البينة على من ادعى!
لا أعرف حقيقة هل هناك علاقة مباشرة بين بعض الهاربين للخارج وبين إسرائيل أم لا؟ لكننى ألاحظ دائمًا أن مطالبهم ومزايداتهم وكتاباتهم تصب دائمًا فى مصلحة إسرائيل ولو بشكل غير مباشر.. ولا أعرف هل هذا نتيجة عمالتهم لإسرائيل أم نتيجة لغباء فطرى يتميزون به.. وقصر نظر طبيعى جُبلوا عليه.. خذ عندك مثلًا المزايدات التى تطالب مصر بفتح حدود رفح أمام الفلسطينيين.. إنها تقدم أكبر خدمة لإسرائيل ليس فقط بتصفية القضية الفلسطينية، ولكن برفع الحرج عن إسرائيل على المدى القصير. التليجراف البريطانية كتبت تحذر من ارتكاب إسرائيل جرائم حرب فى رفح، ونشرت تصريحات لكريم خان، رئيس الجنائية الدولية بهذا المعنى، وبالتالى فإن صمود أهل غزة فى رفح يشكل مزيدًا من الضغط السياسى على إسرائيل، وحسب «نيويورك تايمز» فإن نتنياهو يدرك أن لديه شهرًا واحدًا قبل حلول شهر رمضان يستطيع فيه الانتهاء من العملية كلها، فى حين تتوسط مصر مع حركة حماس لإجراء هدنة دائمة وإيقاف الحرب مع الإفراج عن الرهائن، وفى الوقت الذى تستضيف فيه مصر رموز الأجهزة الأمنية فى إسرائيل وأمريكا وتبذل جهدها الصادق للوصول إلى وقف إطلاق النار، لا يمنع هذا أن تنشر مصر عشرات من دبابات القتال الرئيسية ومركبات المشاة القتالية أمام وحول معبر رفح الحدودى، حسب ما نشرته «وول ستريت جورنال»، حيث لكل حادث حديث، ولكل مقام مقال.. بكل المعايير، فإن المزايدات حول فتح معبر رفح هى مزايدات ساذجة تحل مشكلة إسرائيل الأخلاقية، وتعطيها ذريعة للادعاءات حول هروب الرهائن ضمن النازحين أو هروب قادة حماس متنكرين فى زى نازحين مدنيين، فى حين تواجه إسرائيل ضغوطًا أمريكية وغربية ومصرية متزايدة من أجل إنهاء العملية العسكرية والاكتفاء بهذا القدر، فالخارجية المصرية طالبت الجهود الدولية بمنع استهداف مدينة رفح وحذرت من العواقب، ووزير الخارجية البريطانى قال للصحافة الإسرائيلية إنه ينبغى التوقف عن القتال على الفور حتى تكون هناك فرصة لإدخال المساعدات وإنقاذ الرهائن.. والمعنى أن صمود أهل غزة فى رفح أكبر ضغط على إسرائيل فى المفاوضات الجارية الآن تحت أعين العالم بهدف الوصول لهدنة دائمة مقابل الرهائن وبقية بنود التسوية.. من جهة ثانية فإن الأحزاب والكيانات السياسية المختلفة يجب أن تتحلى بخيال جديد، وأن تفهم العمل السياسى بطريقة علمية، وأن تبذل جهدًا فى تحليل الواقع بآليات احترافية، بدلًا من أن يكون شاغلها الشاغل ومطلبها الدائم هو إتاحة حرية الصراخ فى المظاهرات، التى هى فى حقيقة الأمر نوع من التنفيس عن الغضب فى صراخ لا يؤدى إلى شىء، فضلًا عن أنها بيئة مناسبة لأن يندس فيها من لهم أغراض أخرى غير نصرة فلسطين والقضية الفلسطينية، ومن الغريب جدًا أن يزايد البعض على موقف مصر من أهل غزة، بينما وزير مالية إسرائيل المتطرف يتهم مصر بالمسئولية عن عملية ٧ أكتوبر، وعن إمداد حماس بالسلاح، وهذا ادعاء لا دليل عليه بكل تأكيد، لكنه يكشف عن وقوع مصر بين فريقين من المزايدين والمتطرفين يرى كل منهما فيه مصر وكأنها مذنبة فى حقه ومسئولة عن مشاكله، فاليمين الإسرائيلى المتطرف يرى مصر مسئولة عن تسليح حماس وعسكرة سيناء وتقوية الجيش المصرى خصيصًا من أجل هزيمة إسرائيل، وجماعة الإخوان المتطرفة وبعض المتماهين مع خطابها من الحركات المدنية يرون مصر مسئولة عن مأساة أهل غزة، ويطلقون حول الموقف المصرى عشرات الأكاذيب.. والحقيقة أن مصر هى مصر، تنتصر للحق بالأساليب التى تليق بدولة عريقة ذات مؤسسات راسخة، وتحارب الباطل بالأساليب التى تليق بذات الدولة، وهى مركز الاعتدال والخبرة والرأى الصائب فيما يخص القضية الفلسطينية وغيرها.. لذلك ينزعج منها المتطرفون وتجار الشعارات فى هذا الجانب أو ذاك.