موقف ألمانيا الحرج!
من القاهرة، توجهت أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، مساء أمس، الإثنين، إلى الأراضى الفلسطينية، للقاء الرئيس الفلسطينى، محمود عباس، ورياض المالكى، وزير الخارجية، ومن المقرر أن تُجرى اليوم الثلاثاء، محادثات مع نظيرها الإسرائيلى يسرائيل كاتس، بعد أن تناول الشق الأكبر من مباحثاتها الموسعة مع سامح شكرى، وزير خارجيتنا، مختلف جوانب الوضع فى قطاع غزة، والجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، والحد من المعاناة الإنسانية المتفاقمة لسكان القطاع.
وزيرة الخارجية الألمانية، المنتمية إلى «حزب الخضر»، تزور إسرائيل للمرة السادسة، منذ بداية العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، الذى وضع الحكومة الاتحادية فى موقف حرج، وجعلها تتخلى، كليًا، عن قيم الإنسانية والحرية، وحقوق الإنسان، ما دفع مئات الكتاب والمثقفين حول العالم، من بينهم حاصلون على جائزة «نوبل»، إلى التوقيع على عريضة عنوانها «قاطعوا ألمانيا»، Strike Germany، ردًا على دعم الحكومة الألمانية غير المشروط لإسرائيل، وقمعها الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، وحظرها أى أنشطة تنتقد الجرائم الإسرائيلية، وضغطها على أى وسيلة إعلام تظهر بعض التوازن فى تناولها الأزمة الراهنة.
داخليًا، أظهر استطلاع للرأى أجرته مجموعة «فالن» للأبحاث، لصالح القناة الثانية بالتليفزيون الألمانى، «ZDF»، وتم نشر نتائجه يوم الجمعة الماضى، أن ٦٩٪ ممن شملهم الاستطلاع يرون أن «العمليات العسكرية الإسرائيلية» فى قطاع غزة غير مبررة، كما أعرب ٨٧٪ عن اعتقادهم بأن على الغرب ممارسة المزيد من الضغوط على إسرائيل لإمداد سكان القطاع بالغذاء والدواء. ومنذ شهر تقريبًا، أعلن عدد من المحامين الألمان عن إقامتهم دعوى قضائية، بالنيابة عن ضحايا فلسطينيين، وقالوا، خلال مؤتمر صحفى عقدوه، فى ٢٣ فبراير الماضى، بالعاصمة الألمانية برلين، إنهم يتهمون المستشار الألمانى ووزراء الخارجية والاقتصاد والمالية والدفاع والعدل، بالمساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، من خلال تزويد إسرائيل بالأسلحة وإصدار تراخيص التصدير ذات الصلة.
المهم، هو أن وزيرة الخارجية الألمانية زارت القاهرة، واستقبلها وزير خارجيتنا، صباح أمس الإثنين، ولدى تناول الوزيرين مختلف جوانب الوضع فى قطاع غزة، أكد سامح شكرى حتمية إنفاذ التهدئة ووقف إطلاق النار فى غزة فى أسرع وقت، مستعرضًا الاتصالات والجهود التى تبذلها مصر على كل الأصعدة، بما فى ذلك الاتصالات مع الجانب الأمريكى، وجهود الوساطة بين حماس وإسرائيل؛ بهدف الوصول إلى هدنة تُفضى إلى وقف دائم لإطلاق النار. ومجددًا، أكد وزير الخارجية لنظيرته الألمانية رفض مصر القاطع وتحذيرها غير القابل للتأويل أو الشك، من أى عملية عسكرية إسرائيلية فى رفح الفلسطينية، لما ستنطوى عليه من تعقيدات غير مسبوقة وكارثة إنسانية ستخرج عن السيطرة.
مباحثات الوزيرين تناولت، أيضًا، الوضع الأمنى غير المستقر فى البحر الأحمر، نتيجة تصاعد العمليات العسكرية التى تستهدف حرية الملاحة فى هذا الشريان الملاحى المهم. وفى هذا الشأن أعربت وزيرة الخارجية الألمانية عن تطلعها إلى التنسيق والتشاور؛ للوقوف على تقييم مشترك لطبيعة التهديدات وسبل مواجهتها، مؤكدة تقدير بلادها للدور المحورى، الذى تضطلع به مصر لتعزيز الاستقرار فى المنطقة. و... و... وعن مسار الأفق السياسى للتعامل مع القضية الفلسطينية، أكد وزير خارجيتنا أهمية حل الأزمة من جذورها، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى، طويل المدى، استنادًا إلى حل الدولتين ومقررات الشرعية الدولية، مطالبًا بتغيير نمط التعامل الدولى مع القضية الفلسطينية عن النهج السابق، وأن يبدأ ذلك بتحرك جاد نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وإقرار عضويتها الكاملة بالأمم المتحدة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن نيكاراجوا، أكبر دول أمريكا الوسطى، أقامت دعوى أمام محكمة العدل الدولية، فى أول مارس الجارى، تتهم فيها ألمانيا بتسهيل ارتكاب الإبادة الجماعية، عبر تقديمها مساعدات عسكرية لإسرائيل، ووقفها تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أونروا. ومن بيان أصدرته المحكمة عرفنا أن دولة نيكاراجوا الصديقة، أو الشقيقة، طالبت بإصدار إجراءات مؤقتة تلزم الحكومة الألمانية باستئناف تمويل «أونروا» وتعليق مساعداتها العسكرية لإسرائيل.