تعقيدات اقتصادية!
فيما يخص الأزمة الاقتصادية القائمة فإن ثمة خطورة.. هذه الخطورة تتمثل فى عنصر الزمن.. مرور الوقت يؤدى إلى تعقيد الأزمة.. والتعقيد يضاعف من صعوبة الحل أو إلى تأخره.. والتأخر يضع مزيدًا من الضغوط على صاحب القرار وعلى المواطن أيضًا.. يمكن تشبيه الوضع الاقتصادى بما يحدث أحيانًا فى عالم الطب حين يتعطل عمل بعض وظائف الجسم ويكون من الآثار الجانبية للدواء الإضرار بعمل وظائف تؤديها أجهزة أخرى.. فإذا تم علاج الكلى مثلًا تعرض الكبد للضرر وإذا تم علاج الكبد أثر الدواء على عمل القلب وهكذا!! شىء من هذا يحدث فى الأزمات الاقتصادية.. فى وضع مصر مثلًا تتحدث الأخبار عن ضرورة حدوث تعويم آخر للعملة قبل وصول تمويلات البنك الدولى الجديدة.. أو إتمام بعض الصفقات المهمة فى مجال الاستثمار العقارى.. الأثر الجانبى للتعويم الجديد هو زيادة الأسعار مرة أخرى.. والأثر الجانبى لتأجيل التعويم هو استمرار أزمة العملة الصعبة، والتى تؤدى أيضًا إلى ارتفاع أسعار كل ما هو مستورد وكل ما هو مصرى يدخل فى صناعته مكون مستورد.. الأمر أشبه بالـ«معضلة» التى لا يوجد اختيار واضح ومباشر لحلها.. لذلك يرى البعض أنه لا بد من تغيير حكومى قوى.. لأن الوضع الصحى الحرج يتطلب طبيبًا متخصصًا أولًا وشديد المهارة ثانيًا.. الإطار العام للوضع المصرى مطمئن لمن يحب مصر.. بمعنى أننا ندرك جميعًا أن مصر أكبر من أن تفشل وأعز من أن تسقط.. ولكن التفاصيل بلا شك غير مطمئنة للمواطن الذى يعانى من ارتفاع الأسعار ولا يبدو الخطاب الحكومى قادرًا على طمأنته.. من ضمن الأمور التى ما زالت معلقة تكليف الرئيس بتشكيل حكومة جديدة.. البعض يرى أن وجوهًا حكومية جديدة تعطى أملًا للناس فى المستقبل.. الناس مهتمون بالاقتصاد أكثر من أى شىء آخر الآن.. حديث بعض أساتذة الاقتصاد العادى جدًا عن طرق علاج الأزمة يلقى اهتمامًا كبيرًا جدًا من المواطنين أكثر من أنشطة الوزراء التقليدية.. المواطن يقول لنفسه إن هذه الأنشطة لم تؤد إلى حل الأزمة.. أظن أن الحكومة الحالية تشبه وضع شركة نوكيا لصناعة الهواتف المحمولة.. كانت نوكيا شركة عملاقة تسيطر على هذه الصناعة المهمة حتى تم اختراع الهاتف الذكى.. سيطرت الهواتف الذكية على الأسواق وتعرضت نوكيا للإفلاس.. لخص رئيس الشركة الوضع قائلًا «لقد فعلنا كل شىء صحيح.. ولكننا خسرنا فى النهاية».. لم تجار شركة نوكيا الزمن وتطور الاحتياجات رغم أن رئيسها رجل مجتهد ومحترم.. كما نعرف جميعًا فالرئيس السيسى زعيم وطنى.. القائد العسكرى لا يتخلى عن رجاله.. إذا أصيب أحدهم فى المعركة يحمله القائد معه ولا يفكر أن هذا يحد من قدرته على القتال أو المناورة.. ربما ينطبق الوضع على الوزارة الحالية.. يرى البعض أن الوزارة عليها أن تستشعر الحرج وتبادر بالاستقالة.. حتى إذا لو تم تعديل وزارى وليس تغييرًا وزاريًا نحن فى حاجة لمجموعة اقتصادية متكاملة وواضحة.. مطلوب رئيس للمجموعة الاقتصادية بدرجة نائب رئيس وزراء يعمل تحت إشراف الرئيس مباشرة.. من المهم جدًا تنفيذ مخرجات الحوار الوطنى فى جميع المحاور وفى المحور الاقتصادى تحديدًا.. السياسات الحكومية ليست مقدسة وبمعنى آخر لا يهم لون القط.. المهم أن يصطاد الفئران.. إذا كانت الظروف لم تسمح بنجاح سياسات معينة فعلينا أن نغيرها فورًا.. هذا هو فقه الواقع.. إعطاء الفرصة للقطاع الخاص سيسهم فى نجاح كل المشروعات العملاقة التى بنتها الدولة والتى تحتاجها مصر فعلًا.. لا بد من وزير اقتصاد يعطى الناس تقرير حالة يوميًا عن الوضع الاقتصادى بلغة سهلة.. على المستوى الشخصى أقدر د. محمد معيط، وزير المالية للغاية.. لكن التركيز الدائم على نصف الكوب الملآن يجعل المواطن يشك فى مصداقية المتحدث.. المواطن يشعر بارتفاع أسعار السلع كل يوم ووزير المالية يتحدث دائمًا عن الجانب المشرق فى الوضع.. المصداقية تقتضى أن يتحدث المسئول عن المشاكل كما هى ويشرح للمواطن أسلوب حلها على المدى القصير والمدى الطويل.. حالة التفاؤل الدائم لبعض وزراء الحكومة تستفز المواطن أو تجعله يشعر بأن هناك من يحاول تضليله.. التغيير الحكومى يعطى الناس الأمل فى قرب حل الأزمة.. عدم التغيير يؤدى للاستقرار ويحمل معنى أخلاقيًا مفهومًا، لكنه أصبح يشكل مخاطرة على المستوى السياسى فى وقت لا نحتاج فيه لأى مخاطرات.. هذا اجتهادى الشخصى والله أعلى وأعلم.