"أضحى القلب كثير النسيان".. حكاية رسالة بليغة من الحكيم "بتاح حتب" عن شيخوخته إلى الملك "إسيسي"
الكثير من الأدباء تحدثوا عن "الشيخوخة"، ومتاعبها، وما قد تصيبه في الإنسان، ولكن لن يكون مثلما كتب الحكيم بتاح حتب عن شيخوخته، وتداول مهام عمله وسلطته لمن هو أصغر منه، وهو ما جعله يكتب رسالة إلى الملك "إسيسي" يطلب منه أن يحتل ابنه مكانه.
ونستعرض في التقرير التالي، حكاية رسالة البليغة من الحكيم "بتاح حتب" إلى الملك "إسيسي" عن "الشيخوخة"، وفقًا لـ موسوعة مصر القديمة (الجزء السابع عشر) باسم "الأدب المصري القديم"، للعالم الأثري الكبير الدكتور سليم حسن.
لماذا اهتم المصري القديم بكتابة وصيته قبل موته؟
يوضح الكاتب سليم حسن، في موسوعته، أن المصري القديم، عندما كان يشعر بدنو أجله يكتب وصيته، فيقسِّم أملاكه، وغالبًا ما كان ينقش صورةً من هذه الوصية على جدران مقبرته، وكان أحيانًا يخلف لابنه الأكبر نصائح وتعاليم عن تجاربه في الحياة وفي وظيفته، لتكون عونًا له على أداء عمله الحكومي.
وهو ما أقدم عليه الحكيم "بتاح حتب" في الكثير من وصاياه لابنه، ومهما يكن من أمر هذه التعاليم، فإن الغرض منها إرشاد التلميذ وغيره إلى السير الحكيم والأخلاق الحسنة، ليصبح ذا بصر بفنون الكلام، وليعبِّر عمَّا في نفسه بلغة مختارة جديرة بموظف محترم، وهذا هو السر في ذيوعها في عهد الدولة الوسطى، ثم في الدولة الحديثة، وفقًا لـ سليم حسن.
حكاية رسالة بليغة من الحكيم "بتاح حتب" إلى الملك "إسيسي" عن الشيخوخة
وتكشف نسخة من عصر الدولة الحديثة السبب الذي من أجله كتب "بتاح حتب" تعاليمه هذه، فأرسل رسالة لجلالة الملك "إسيسي" يعبر فيها عن شيخوخته وما حل به، ويطلب منه أن يقوم يعلم ابنه مهام عمله، ليؤديها بدلًا منه، فيقول:
"قد حلت الشيخوخة، وبدا خرفها، وامتلأت الأعضاء آلامًا، وظهر الكبر كأنه شيء جديد، وأضحت القوة أمام الهزال، وأصبح الفم صامتًا لا يتحدث، وغارت العينان، وصُمَّتِ الأُذُنان … وأضحى القلب كثير النسيان غير ذاكر أمسه، والعظام تتألم من تقدُّم السن، والأنف كتم فلا يتنفس، وأصبح القيام والقعود كلاهما مؤلمًا، والطيب أصبح خبيثًا، وكل ذوق قد ولَّى، فتقدُّم السن يجعل حال المرء سيئًا في كل شيء".
وأضاف بتاح حتب في رسالته: "فمرني أصنع لي سندًا لكبر سني، ودَعِ ابني يحتل مكاني، فأعلمه أحاديث مَن يسمعون، وأفكار مَن سلفوا، وهم الذين حرموا السلف في الأزمان الخالية، ولَيْتَهم يعملون لك بالمثل؛ حتى يُتَّقَى الشجار بين الناس، وتخدمك مصر".
وجاء رد الملاك "إسيسي" على رسالة الوزير "بتاح حتب" وقال:
"علِّمْه أولًا الحديث … وإني أرجو أن يكون مثالًا لأولاد العظماء، وليت الطاعة تكون رائِدَهُ، ويدرك كل فكرة صائبة ممَّن يتحدث إليه، فليس هناك ولد يحرز الفهم من تلقاء نفسه".
وهنا نجد وصف بليغ للشيخوخة، في حديث الحكيم "بتاح حتب"، وصورةً مدهشةً من حيث الدقة في التعبير ونفاذ البصيرة وضعها كاتب منذ آلاف السنين.
وقد وافق بالفعل الملك " إسيسي" على طلب وزيره "بتاح حتب" وأمره بتعليم ابنه، لإعداده بتقلد منصبه والقيام بمهام عمله الحكومية على أكمل وجه، وحتى يكون الإبن خلفًا لأبيه.
اقرأ أيضًا..