شريف رمزي: "سليمان العبيط" أسطورة بطلها الحقيقي كان ملكًا للنوبة
أعرب الباحث شريف رمزي عضو لجنة التَّاريخ القبطي عن استيائه من حالة الاستسهال في الحصول على أيِّ معلومة من خلال وسائل التَّواصُل الاجتماعي دون الرُّجوع إلى الكتب والمصادر للبحث والتَّدقيق فيها.
وأضاف «رمزي» في تصريح خاص: من وقت لآخر تُطالعنا صفحات الفيسبوك بقصصٍ وحكايات لا أصل لها ولا فصل، ومن ذلك حكاية القدِّيس سليمان الشَّحَّات أو سليمان العبيط الَّذي يزعم البعض أنَّه كان تلميذًا للأنبا رويس!
وقال «رمزي»: إنَّ القصَّة الحقيقيَّة جرى تشويهها والعبث بتفاصيلها، أمَّا البطل الحقيقي للرُّواية فهو القدِّيس سلمون (سليمان)، الَّذي كان ملكًا لبلاد النُّوبة أواخر القرن الحادي عشر، واختار أنْ يعتزل المُلك برغبته وترهَّب بأحد الأديرة على الحدود بين مصر والنُّوبة، والقصَّة بكاملها وردت في كتاب «سِيَر البِيعَة المُقَدَّسَة» المعروف باسم تاريخ البطاركة، وتحديدًا في سيرة البابا كيرلس الثَّاني البطريرك ٦٧ (١٠٧٧-١٠٩٢م). والقصَّة المُتداولة اليوم سبق أنْ فنَّدها المُتنيِّح الأستاذ نبيه كامل داود في مقالٍ له بمجلَّة الكرازة (العدد ١١ لسنة ١٩٧٤، ص ١٦).
وتعود وقائع القصَّة إلى عهد الخليفة المُستنصر بالله الفاطمي (١٠٣٦-١٠٩٤م) ووزيره بدر الجمالي المُلقَّب بأمير الجيوش (١٠٧٣-١٠٩٤). وتردُ القصَّة في سياق النَّشرة الجديدة لكتاب «سِيَر البِيعَة المُقَدَّسَة»، دراسة وتحقيق الباحث «شريف رمزي» (ص ٧٧٥)، على النَّحو التَّالي:
[وكانَ سَلَمُونَ مَلِكُ النُّوبَة قد ترك المَملَكةَ وعزلَ نفسَهُ منها وسلَّمَها لجِرجَة ابن أُختِه وانفرَدَ هو للعِبادَةِ والنُّسك. فلمَّا كان في السَّنةِ الثَّانية من بَطريَركيَّة الأبِ أنبا كيرلُّس مَضى سلمون المَذكور إلى وادي يُعرَفُ بالقدِّيس أبو نفر ليَتَعَبَّد في بِيعَةٍ هُناكَ على اسمِهِ فِي بَرِّيَّةٍ بَينَها وبَينَ أطرافِ النُّوبَةِ مَسيرَة ثَلاثَة أيَّام وبَينَها وبَينَ أسوانَ مَسيرَة عشرة أيَّام، وكان والي أسوان يَومَئِذٍ المُقَدَّم سَعدَ الدَّولَة سارتكين القواسيّ، فأتاهُ أحَدُ إخوَةِ كَنز الدَّولة وقال له: يا مولاي تُريدُ أمضي أخُذُ الَّذِي كَانَ مَلِك النُّوبَة وأتيكَ به؟ قالَ لَهُ: نَعَم. فَأَخَذَ مَعَهُ عِشْرِينَ رَجُلًا ورَكِبوا النُّجُبَ وساروا في خُفيَةٍ حَتَّى وصلوا إلى البِيعَةِ بوادي أبو نفر وكَبَسوها بَغتَةً، وأخذوا سَلَمُونَ المَذكور وعادوا حَتَّى وَصَلوا إلى سَعدَ الدَّولَة فسَيَّرهُ إلى القاهِرَة، فلمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا تَلَقَّاهُ كُلُّ مَن فيها من الأمَراءِ والمُقَدَّمِينَ بالطُّبولِ والبُوقاتِ والبُنودِ، ولما دَخَلَ إلى القاهِرَة أكرمَهُ أميرُ الجُيوش وأنزَلَهُ في دارٍ حَسَنَةٍ وحَمَلَ إلَيهِ الكِسوَةَ والفُرُش والآنيَة، وأقامَ على هَذِه القَضيَّةِ تقدير سَنَة ثُمَّ تَنَيَّحَ ودُفِنَ في دَيرِ القدِّيس ماري جِرجِس بالخَندَقِ].
ويُلَخِّص «المقريزي» تلك الواقعة الشَّهيرة في كتابه «اتّعاظ الحُنفاء بأخبار الأئمة الفاطميِّين الخُلفاء»، في معرض حديثه عن وقائع سنة ٤٧٢هـ ( ۱۰۸۰/١٠٧٩م)، فيذكُر: [وفيها خرج ملك النُّوبة من بِلادهِ وسارَ إلى أسوانَ يُريدُ زِيارةَ كَنيسَةٍ لهم بها، فبَعَثَ والي قوصَ مَن قَبَضَ عليه وحَملَهُ إلى القاهِرَة، فأكرَمهُ أميرُ الجيوش وأفاضَ عليه النِّعَم وأتحَفهُ بالهَدايا الجَليلَةِ، فأدرَكهُ أجلُهُ وماتَ قبل أنْ يَعودَ إلى بِلادهِ].