الحشاشين و«المعلم».. الكتاب يبان من عنوانه
الكتابة عن مسلسل لسه بيقول بسم الله الرحمن الرحيم أمر صعب.. ولم أكن سأفعل ذلك لولا تلك الدوشة التى انطلقت عقب إذاعة تتر ختام الحلقات الأولى لعدد من المسلسلات بداعٍ ودون داعٍ فى أغلب الأحيان.
«الحشاشين».. ليس مجرد مسلسل كتبه عبدالرحيم كمال وأخرجه بيتر ميمى.. وكلاهما يملك من التاريخ الدرامى ما يجعل مسلسلهما مطمعًا للنقد المسبق.. النجاحات السابقة بقدر ما تحشد جمهورها فإنها تنير الطريق أمام جمهرة جاهزة للفرجة، ولأننا تعودنا أخيرًا الانتظار وأن نغرد يوميًا وفى كل الظروف.. توقعت أن تحدث هذه الدوشة مبكرًا.
المسلسل هو الأضخم فى تاريخ الدراما المصرية من حيث الإنتاج.. وقد كان ذلك الأمر سجنًا لأى أديب يفكر فى اقتحام التاريخ.. فأى كاتب كان يفعل ذلك.. كان يكتفى بأن يقول إنه يحلم بأن يكتب عملًا عن العصر الفلانى.. مجرد الحلم كانت تواجهه جملة «وده مين اللى هينتجه ده؟».
الإنتاج الضخم ليس وحده هو الباب الذى أغرى الملايين بالفرجة على الحشاشين.. لكن مَنْ يعرفون تاريخ هذه الطائفة يعرفون أن الجدل حولها وحول أفكارها سيكون كبيرًا.. وملهمًا.. ومحرضًا على التفكير.. وهذا أمر يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين وجهات الإنتاج يفكرون ألف مرة قبل أن تُقدِم على عمل من هذا النوع.. لكن هذا ما حدث بالفعل.
ألف سنة ويزيد تفصل بيننا وبين الأحداث الحقيقية لهذا العمل.. وهذه سكة الهجوم الأولى التى انبرى المزايدون للتوقف عندها.. حيث إنهم غير مرحبين بأن يكون حوار المسلسل بالعامية المصرية.. وكأنه لو كان عملًا أمريكيًا يتناول نفس الحدث لقبلناه مترجمًا ورحنا نتغزل فى سحر حواره المترجم.. اللغة البيضاء هى الأقرب لشعوب المنطقة العربية التى يتوجه المسلسل لمخاطبتها.. وهو أولًا وأخيرًا عمل فنى.. الحوار جزء من عناصره أيًا كانت لغته.. اللهجة البيضاء هى الأقرب لجيل جديد لا يقرأ من الأساس.. فضلًا عن فهمه إشكاليات تلك الحقبة وتداعياتها على وطننا العربى.. وعلى كثير من بلاد المسلمين.
عنى.. خطفتنى الصورة فى الحلقتين الأولى والثانية.. اختيار مناطق التصوير.. والديكور أيضًا.. والإضاءة.. وهى عناصر تشكل عمق الفكرة وتحدد معالمها.. صورة مبهرة.. وقدرات بديعة للمصورين.. وحركة الجموع فى مشهد الافتتاح.. حركة المجاميع فى السوق.. ومطاردة الخيام.
أحمد عيد وليس كريم عبدالعزيز.. اختيار مدهش لممثل يغرد وحده بعيدًا عما تحفظه له الذاكرة.. عيد ابن معهد النقد الفنى، الذى يجيد كتابة المسرح، رسخ لسنوات فى أذهان الجميع أنه ممثل كوميديان.. لكنه وللعام التالى على التوالى يفاجئ الكل بأنه ممثل كبير كان ينتظر فرصة حقيقية فى دراما لها رأس وأقدام وها هو يجدها.. كريم عبدالعزيز أمامه فرصة قد لا تتكرر مجددًا للقفز إلى بعيد.. لكن أداء الواثق الهادئ فى حلقته الأولى قد ينفجر فى أى لحظة حسبما رسم عبدالرحيم من ملامح ورتوش لشخصية حسن الصباح.
الوقت مبكر جدًا للحديث عن أداء الممثلين.. أو عن الأفكار التى ستثير الجدل حتمًا.. لكننا قطعًا لن ندرك تحولات ومصائر هذه الشخصيات.. فقط نقول إن الكتاب بيبان من عنوانه.. هذا صحيح.. ومن العناوين التى فرضت نفسها دراما الحشاشين.
نفس الأمر يمكن أن أقوله عن مسلسل المعلم لمحمد الشواف ومصطفى شعبان.. الأمر مغرٍ جدًا للكتابة من أول طلة.. فهذا عالم شادر السمك الذى سبق أن قدمه فريد شوقى وأحمد زكى.. فماذا يفعل الشواف بنجمه الذى وطن نفسه فى الفترة الأخيرة فى سكة البطل الشعبى خفيف الدم المنخاز للحق دومًا.. ابن البلد الذى يذهب بنا إلى صورة مغايرة عن عالم البحر ووكالات الأسماك وصراع حيتانها.. بشكل عصرى مودرن.. استطاع أن يدخل إلينا مباشرة.. الشواف حرق مسافة زمنية لا تقل عن ثلاثين سنة فى حلقته الأولى بسرعة ويسر شديدين جعلت من الإيقاع عنصرًا جاذبًا.. الحدث يصعد بذكاء.. حتى يصل بذروته لأن نتلهف لمصير البطل فى مواجهة من ظلموا والده وسرقوا تجارته وماله وعمره.. سهر الصايغ.. ومن طلتها الأولى هى ممثلة كبيرة بلا شك، تمسك بلجام شخصية الزوجة المحبة التى يداهمها المرض اللعين فى لحظة خاطفة.. مشهد معرفة الزوجة طبيعة مرضها يُدرّس.. هذه ممثلة من ذوات الأوزان الثقيلة ولا أعرف ماذا ستفعل بنا فى الحلقات المقبلة.
أول أيام رمضان مع الدراما مبشر جدًا.. التنوع أمر واضح على مختلف الشاشات.. والمنافسة بين نجوم مصر طاحنة.. الفخرانى بطلته الواثقة البهية الخبيرة فى رواية عمنا إبراهيم عبدالمجيد تنافس جيلًا شابًا كتابته طازجة فى «مسار إجبارى».. قدرات أمير كرارة الذى نضج كثيرًا فى «بيت الرفاعى» تناكف شطحات أحمد العوضى فى «حق عرب».. ريهام حجاج فى «صدفة» مختلفة ولطيفة ومصرية جدًا.. القادم زحمة وهيصة نعم.. لكننا نحتاج لعشرة أيام على الأقل حتى يمكننا التعاطى بشكل علمى دقيق مع أطايب هذه المائدة الرمضانية العامرة.
التفاصيل الصغيرة من أول رباعية الخيام حتى غناء أحمد شيبة.. وساعة أنغام الجريئة.. ربما وحدها تحتاج لفرجة هادئة وكتابة مختلفة فى وقت قادم.. هذه فقط فرحة اللقيا ورد السلام لطلعة الأيام الأولى من موسم رمضان الدرامى.