ويبقى أثر الشهداء.. طبعًا
خمس وخمسون سنة تمر، اليوم السبت، على استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب قواتنا المسلحة الأسبق، الذى جعل المصريين «يصرون على أنها نهاية البداية، نهاية النظر إلى الخلف وبداية التطلع إلى الأمام، التطلع إلى تحرير الأرض، كل الأرض العربية»، بوصف زميلنا وأستاذنا محمود عوض، فى كتابه «اليوم السابع: الحرب المستحيلة.. حرب الاستنزاف»، الذى ننصحك بقراءته.
أرواح مئات الآلاف من شهدائنا صعدت إلى بارئها منذ فجر التاريخ، وليس انتهاء بالحرب على الإرهاب، بعد الربيع الإخوانى، الأمريكى أو العبرى، الذى يصفه البعض بـ«الربيع العربى»، ومرورًا بحروبنا مع العدو الصهيونى، أو مع مَن استعملوه، وما زالوا يستعملونه: حرب فلسطين، نكبة ١٩٤٨، وعدوان ١٩٥٦، أو العدوان الثلاثى، ونكسة يونيو ١٩٦٧، وحرب الاستنزاف التى استمرت ٣ سنوات، أو ألف يوم، والتى حقق فيها عبدالمنعم رياض انتصارات عديدة فى معاركها، قبل يوم استشهاده، بين جنوده، يوم ٩ مارس ١٩٦٩، الذى صار يومًا سنويًا للشهيد، واختارت له قواتنا المسلحة، هذه السنة، عنوان «ويبقى الأثر»، إحياءً واحتفاءً وتذكيرًا بسير وتضحيات هؤلاء الأبطال، الذين قدموا أرواحهم ثمنًا لأمن واستقرار هذا البلد. والشهداء، كما لعلك تعرف أو تؤمن، ليسوا أمواتًا بل أحياء عن ربهم يرزقون.
بانتصارنا الأعظم فى التاريخ الحديث، وبالهجوم العسكرى الأكبر منذ الغزو الأمريكى للهند الصينية سنة ١٩٥٠، ثم بالسلام القائم على القوة، حرّرنا كامل ترابنا الوطنى، ودخل الرئيس السادات التاريخ من أوسع أبوابه، بصفته قائدًا منتصرًا، وبطلًا للحرب والسلام، وشهيدًا، برصاص أعداء البشر. والإشارة هنا مهمة إلى أننا لم نحارب، فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣، لكى نعتدى على أرض غيرنا وإنما حاربنا لاستعادة أرضنا المحتلة فى ٥ يونيو ١٩٦٧، ولإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، التى ما زلنا نحاول إعادتها، وأولها حقه فى إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
استطعنا، إذن، بدماء الشهداء وبطولات رجال قواتنا المسلحة، أن نسترد سيناء، التى تشكلت فيها، لاحقًا، لأسباب يطول شرحها، بنية أساسية ضخمة للإرهاب، عبارة عن مخازن للأسلحة والذخيرة والمفرقعات وأيضًا عناصر بشرية كبيرة، استهدفت السيطرة عليها، ثم على كامل التراب الوطنى، وكادت تدخل البلاد فى حرب أهلية، تستمر لسنوات عديدة، لولا تضحيات الشهداء وبطولات رجال قواتنا المسلحة، التى حالت دون إعادة الأوضاع فى سيناء إلى ما كانت عليه قبل العاشر من رمضان ١٣٩٣، السادس من أكتوبر ١٩٧٣، ومنعت العدو، أو الأعداء، من تغيير الواقع، الذى فرضه تفوقنا العسكرى، أرضًا وجوًا وبحرًا.
هذا التفوق العسكرى، دفع الأعداء، إلى تغيير أشكال وأساليب معاركهم، فى حربهم اللاحقة، التى استهدفت الروح المعنوية لهذا الشعب، ونجحت جزئيًا فى تدمير ثقته بمؤسساته الوطنية، وأوهمته بأنها هى العدو، وبأن الأعداء الحقيقيين هم الحصن والملاذ. وشاء السميع العليم ألا تمر سنة ٢٠١٢ حتى يظهر الوجه الصهيونى لجماعة الإخوان، التى استعملها الأعداء فى حربهم، سواء، باكتشافنا أن شيمون بيريز، هو صديق الرئيس الإخوانى العزيز، أو حين رأينا عصام العريان يوجّه الدعوة، فى برنامج على «قناة دريم»، إلى اليهود المصريين للعودة مرة أخرى، ويقول لهم إن «مصر أولى بكم»!
.. أخيرًا، وبينما كانت أرواح مزيد من الشهداء تصعد إلى بارئها، بفعل الإرهاب، كان المصريون يستردون وعيهم، إلى أن انتفضوا ضد دوائر التآمر والتخريب، فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وتمكنوا، بمساعدة جيشهم، من كنس الجماعة الإرهابية، التى صنعها الاستعمار القديم وتعهدها الاستعمار الجديد برعايته، ثم استطاعوا، بدماء الشهداء وبطولات رجال قواتنا المسلحة، أيضًا، أن ينتصروا فى الحرب على الإرهاب، التى لم تكن أقل ضراوة من كل الحروب السابقة، إذ يكفى أن تعرف، مثلًا، أن العمليات العسكرية، التى بدأت سنة ٢٠١١ وانتهت بتطهير سيناء من الإرهاب، كانت تكلفنا مليار جنيه، شهريًا، على الأقل.