حواديت لميس
النبراوى
كلية الطب جامعة القاهرة، اللى هى كلية طب قصر العينى القديمة، فى منها خريجين ليهم حواديت جميلة أوى، منهم العلّامة الدكتور إبراهيم باشا النبراوى، إيه حكاية بقى إبراهيم باشا النبراوى.
صبى صغير من قرية نبروه بيشتغل مع أبوه وأمه فى كام قيراط كده عندهم كانوا بيزرعوهم فاكهة ويروحوا على طنطا يبيعوهم فى كل موسم، دخل الكتَّاب حفظ القران واتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، أول ما كبر طموحه صوّرله إن المحصول ده لو اتباع فى القاهرة هيجيب فلوس كتير أوى، وسعر البطيخة هيبقى أغلى من طنطا، خد المحصول اللى أبوه وأمه تعبوا فيه طول السنة وراح نازل على القاهرة - فى حى الجمالية طبعًا - قعد ينادى على البطيخ بسعر غالى، فوجئ إن القاهرة مليانة بطيخ بسعر أرخص، ثلاثة أيام البطيخ كان هيبوظ فاضطر يبيعه بأى سعر، ويدوب جاب حق الجمل اللى أجره، بعت لأبوه وأمه يقولهم إنه مش هيرجع غير لما يعوضهم عن الخسارة اللى هو اتسبب فيها.
قعد ماشى فى شوارع القاهرة بيدور على أى شغلانة، لقى شيخ كده جميل، ماشى مهيب، شكله محترم، لابس عِمَّة وكاكولا ووراه صبيان صغيرين لابسين عِمَّة وكاكولا برضه، فضل ماشى وراهم لقاهم دخلوا جامع، سأل: إيه يا جماعة ده؟ قالوله: ده جامع الأزهر! قال: طيب ومين دول؟ قالوا: دول طلبة الأزهر وده الشيخ بتاعهم.
دخل على جامع الأزهر والتحق به، فى الأزهر تحت كل عامود شيخ، قدامه طلبة بتسمع الدرس، قعد كام شهر كده يدرس معاهم وانبسط، وبعت لأهله قالهم: أنا هرجعلكم شيخ جامع قد الدنيا.
شويتين وجاء كلوت بك للأزهر عشان يختار نخبة من الطلبة المتفوقين عشان يبقوا بداية لمدرسة الطب الجديدة اللى طلب محمد على إنشاءها، راح إبراهيم النبراوى بيّاع البطيخ إلى كلية الطب وكان من المتفوقين.
جه كلوت بك بعد ست سنين قدم لمحمد على ١٢ طالبًا من المتفوقين، وقالّو: دول أول دفعة من الأطباء اللى طلعوا عندنا، محمد على سأله: مين اللى امتحنهم؟ قاله: إحنا الدكاترة الفرنسيين! قاله: لا دول يروحوا يمتحنوا فى الجمعية العلمية فى باريس، عشان أعرف أنا مستوى تعليمهم شكله إيه.
وفى يوم الأحد ١٨ نوفمبر ١٨٣٢م عُقدت جلسة اختبار للأطباء المصريين أمام لجنة من كبار علماء وأطباء فرنسا، واتلم صحفيين وبارونات وأمراء من أوروبا يتفرجوا على الطلبة المصريين، وفعلًا نجحوا كلهم.
لكن إبراهيم النبراوى قرر يكمل دراسته وخلص سنة ١٨٣٦م، اتجوز واحدة فرنسية، ورجع اتعين مدرس فى مدرسة الطب، نبغ وذاعت شهرته بين الناس حتى إن محمد على عينه الطبيب الخاص له فى مصر، وسافر معه آخر سفرية اللى كانت سنة ١٨٤٨م.
أبناؤه: يوسف باشا النبراوى، ده خرج فى بعثة ١٨٥٥م تخصص فى الفنون والعلوم الحربية، اتعين ظابط فى الجيش المصرى، ابنه الثانى خليل النبراوى التحق بكلية الطب برضه وذهب لبعثة فى النمسا فى عهد إسماعيل، بنت خليل دى تبقى سيزا النبراوى، رائدة الصحافة والنشاط النسائى وسكرتيرة الاتحاد النسائى فى الأربعينات.
ودى حكاية بيّاع البطيخ اللى أصبح من أشهر أطباء مصر.
حسن الذوق
الذوق مخرجش من مصر، لو دخلت باب الفتوح وأنت تحت الباب هتلاقى على إيدك الشمال ضريح صغير جدًا مدهون بلون أخضر فوقه هلال من النحاس صغير، عشان تنزل له هتلاقى ٧ أو ٨ سلالم صغيرة كده، الضريح ده ليه حدوتة ظريفة جدًا وليها علاقة بالمقولة الشهيرة اللى المصريين بيقولوها «ده الذوق مخرجش من مصر».
زمان أيام الفتوات كانت بتقوم خناقات كتير أوى، وكان الجزء الأخير من شارع المعز اللى يقابل باب الفتوح اسمه شارع باب الفتوح وهو شارع تجارى، وكان الشارع ده عادة بتقوم فيه خناقات بين الفتوات وهرج ومرج بيتدخل رجل ظريف أخلاقه عالية مؤدب وهادى وعاقل اسمه حسن الذوق، بيتدخل ويفض الخلافات ويخلى الناس تتصالح مع بعضها وينتهى الأمر.
فى مرة من المرات قامت عاركة كبيرة جدًا جدًا، حسن الذوق اتضايق قعد يسكّت فيهم مبيسكتوش، ابعدوا عن بعض مبيبعدوش، لم الهدمتين اللى حيلته وغضب وقرر إنه يترك مصر وكانت القاهرة زمان تُدعى مصر قالهم: والله لانا سايبكم وماشى.
مشى فعلًا تحت باب الفتوح وقع حسن الذوق وتوفى، الناس حسوا بالذنب والندم فدفنوه مكان ما وقع تحت باب الفتوح، وبعد كده اتشهرت الجملة بتاعة الذوق مخرجش من مصر.
لما حد يغضب ويتخانق يقل له يا عم جرى إيه ده الذوق مخرجش من مصر.
دى كانت حكاية سيدى حسن الذوق.
عجوة
كلية الهندسة المصرية خرّجت مهندسين مصريين عباقرة من زمان أوى، عارفين من إمتى؟ وعارفين إيه سبب إنشاء الكلية دى؟ أقولكم:
تقريبًا سنة ١٨٢٠م كان محمد على قاعد فى قصره، وصل شاب على باب القصر راسه وألف سيف يقابل الباشا، يا ابنى إنت مين؟!.. أنا فلاح اسمى حسين عجوة، عاوز إيه يا سى حسين عجوة؟.. عايز أقابل الباشا
راحوا قالوا كده للباشا قال: هاتوه.
قابله الباشا قاله: عايز تقابلنى ليه؟
حسين عجوة طلع له ماكيت لمضرب رز بيشتغل باتنين من التيران بدل أربعة.
الجبرتى وصف الماكيت ده بأنه نكتة، ومعنى النكتة زمان غير معناها دلوقتى، نكتة كان قصده الجبرتى إنها بدعة أو أعجوبة أو حاجة غريبة.
المهم الباشا سأله: إيه ده؟
قاله: ده مضرب رز بيشتغل باتنين من التيران بدل أربعة.
يعنى فى توفير بالظبط نص التكلفة لأن التيران كمان كانت بتبقى غالية زمان.
الماكيت ده عجب محمد على جدًا، قاله: تعرف تنفذه؟ قاله: أيوه يا باشا.
بعته محمد على على دمياط لأن دمياط ورشيد كانوا أكبر مناطق لزراعة الرز، عمل فى دمياط مضرب رز كبير بنفس التفاصيل اللى شافها محمد على فى الماكيت، وراح محمد على واتفرج عليه وعجبه جدًا وطلب منه يعمل واحد كمان فى رشيد.
الموضوع ده خلى محمد على يفكر قال: إن المصريين بهم نجابة.. أى نجباء، أى أذكياء جدًا، هذا الشاب بلا علم ولا ورقة ولا قلم، بدماغه بس فكر فى عمل مضرب رز يدور باتنين من التيران بدل أربعة، أمال لو اتعلموا بقى هيعملوا إيه.
وقتها قرر محمد على باشا إنشاء مدرسة الهندسة أو المهندسخانة فى القلعة وبعد كده اتعملت فى بولاق، يعنى الشاب البسيط الأُمى حسين عجوة ده كان السبب فى وجود مدرسة الهندسة سنة ١٨٢٠م.
الحاج عمر
فى سنة ١٨١٠ قرر محمد على إنه يعمل أسطول لإن السلطان كان بيزن على حرب الحجاز، محمد على لقى ورشة صغيرة كده فى بولاق كان عاملها نابليون، أيام أسطوله ما اتحرق راح على الورشة دى لقى راجل لا يقرأ ولا يكتب، ذكى جدًا بيعمل مركب بإيديه من غير دراسة، اسمه الحاج عمر، اتبسط به أوى عينه رئيس على الورشة دى، وبدأوا يصنعوا المراكب ويشيلوها على ضَهر الجِمال للسويس، استعمل حوالى عشرة آلاف جمل، ونجح فى إنه يعمل ثمانى عشرة سفينة كبيرة فى عشرة شهور.
كانت السفينة بتروح السويس عبارة عن أفرع من الخشب مفكوكة تتقلفط.. والقلافة اللى هى حرفة تخريز ألواح الخش للسفن، وبعدها تتعمل بالحبال وتتدهن بالكار - اللى هو الزفت - علشان تبقى معزولة عن المياه.
سنة ١٨٢٤م السلطان استنجد بمحمد على، قاله: إلحقنى فى ثورة قامت على العثمانيين فى أثينا فى اليونان، روح بالأسطول بتاعك حارب اليونانيين، وفعلًا راح بالأسطول ده اللى معاه سنة ١٨٢٤م، والحاج عمر استمر فى الورشة دى لغاية سنة ١٨٢٩م، الأسطول المصرى اتحرق كله بمؤامرة من الإنجليز والفرنسيين فى حرب المورة، أو الموقعة المعروفة باسم موقعة نوارين البحرية أو نافارين البحرية.
فى نفس السنة وبعد رجوع إبراهيم باشا وسليمان باشا الفرنساوى، عمل محمد على معاهدة محمد مع أميرال البحر الإنجليزى، بعت جاب خواجة قبطان فرنساوى شهير اسمه مسيو «سيريزى»، جابه وراله الورشة الصغيرة وقاله أنا عاوز أعمل ترسانة بحرية كبيرة فى إسكندرية، وقاله: الحَاج عمر ده هو اللى عمل الأسطول اللى فات، محمد على كان بيفكر بشكل اقتصادى وحربى، قال: هو أنا هروح أشترى من فرنسا ولا إنجلترا! أنا أعمل ترسانة مصرية خالصة.
«الحاج عمر» أصلًا من أهالى إسكندرية، الخواجة سيريزى انبسط به جدًا، كان بيرأس أشغال بناء الأساطيل ويرممها.
كلوت بك بيقول عنه: إنه راجل كان بيجمع بين الشهامة والكفاءة، حتى مسيو سيريزى أُعجب به جدًا وخلاه دراعه اليمين فى تحقيق برنامجه فى بناء الأسطول.
على مبارك قال عن الحاج عمر: إنه كان صاحب إدارة ومعرفة وأقدم على هذه الأعمال باجتهاد شديد، لما حضر مسيو سيريزى اتحد معاه وساعده فى جميع أعماله.
محمد على إدى الحاج عمر رتبة يوزباشى، وهى رتبة فى الجيش، وبيقول: رغم إنه لم يتعلم أصول الهندسة إلا أنه بذكائه وفطنته ومن مزاولته للمهنة وخبرته بقى زيه زى المهندسين بالظبط.
تم على يد الحاج عمر إنشاء سفينة اسمها «الفركاتون» كان طولها ١٣٢ قدمًا، عرضها ٣٧ وعمقها ٣١، بطاريتها بتشيل ٢٨ مدفعًا، والبطارية الثانية ٩ مدافع، نزلت يوم الإثنين الموافق ١٥ شعبان، هذا الكلام فى أبريل سنة ١٨٣٠م تقريبًا.. والكلام ده كان مكتوب فى جريدة الوقائع المصرية.
قرأت الحقيقة فى أحد الكتب إن محمد على من كتر حبه للحاج عمر وإعجابه به سمى إحدى السفن من الأسطول المصرى باسم «الحاج عمر».
يوسف أفندى
فى أول بعثة علمية بعتها محمد على واللى كانت سنة ١٨٢٦م، كان فى البعثة دى أفندى اسمه يوسف أفندى، راح عشان يدرس العلوم الزراعية، خلص البعثة سنة ١٨٣٠م، وهو راجع الباخرة وقفت على أحد الموانى، لقى شجرة صغيرة كده طارحة حاجة زى البرتقال شكلها جميل.
سأل: يا جماعة إيه ده؟ قالوله: ده ماندارين.
قرر إنه يشترى أربع شجرات ورجع، راح لمحمد على فى قصر شبرا اللى هو كان عامل فيه مساحة كبيرة جدًا للتجارب الزراعية الجديدة، دوقوا الثمرة عجبته جدًا، قاله: إسمه إيه ده؟
قاله: يا باشا ده بيقولوا عليه ماندارين.
محمد على قاله: طب واحنا هنسميه إيه؟
قاله: نسميه طوسون يا باشا
على اسم ابن محمد على اللى مات صغير سنة ١٨١٦م، بالطاعون فى رشيد، اللى هو هيبقى أبوعباس حلمى الأول، وكان غالى أوى عند محمد على، ومع ذلك محمد على قاله: لا، أنت اللى جبته وهنسميه على اسمك.
ومن هنا جات تسمية الفاكهة اللذيذة اللى احنا بناكلها الأيام دى اللى اسمها اليوسف أفندى أو اليوسفى، يُقال إنه قعد اسم طوسون ده فترة ينادوا عليه البيّاعين خاصة فى شبرا فى المناطق الزراعية اللى موجودة حوالين قصر شبرا، مع الوقت الاسم بتاع يوسف أفندى تغلب على اسم طوسون وأصبح اسمه الرسمى «اليوسفى» أو الاسم الشائع اللى احنا بنستعمله دايمًا ونقول يوسف أفندى أو يوستفندى.. كما هى عادة المصريين فى اختصار الكلمات.
سيدى أبوالحجاج الأقصرى
فى الأقصر وفوق معبد الأقصر بالضبط يوجد جامع سيدى أبوالحجاج الأقصرى وتوجد مقصورة داخل المعبد استُعمِلت أيام المسيحيين الأوائل ككنيسة فيوجد رسم للعشاء الأخير للسيد المسيح داخل هذه المقصورة، وهذه التركيبة التاريخية لا توجد إلا فى مصر معبد داخله كنيسة فوقه جامع.
من هو أبوالحجاج الأقصرى؟
هو السيد يوسف بن عبدالرحيم بن يوسف بن عيسى الزاهد هو شريف حُسينى ينتهى نسبه إلى الإمام الحسين كان يُكنى بأبى الحجاج وبعد مجيئه إلى مصر أُضيفت كلمة الأُقصرى إلى اسمه، وُلِد فى بغداد ٥٥٠هـ تقريبًا فى عهد الخليفة العباسى المكتفى بأمر الله، كانت أسرته ميسورة الحال وكان والده يشغل منصبًا رئاسيًا.
توفى والده وهو صغير ولم يترك له شيئًا، فاحترف صناعة الغزل والحياكة، وكان بجوار عمله جادًا فى طلب العلم خاصة أن بغداد فى ذلك الوقت كانت تحظى بعدد وفير من رجال التصوف وعلماء الدين الذين كان لهم أكبر الأثر فى ازدهار الحياة الثقافية الدينية، كان الشيخ عبدالقادر الجيلانى، وأبوالنجيب السهروَردى وأحمد الرفاعى.
التحق الحجاج بأول مدرسة نظامية مذهبية فى تاريخ بغداد، زامل السهروَردى، كان دءوبًا على القراءة والبحث والتحصيل وجعل قدوته الجُعران، وقال: كنت أسهر أكتب فإذا بأبى جعران يجاهد كى يصل إلى زجاجة المصباح لكى يقترب من النور، وكلما حاول ينزلق لأنها ملساء فعددت عليه تلك الليلة سبعمائة محاولة، وهو لا يتراجع عن غايته ثم خرجت إلى صلاة الصبح ورجعت فوجدته جالسًا فوق الزجاجة ظافرًا منتصرًا يرقب النور وعيناه تبرقان بالأمل، فكان ذلك من جنود الله علىّ.
تفرغ للوعظ فى بغداد وأقبل عليه الناس، وكان إلى غزارة علمه حكّاء يأسر السامعين برواياته، ذهب إلى الحج ثم عاد إلى بغداد ليودعها فقد كانت فى عهد الخليفة الناصر لدين الله تموج بالفتن والثورات.
توفيت أمه ثم زوجته فأسرع بالرحيل حزنًا ولم يبلغ الأربعين ومعه أولاده الأربعة وبعض أقاربه وأصحابه إلى مكة.
ظل فى مكة سنة، تعرّف على بعض أشرافها وهم من رغبوا فى السفر إلى مصر لما تمتاز به من الهدوء والسكينة، ما شجع كثيرين من متصوفى العالم الإسلامى خاصة المغرب إلى الذهاب إليها.
وصل شرق الدلتا وقابل أقرباء له، ثم توجه إلى قبلى إلى أسيوط هو وأولاده الثلاثة ومنها إلى جرجا ثم إلى قوص ثم إلى بلد الأقصرين أى المعبدين، وكان ذلك فى أواخر عهد صلاح الدين الأيوبى، ذاع صيته إلى الأقصر ووصل إلى سلطان مصر فى ذلك الوقت العزيز عماد الدين عثمان بن صلاح الدين الأيوبى، وكان يعتقد فى أهل الصلاح والتقوى، قابله وأُعجب بشخصيته وغزارة علمه وورعه وتقواه فأسند له الديوان.
ولكنه لم يستمر طويلًا وترك العمل وذهب إلى الإسكندرية، وكانت أيامها مليئة بالعلماء والمتصوفة وكان فيها الحافظ السلفى من دمشق، أبوالقاسم القبارى من المغرب، أبوعبدالله الشاطبى، أبوالحسن الشاذلى، أبوالعباس المرسى، كل هؤلاء من المغرب.
هو أحب الشيخ الزاهد أبومحمد عبدالرازق الجازولى السكندرى صاحب الطريقة المُدينية تتلمذ على يديه فترة ثم عاد إلى الأقصر ومرَّ على قنا والتقى بقطبها الأكبر عبدالرحيم القنائى، ثم استقر نهائيًا فى الأقصر حتى توفى ٦٤٢هـ وكان يبلغ من العمر ٩٠ عامًا أيام الصالح نجم الدين أيوب.
دُفِن بضريحه القائم فوق معبد الأقصر ١٢١٥م تقريبًا.
جواد حسنى
فى أبطال كتير لمصر كان بالنسبة لهم الاستشهاد هو أبسط حاجة يقدموها فداء لحرية أوطانهم، من الأبطال دول كان جواد حسنى، اللى الناس فاكرينه مجرد شارع فى وسط البلد.
جواد على حسنى هو نجل على زين العابدين حسنى، وكيل وزارة الإرشاد، فى ذلك الوقت، كان طالبًا فى كلية الحقوق، لما حصل العدوان الثلاثى سنة ٥٦ تطوع فى حرب القنال زيه زى عدد كبير جدًا من شبّان مصريين فى الجامعة أو بعد الجامعة تطوعوا وتحولوا إلى المقاومة الشعبية فى بورسعيد وكل مدن القناة.
راح القنال جواد حسنى، وهناك أصيب بجرح فى معركة مع دورية إسرائيلية فى سيناء، مستسلمش استنى بعد ما اتعالج وواصل كفاحه، وقدر إنه يدخل بورفؤاد، اللى كانت مُحتلة وقتها من الفرنسيين، قعد يقاوم، الفرنسيين أسروه، عذبوه.. لحد ما مات شهيدًا فى ٢ ديسمبر ٥٦، بعد الإنذار الأمريكى والإنذار السوفيتى وانسحاب إنجلترا وفرنسا من مدن القناة وانتهاء الحرب، ذهب الشباب المصرى كله للمساعدة فى تعمير مدن القناة من جميع جامعات مصر، لقوا الحجرة اللى سُجن فيها جواد على حسنى، وفوجئوا إنه كاتب قصته اللى أنا قولتها دى بدمائه على الحيطة وكاتب تحتها تحيا مصر.
عشان تعيش قصته كبطل وشهيد من أبطال المقاومة الشعبية فى حرب ٥٦.
سلامة موسى
رائد الاشتراكية المصرية وواحد من الناس اللى التاريخ اتخذ منهم مواقف متباينة كثيرة، لكن كلها لا تغفل ثقافة وتوغل سلامة موسى فى الحياة الثقافية المصرية، ده هو يمكن اللى روّج لمصطلح ثقافة فى حد ذاته، ولما اتربى جيل من المثقفين المصريين على أفكاره تنكروا له وكانوا يخافون حتى من مجرد ذكر اسمه.
سلامه موسى اتولد ١٨٨٧ فى قرية بهنباى القريبة من مركز الزقازيق بمصر، لأب يعمل موظفًا بالحكومة، سرعان ما توفى الأب بعد عامين من مولد سلامة موسى، والتحق الابن بمدرسة قبطية وبعدها التحق بالمدرسة الابتدائية بالزقازيق لحد حصوله على الشهادة الابتدائية، انتقل إلى القاهرة والتحق بالمدرسة التوفيقية اللى فى شبرا وبعدها المدرسة الخديوية وحصل على شهادة البكالوريا سنة ١٩٠٣.
لما بيوصل عمره ١٩ سنة بيسافر لباريس، وينفتح على العالم الغربى ويتأثر بأفكار فولتير، وكارل ماركس، اللى تشبع بأفكاره تمامًا لكن خاف يكتب عنه عشان لا يتهم بالشيوعية، بعد ما قضى ٣ سنين فى باريس انتقل إلى إنجلترا لدراسة الحقوق حيث عاش ٤ سنوات أخرى، لكنه أهمل دراسته واتجه إلى القراءة وانضم إلى جمعية العقليين والجمعية الفابية والتقى فيها بالمفكر والمؤلف المسرحى الأيرلندى الشهير جورج برنارد شو، تأثر أيضًا بتشارلز داروين خاصة بنظريته حول النشوء والارتقاء، تطلّع كمان على آخر علوم المصريات، ويمكن حبه فى علم المصريات اللى خلاه يسمى أحد أبنائه خوفو.
يرجع سلامة موسى لمصر ويصدر أول مؤلفاته «السوبر مان» وهى مجموعة من المقالات بلا رابط محدد وإن كان قد أشار فيها إلى الاشتراكية.
نشأة سلامة موسى القروية واختلاطه بأفقر الفئات وأشدها معاناة فى الحياة نمّت عنده إحساسًا عاليًا جدًا بالفقراء والمهمشين الأمر اللى سهّل اقتناعه بالأفكار الاشتراكية وترويجه لها، ودعوته للتخلص من الأعباء والقيود والاتجاه للحريات المطلقة.
سلامة موسى كتب أكثر من أربعين كتابًا، وأنفق من جيبه الخاص على الكثير من مؤلفاته وإصداراته الصحفية والأدبية.
فى نهايات العِقد الثانى وبدايات الثالث من القرن العشرين كانت الحركة التنويرية والتفكيرية فى العالم ومصر على أشدها والأفكار التقدمية الكل كان يروّج لها فى كل الاتجاهات، الأمر الذى جمع كثيرًا من أصحاب الفكر اليسارى وعلى رأسهم سلامة موسى وأنشأوا أول حزب اشتراكى واللى سموه «الحزب الاشتراكى المصرى».
ويمكن سلامة موسى مكنش متحمس أوى لفكرة إنشاء حزب إشتراكى، كان ميالًا لنشر الفكر نفسه بشكل سلس وبسيط من خلال جماعة اشتراكية، حاجة أشبه بمبادئ تولستوى اللى كان مؤمن بأفكاره وكتاباته لدرجة أن صورته كانت موجودة فى غرفة نوم سلامة موسى.
لكن فى النهاية أُنشأ الحزب وكان سلامة موسى أمينَهُ، لكن التيار الشيوعى داخل الحزب كان قويًا وحاولوا طوال الوقت تحويل الأفكار الاشتراكية للاتجاه الشيوعى وهذا الذى كان سلامة موسى يرفضه تمامًا، كان شايف إن الأفكار الشيوعية هادمة للسلام الاجتماعى، الأمر اللى خلاه يسيب الحزب الاشتراكى اللى أسهم فى تأسيسه ويتجه للوفد اللى قضى فيه الباقى من عمره.
كتابات وإصدارات سلامة موسى إرثه الحقيقى، «هؤلاء علمونى» وغيرها من الكتابات التى نقلت فكر سلامة موسى المختلف، اللى كتير حاولوا يطمسوه ويطووا صفحته تمامًا كأنه لم يوجد، لكن بقيت أفكاره من خلال كتاباته حتى لو اعتبر البعض أنها شطحات وتجديف أحيانًا، إلا أنها تبقى فكرًا يحتمل الرد والنقد وحتى الرفض، لكن يبقى الفكر والأفكار عتبات سلالم لا بد من وجودها فى طريق الصعود.
أذكر وأنا فى سن المراهقة أننى قرأت له كتاب «المرأة ليست لعبة الرجل»، والذى يدعو فيه لتحرير المرأة ومساواتها بالرجل فى كل الحقوق والواجبات، وكان هذا الكتاب نقطة فاصلة فى تاريخ تفكيرنا جميعًا نحن فتيات جيل الستينيات.
يوسف السباعى
لقّبهُ الكاتب نجيب محفوظ بـ«جبرتى الثورة»، ووصفه مرسى سعد الدين بـ«فارس الرومانسية»، أما أنيس منصور فقد قال عنه «إما أن تحبه أو تحبه جدًا».
الأديب الكبير يوسف السباعى ابن الوز عوام اللى عام لحد ما تفوق على الوز نفسه والده الأديب محمد السباعى الذى كان مثله الأعلى وقال عنه: تأثرت بوالدى الأديب محمد السباعى ومن هنا جاءت علاقتى بالقراءة والكتابة، كنت أقرأ الحاجات اللى بيترجمها ويكتبها من البروفات ثم تأثرت بالكاتب توفيق الحكيم، كتابة والدى كان لها رنين حتى دون فهم معناها وحاولت أقلده.
درس يوسف السباعى فى الكلية الحربية بعد تخرجه، ووصل لرتبة عميد، تولى إدارة المتحف الحربى، عمل سكرتيرًا عامًا للمحكمة العليا للفنون، شغل منصب رئاسة تحرير مجلة آخر ساعة، وترأس إدارة مجلة دار الهلال، وتولى منصب نقيب الصحفيين، ومنصب وزير الثقافة.
«إلى أحب من أوفى.. وأوفى من أحب مخضوضة هانم».. كان هذا هو إهداء فى مقدمة إحدى رواياته إلى أول قارئة له ومحبوبته الوحيدة بنت عمه وزوجته دولت طه السباعى، التى عشقته وأحبت هدوءه وطيبته منذ صغرها، أما لقب مخضوضة هانم فأطلقه هو عليها بسبب خوفها الشديد عليه حتى إنها كانت تشده لجوّه البيت لو شافته واقف فى الشباك خوفًا أن يسقط وترفض أن يسافر راكبًا الطائرة.
فاز السباعى بجائزة الدولة التقديرية فى الآداب ورفض استلام الجائزة، لأنه كان وزيرًا للثقافة وقتها، ومُنِح وسام الاستحقاق الإيطالى من طبقة فارس، وحصل على جائزة لينين للسلام عام ٧٠ ومُنِح وسام الجمهورية من الدرجة الأولى من جمهورية مصر العربية عام ١٩٧٦، فاز بجائزة وزارة الثقافة والإرشاد القومى عن أحسن قصة لفيلمى «رُد قلبى» و«جميلة بوحريد» الجزائرية، وأحسن حوار لفيلم «رُد قلبى» وأحسن سيناريو لفيلم «الليلة الأخيرة».
عرضت له السينما المصرية أكثر من قصة أشهرها فيلم «رد قلبى، الليلة الأخيرة، أرض النفاق، بين الأطلال، إنى راحلة»، وله مسرحية نُشرت باسم «أم رتيبة».
يُعد السباعى ظاهرة فى الحياة الثقافية المصرية رغم تجنب النقاد التعرض لأعماله، ويكاد ذكره يقتصر على أفلام أُخِذت عن أعماله، ويرى النقاد المنصفون أن يوسف السباعى ربما يكون الكاتب الوحيد الذى استطاع أن يطرق كل الاتجاهات الأدبية بهذا القدر من الموهبة المتدفقة.
ويتضح أنه لم يأخذ اهتمام نقاد الأدب فى حياته بسبب سيطرة تيار اليسار على مجالات الأدب والنقد فى الوقت ده اللى كانوا بيعتبروه يمينيًا وكاتب حواديت.
بمبادرة منه عام ١٩٧٥ تم تأسيس اتحاد الكُتّاب المصريين اللى ضم كبار الكُتّاب فى مصر زى توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهم، كما كان وراء إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وشارك بمجهوداته مع المؤلفين والصحفيين الكبار مثل إحسان عبدالقدوس لتأسيس نادى القصة ومؤسسة رجال الأدب ونقابة الكُتّاب العرب.
خلال حضوره مؤتمر منظمة التضامن الأفرو آسيوى عام ١٩٧٨ يتم إطلاق النار عليه واغتياله من أجل أن يضع الإرهاب الفكرى والثقافى نقطة النهاية فى حياة فارس الرومانسية.