عصر الهيدروجين الأخضر
الهيدروجين الأخضر، منخفض أو عديم الكربون، ينتج عن تبخير الأكسجين من الماء، الذى يتكون من ذرّة أكسجين مركزية، مرتبطة بذرتين من الهيدروجين على طرفيها. ولأن المنتج الثانوى الوحيد لهذا النوع من الوقود، هو بخار الماء، جرى وصفه بأنه نظيف، أو أخضر، أو صديق للبيئة، بعكس الوقود التقليدى الأحفورى، أو الهيدروكربونى، الذى ينتج ثانى أكسيد الكربون، المسبب للاحتباس الحرارى، والتغيرات المناخية. وعليه، ركزت مصر على توطين وتطوير صناعة الهيدروجين الأخضر.
لن تسهم هذه الصناعة فقط فى تحقيق أهداف النسخة المحدَّثة من مساهماتنا الوطنية فى مواجهة تغير المناخ، لكنها ستؤدى، أيضًا، إلى تحصين البلاد من الصدمات المحتملة فى أسعار الطاقة، وستحدث، أو أحدثت بالفعل، طفرة حقيقية فى جذب الاستثمارات الأجنبية، التى وفرت، وستوفر، العملة الصعبة، والآلاف من فرص العمل. والأربعاء الماضى، مثلًا، شهد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، مراسم توقيع ٧ اتفاقيات تعاون فى مجالى الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة؛ مع ٧ مُطورين عالميين، باستثمارات متوقعة للمرحلة التجريبية قيمتها ١٢ مليار دولار، وحوالى ٢٩ مليار دولار للمرحلة الأولى.
فى ٦ سبتمبر الماضى، نشرت الجريدة الرسمية قرار رئيس الوزراء رقم ٣٤٤٥ لسنة ٢٠٢٣ بإنشاء «المجلس الوطنى للهيدروجين الأخضر»، الذى يهدف إلى توحيد جهود الدولة لتحفيز الاستثمار فى هذا المجال، بما يتماشى مع متطلبات التنمية المستدامة وخطط الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويضمن تنافسيتها، دوليًا وإقليميًا. والثلاثاء الماضى، اعتمد المجلس الأعلى للطاقة «الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين مُنخفض الكربون»، التى تستهدف جعل مصر إحدى الدول الرائدة فى هذا المجال.
المهم، هو أن اتفاقيات الأربعاء السبع، سبقها توقيع ٢٧ مذكرة تفاهم مع مطورين عالميين، لتطوير مشروعات الوقود الأخضر، إضافة إلى توقيع ١٠ اتفاقيات إطارية، واتفاقيات وبروتوكولات تعاون مع ٩ مطورين. ومنذ شهور، نجح «صندوق مصر السيادى» فى إطلاق أول مصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء فى إفريقيا، بالشراكة مع عدة شركات عالمية. وفى نوفمبر الماضى قام هذا المصنع بتصدير أول شحنة «أمونيا خضراء» فى العالم، لشركة «توتيكورين للكيماويات والأسمدة المحدودة» الهندية، لاستخدامها فى إنتاج رماد الصودا، لصالح شركة «هندوستان يونيليفر»، التابعة لمجموعة «يونيليفر» العالمية.
أيضًا، فى سابقة كانت الأولى من نوعها، على مستوى القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، أعلنت «الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس»، فى ١٨ أغسطس الماضى، عن نجاح عملية تموين أول سفينة حاويات، فى العالم، تعمل بالوقود الأخضر، الميثانول، بميناء شرق بورسعيد، وأكدت الهيئة، فى بيان، أنها تخطط لتحويل المنطقة إلى مركز إقليمى لتموين السفن. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن جهود توطين صناعة الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، بالمنطقة الاقتصادية للقناة، هى جزء من رؤية أشمل تستهدف الاستغلال الأمثل لمقومات المنطقة، والاستفادة من موقعها الاستراتيجى على جانبى الممر الملاحى الأهم فى العالم، وكذا مواقع موانئها على البحرين الأحمر والمتوسط.
إلى جانب تحصين البلاد من الصدمات المحتملة فى أسعار الطاقة، هناك فوائد عديدة سيحققها دمج الهيدروجين الأخضر فى مزيج الطاقة، والابتعاد عن الوقود الهيدروكربونى التقليدى، أبسطها الحدّ من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى. ومن هذا المنطلق، حرصت الرئاسة المصرية للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، كوب ٢٧، على طرح وتطوير مبادرات، لتعزيز الوصول إلى التمويل اللازم، لتنفيذ أجندة الانتقال العادل للطاقة النظيفة، ووضعت مشروعات على طاولة واحدة، تضم القطاعين العام والخاص، ومؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية وغيرها.
.. وتبقى الإشارة إلى أن مجلس الوزراء وافق، فى اجتماعه الأسبوعى، أمس الأول الخميس، على قيام «صندوق مصر السيادى» بالتعاقد مع استشارى قانونى دولى متخصص، لإحكام الصياغات القانونية لعقود الاستثمار فى مجال الهيدروجين الأخضر. كما وافق المجلس، أيضًا، على مشروع قرار رئيس الجمهورية، بشأن اتفاقية التمويل المقدم من بنك الاستثمار الأوروبى؛ للمساهمة فى تمويل مشروع «الصناعة الخضراء المستدامة»، الذى يستهدف تطوير الممارسات الصناعية المستدامة، وإزالة الكربون عن القطاع الصناعى، ودعم انتقال الصناعة فى مصر إلى الاقتصاد الأخضر.