طرحه المركز العربي للأبحاث
مصر الثقافة والهوية يرصد تطور دور المثقف في مصر منذ القرن 19
مصر الثقافة والهوية، عنوان أحدث إصدارات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تأليف الكاتب خالد زيادة السفير اللبناني الأسبق في مصر، ويقع الكتاب في 256 صفحة من القطع الوسط، ويضم تسعة فصول شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
تطور دور المثقف في مصر منذ بداية القرن الـ 19
يرصد كتاب مصر الثقافة والهوية، تطور دور المثقف في مصر منذ بداية القرن التاسع عشر، طارحا التساؤلات ومنها، هل يشكل دور المثقف ووظيفته كتلة متجانسة متماسكة أو أنهما يتناقضان في بعض الأحوال؟ وهل اشتغال المثقف في السياسة والاجتماع يؤثر في وظيفته الأصلية أو أنه يخفّض من شأنه وشأنها؟ وإذا تخلّى المثقف عن أداء دوره في الاجتماع والسياسة، فهل يحتفظ بصفة المثقف أو يصبح حِرَفيًّا أو صاحب مهنة؟ ما مقدار مساهمة المثقف في بناء الدولة وبلورة الأفكار الوطنية؟ وهل هو الذي يصوغ الهوية الوطنية أو يشارك آخرين في ذلك؟ أسئلة مصيرية يحاول الكتاب الإجابة عنها في إطار تجربة محددة أو تجارب مقارنة.
ويشير “خالد زيادة”، في تقديمه لكتابه مصر الثقافة والهوية، إلي أن: كانت تجربة مصر التاريخية منذ بداية القرن التاسع عشر "ميزانًا" للتحولات التي سمحت ببروز "الوطنية"، التي يمكن اعتبار ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي أول شرارةٍ لها، والعقود الثلاثة التي أعقبتها بمنزلة المرحلة الليبرالية في تاريخ مصر، ليأتيَ كتاب المؤرخ عبد الرحمن الرافعي تاريخ الحركة القومية ضد الاحتلال الفرنسي ثانيًا مكمِّلًا لمشوارها.
أما اشتداد عودها فكان في عهد الخديوي إسماعيل في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، إثر قدوم محمد علي وتبلور طبقة من الملّاك غير المصريين، وترجمتها بعد ذلك بطفوّ صراعات الهوية، وتصاعدِ دور المثقف ثم إسكاتِ الدولة صوتَه واحتوائها إياه واستحواذِها على دوره، فمصر - على عكس محيطها العربي والإفريقي - سعت خلال مئتي سنة إلى دور سياسي يتجاوز جغرافيتها ويجعلها قوة دولية، لكنها كانت تنكفئ دائمًا نحو العزلة.
ويضيف في مصر الثقافة والهوية: “وكان دور المثقفين فيها مذبذبًا، إذ كانوا يُستدعَون في الظروف المصيرية وأوقات التحولات ثم يعودون إلى وظائفهم بعد استتباب الأمور وحسم المشكلة، وعلى سبيل المثال: خلال سنوات الاضطراب في مرحلة الانتقال من الدولة الأيوبية إلى الدولة المملوكية، برز العز بن عبد السلام مرجعًا وحكمًا وناصحًا للقادة والسلاطين، فالحقبة المملوكية رفعت شأن العلماء وجعلتهم قادة الأهالي وشركاء في السلطة وسمحت بغزارة كتاباتهم الفقهية والمعجمية”.
ويلفت “زيادة” في مقدمة كتابه مصر الثقافة والهوية إلى أن الفترة العثمانية فشهدت تراجع شأن العلماء المصريين وركود الحياة العلمية في مصر، وفق عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه، وللمفارقة فإن دورهم يعود مع قدوم حكم غير إسلامي إلى مصر، وهو حكم نابليون بونابرت، الذي كلّفهم إدارة البلاد من خلال الديوان الذي شكّله، فقادوا الأهالي وعبروا عن مطالبهم، حتى مدح الجبرتي الفرنسيين بداية، ثم لم يلبث أن فضح ما يقومون به من "هدم وتخريب للمعالم وتبرّج النساء.
وتعود دورة تراجع العلماء مع تسميتهم محمد علي واليًا على مصر، الذي سلبهم دورهم الواسع وألزمهم وظيفة التدريس لا غير، لأجل أن يلتفت شطْرَ المثقفين الحديثين، الخبراء في الإدارة والمعاهد والجيش، المتسلحين بخبرتهم الحديثة المتلقّاة من معاهد فرنسا أو من خبراء فرنسيين، وأبرزهم "الداعية المثقف" رفاعة الطهطاوي، الذي أُوفد إلى فرنسا إمامًا مع إحدى البعثات، ونشر هناك كتابه تخليص الإبريز، ثم علي مبارك من بعده في عهد الخديوي إسماعيل.