماسية والإعلامية لقادة دولة الاحتلال لعدة أشهر.
وعمد «نتنياهو» إلى التهرب من الإجابة عن سؤال: «ماذا سيحدث فى اليوم التالى لانتهاء الحرب فى غزة؟»، فى ظل السيناريوهات الكارثية التى تواجه كل الإجابات على جميع الأصعدة، مستغلًا ذلك فى تأجيج الخلافات داخل مجلس الحرب، ومع وزير الدفاع «جالانت».
ووصل الأمر إلى ذروته خلال اجتماع وزارى، فى يناير الماضى، دخل خلاله فى نقاش ساخن بإحدى الغرف الجانبية داخل مقر وزارة الدفاع، إثر منع رئيس الحكومة وزير الدفاع عقد اجتماعات خاصة مع رئيسى جهازى المخابرات «الموساد» والأمن الداخلى «الشاباك»، ما دفع «جالانت» للهجوم على «نتنياهو» فى تصريحاته، واتهامه بأنه يضر بأمن إسرائيل من خلال قراراته حول غزة والحرب.
ورد «نتنياهو» على التصريحات بقوله إنه «لا يحق لـ(جالانت) عقد اجتماع مع قادة أجهزة أمنية يتبعون مباشرة لرئيس الحكومة وليس لوزير الدفاع»، وأن «رئيس الموساد نفسه يعتقد أن هذه مناقشات عقيمة».
كانت القناة الـ١٢ الإسرائيلية، وقتها، قد أوردت تقريرًا قالت فيه إنه كان من المقرر أن يعقد «جالانت» اجتماعًا عاجلًا مع رئيس أركان الجيش هرتسى هاليفى، ورئيسى «الموساد» دافيد برنياع، وجهاز الأمن العام «الشاباك» رونين بار، بشأن العمليات العسكرية والحرب مع «حماس» وملف المحتجزين، وكان مقررًا إرسال نتائجه إلى «نتنياهو» للموافقة عليها، بيد أن رئيس الوزراء تدخل لـ«منع إتمام اللقاء».
وأوضح التقرير أن قرار إفشال الاجتماع يأتى فى ظل تفاقم الخلافات بين «نتنياهو» و«جالانت»، كما يأتى بعد ٤ أيام من تقارير عن اجتماع مماثل بين وزير الدفاع ومدير «الموساد» كان مقررًا أن يتناول مناقشات بشأن «اليوم التالى» للحرب، وتدخل «نتنياهو» لمنعه أيضًا.
وعلق مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى على التقرير بالقول إن «نتنياهو لا يفرض قيودًا على رئيس «الموساد»، الذى يمكنه أن يأتى إلى أى مناقشة تخضع لمسئولياته، ولكن المجلس الوزارى الحربى هو الجهة التى ترسم السياسات وتقرر فى أمر الأسرى والمفقودين».
وأثار كل هذا، وغيره، تساؤلات بشأن التداعيات الأمنية المحتملة للخلافات المتصاعدة داخل أروقة السلطة الإسرائيلية، خاصة أن ذلك الصدام لم يكن الأول، بل سبقه صدام آخر، بعدما طلب حراس مكتب «نتنياهو» تفتيش رئيس أركان الجيش هرتسى هاليفى، لدى دخوله مكتب الحرب بحثًا عن جهاز تسجيل، ما أثار غضب «هاليفى» بشدة، وجعله يعبر صراحة وبصوت مرتفع عن استيائه من الأمر.
وتجدد الأمر أيضًا منذ عدة أيام، بعدما اتهم «نتنياهو»، قائد الجيش ووزير الدفاع «جالانت» بـ«تعريض استقرار الحكومة للخطر»، بعد حديثه عن قانون «تجنيد الحريديم»، بعد أن دعا الأخير إلى التوصل إلى حل بشأن أزمة التجنيد وقلة عدد الجنود فى الجيش الإسرائيلى، بعد الدفع بهم جنوبًا فى قطاع غزة وشمالًا قرب الحدود مع لبنان.
تنصل من فضيحة 7 أكتوبر: حملة إعلامية لتحميل مسئولية الفشل لمعارضيه
لم يكد «نتنياهو» يخرج من أزمة الإصلاح القضائى بشكل مؤقت، حتى تسبب فساد إدارته وتطرف حكومته فى تصعيد أكبر فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، مع إطلاق يد المتطرفين والمستوطنين فى الضفة الغربية المحتلة، وتضييق الخناق على الفلسطينيين، ما أسفر عن رد فعل عنيف، تمثل فى تنفيذ عملية «طوفان الأقصى»، يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، على يد حركة «حماس» الفلسطينية، فى أكبر عملية اختراق أمنى وعسكرى لإسرائيل فى نصف قرن.
وعلى إثر العملية، بات «نتنياهو» مهددًا بانتهاء مسيرته السياسية، ما دفعه لمحاولة إنعاشها ومنحها قبلة الحياة عبر تدشين حكومة وحدة وطنية وتشكيل «مجلس حرب» مصغر، لضمان الإبقاء عليه فى السلطة، وإثناء معارضيه عن محاولة إقصائه عنها.
وفى الوقت ذاته، عمل «نتنياهو» على عرقلة عمل الحكومة والمجلس، والانفراد بالقرارات دون الرجوع إلى شركائه، بهدف إطالة أمد الحرب على أمل تحقيق انتصار عسكرى على «حماس» والفصائل الفلسطينية، أو تنفيذ مخططات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ليخرج بمكسب سياسى يبقيه فى منصبه لعدة أشهر إضافية.
ومع تزايد خسائر جيش الاحتلال فى شوارع غزة، وفى ظل تصاعد الغضب داخليًا، بسبب عدم قدرته على استعادة المحتجزين الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية داخل القطاع، وهربًا من لجان التحقيق التى ستلاحقه فور انتهاء الحرب، شن «نتنياهو» حملة إعلامية لتحميل غيره مسئولية التقصيرين الأمنى والعسكرى، ونشر، فى شهر أكتوبر الماضى، تغريدة على منصة إكس «تويتر سابقًا» حمَّل خلالها قادة أجهزة الاستخبارات مسئولية الفشل الذى حدث فى ٧ أكتوبر، محاولًا التنصل فى وقت حرج من أى مسئولية، قبل أن يضطر بعدها بأيام إلى حذف التغريدة والاعتذار عنها، مع تزايد الانتقادات والضغوط.
وفى إطار محاولته للنجاة، ظلت محاولات «نتنياهو» مستمرة- بالتصريح تارة وبالتلميح تارة- لتحميل غيره مسئولية التقصير، سواء أثناء عملية «طوفان الأقصى» أو خلال يوميات الحرب نفسها، سواء فى الأجهزة الأمنية أو العسكرية، وحتى داخل التحالفات السياسية المكونة لحكومة الوحدة الوطنية أو بين أعضاء مجلس الحرب الذى شكله، ما أثار موجة من الاتهامات والاتهامات المتبادلة داخل الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية على اختلاف مستوياتها.
استخدام التطرف: التلاعب بأزمة «تجنيد الحريديم» لضمان دعم حلفائه المتشددين
قبل الحرب، وعدت حكومة «نتنياهو» الأحزاب «الحريدية» الدينية المتشددة بتمرير تشريع يحمى قرارات إعفائهم من الخدمة العسكرية من الطعون أمام المحاكم فى المستقبل.
ومن بين المقترحات، كان تمرير قانون شبه دستورى يساوى بين دراسة التوراة والخدمة العسكرية، لكن حكومة «نتنياهو» لم تنجح فى تحقيق وعدها بسبب انشغالها بأزمة «الإصلاح القضائى» وما تلاها من تداعيات.
وعقب هجمات ٧ أكتوبر، وبدء الحرب الإسرائيلية الوحشية والجنونية على قطاع غزة، واجه جيش الاحتلال الإسرائيلى عجزًا فى عدد قواته جراء الدفع بهم إلى جبهتى صراع جنوبًا فى غزة، وشمالًا قرب الحدود اللبنانية، ما دفع عددًا من المسئولين إلى المطالبة بتجنيد «اليهود الحريديم» المتشددين وإلغاء إعفائهم من التجنيد الإجبارى.
وتفجرت الأزمة نظرًا لأنه من المفترض أن ينتهى آخر الشهر الحالى سريان الأمر الصادر عن الحكومات المتعاقبة بمنح «الحريديم» الإعفاء من الخدمة العسكرية، مقابل دراسة التوراة فى المدارس الدينية اليهودية.
وأمهلت المحكمة العليا حكومة «نتنياهو» حتى ٣١ مارس الجارى من أجل التوصل إلى صيغة تفاهم بشأن تجنيد «الحريديم» وإلزامهم بالخدمة العسكرية، إذ يصل عدد من يمكن تكليفهم فى الوقت الحالى ١٥٧ ألف شخص، لكن الجيش الإسرائيلى لا يستطيع تجنيدهم رغم حاجته إليهم، لذا يُعتبرون- حسب القانون- فارين من الخدمة العسكرية.
ورد «الحريديم» على الأمر باحتجاجات واسعة، رافعين شعار «نموت ولا نتجند»، بل تمادى الوضع حتى هدد يتسحاق يوسف عوفاديا، الحاخام الأكبر فى إسرائيل، بهجرة «اليهود الحريديم» خارج البلاد فى حال تم إجبارهم على التجنيد الإجبارى.
ونشأت طائفة اليهود «الحريديم» أو اليهود الأرثوذكس وهى طائفة متشدّدة فى القرن الـ١٩ بشرق أوروبا، واسم «حريديم» هو جمع للكلمة المفردة «حريدى»، والاسم يحمل عدة معانٍ ودلالات؛ منها الأتقياء، والخائفون من الله، ومعتزلو الناس.
ولهم زى خاص ويُطلقون لحيتهم حتى صدورهم، وشعور رءوسهم إلى ما بعد الآذان، ونساؤهم يرتدين دائمًا النقاب، ويُسيطر على ملابسهن السواد، وتتمسّك تلك الطائفة بتفسيرات قديمة للشرائع اليهودية وبالتقاليد القديمة، وترفض إعادة النظر فيها بما يوافق تطوّرات العصر.
وتشكل هذه الطائفة حوالى ١٣٪ من إجمالى سكان إسرائيل، ويدرس أبناؤها من الذكور حتى سن الأربعين فى مدارس دينية، لا يدخلها إلا هم؛ وهذا من عوامل عزلتهم وعدم انسجامهم مع المجتمعات الموجودين فيها، ويتعلمون الشريعة اليهودية، ولا يدرسون العلوم الدنيوية، إلا التى تساعد فى إنقاذ الحياة مثل الطب.
ويعد التحالف مع تلك الطائفة المتطرفة أحد أركان بقاء حكومة «نتنياهو»، إذ تضمن له الأحزاب المؤيدة لهم تأمين الأغلبية فى الكنيست والبقاء فى مقعد رئيس الوزراء، ما يحول دون محاكمته، سواء بتهم الفساد أو التقصير.