ورشة "أم عبده".. أقدم قلعة لصناعة الفوانيس بدرب السعادة
في إحدى حارات الدرب الأحمر وبالأخص حارة درب السعادة في محل تجاري قديم ووسط الفوانيس والزينة نجد "أم عبده"، صاحبة أقدم ورشة لصناعة الفوانيس بدرب السعادة، ورشة تتنفس فيها رائحة الأجداد وأنت تتجول بين جدرانها العتيقة، فقد ورثتها أبًا عن جدً منذ عشرات السنين.
كرست "أم عبده" حياتها للمهنة، تقضي نهارها وبين أيديها الفوانيس، وحتى في الأوقات التي تتعهد فيها شئون البيت لم تكن تفارقها، فتجدها طوال الوقت منكبة تنظر في شئ بين يديها خاص بالفانوس وصناعته، تشده بأناملها فتحوله إلى تحفة فنية لا مزيد عليه، فاستكنت إلى تلك الحياة بلا تململ، وقد ملأت ورشتها بالفوانيس والصفيح والزجاج، حتى صارت تسكن عالمًا حافلًا بالفوانيس والزينة، كل ما به من فنون خليق برسم السرور والابتسام، وهو الذي جعل الفانوس وصناعته محورًا تدور حوله حياتها.
"موسم صناعة الفوانيس يبدأ عادة من منتصف رجب وحتى انقضاء الأسبوع الأول من شهر رمضان، فتلك الفترة لا تجد أم عبده من وقتها متسعًا للإشراف على شئون بيتها أو تربية أبنائها، إذ تغادر الفراش عادة عند الظهر ولا ترجع إلى البيت من الورشة إلا قبيل العشاء، وبين الحين والآخر يشفق أبنائها على تكديرها فالعمل طوال الوقت فيساعدونها على تدبير أموره" -تقول أم عبده.
وتواصل أم عبده متسائلًة: "كيف أقوم بصناعة الفوانيس؟، تمر صناعة الفانوس بالكثير من المراحل، منها قص الزجاج والصفيح، والطلاء، واللحام، والكبس، وأخيرًا "السندقة" (تركيب الزجاج)، وكان في بداية صناعته يضاء بشمعة، وفيما بعد تم إضافة تعديلات عليه فبات بالشكل المتعارف عليه الآن".
وعانت السيدة الأربعنية في بادئ الأمر من تقطيع الصفيح لشرائح ليتناسب مع حجم الفانوس المطلوب، والبطئ في حركة يداها فكان عمل الفانوس الواحد يأخذ منها الوقت والجهد لإخراجه بجودة عالية، وبمرور الوقت والاستمرار في العمل صارت تنتج قرابة الـ٣٠ فانوسًا فأكثر باليوم الواحد.
وتدور صناعة الفوانيس فى زمننا الحاضر، لكنها تتكئ على خلفية تراثية تمتد إلى ما يزيد عن نحو ألف عام -بداية دخول الفاطميين لمصر وتأسيس مدينة القاهرةـ ولا تزال تلك الصناعة بوهجها التراثي مصدر سحر وجاذبية للزبائن بمختلف مراحل أعمارهم، وللسياح من شتى بقاع العالم.