رسالة من الكاردينال مار بشارة بطرس بمناسبة الصوم
وجّه الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك الكنيسة المارونية رسالته بمناسبة الصوم كتب فيها يسعدني أن أتناول في رسالة الصوم دعوة الله لنا ولجميع الناس على لسان يوئيل النبي: "إرجعوا إلى الله بكلّ قلوبكم".
وتابع: الصوم زمن الرجوع إلى الله من كلّ القلب بروح التوبة والتقشّف، وإلى بعضنا البعض بروح المصالحة والتعاون، وإلى إخوتنا وأخواتنا الذين في حاجة بمدّ يد المساعدة الحسيّة والروحيّة والمعنويّة إليهم. يدعونا الله في زمن الصوم المليء بالأصوام والصلوات والتقشفات وسماع كلام الحياة لنرجع إليه. فهو ينتظرنا بمحبّة الأب، كما انتظر الأب إبنه الضال واستقبله عند رجوعه بذراعين مفتوحين، وبقبلات الحبّ، وبوليمة الفرح. فلا نسقطنّ في تجربة التأجيل. فدعوة الله ملحّة لخلاصنا وسعادتنا الحقيقيّة. لا يكفي هذا الرجوع بالكلام والنيّة والتمنّي والوعد. فلا رجوع إلّا بالفعل.
تابع صاحب الغبطة يقول بدأنا رجوعنا يوم قبلنا وسم الصليب بالرماد على جباهنا في صباح اليوم الأوّل من الصوم الكبير، المعروف بإثنين الرماد. بهذه العلامة أقرّينا "أنّنا تراب وإلى التراب نعود". أقرّينا أنّنا ضعفاء وسريعو العطب، وأنّنا بحاجة إلى أن يحيينا الله بروحه القدّوس معطي الحياة، ويجدّد خلقنا، مثلما فعل في الخلق الأوّل إذ "جبل الربّ الإله الإنسان ترابًا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة".
وأوضح: لا شكّ عندنا في أنّ شعبنا المؤمن يتهافت إلى الكنائس والأديار ليتبرّكوا بوسم الصليب من رماد على جباههم، ويأخذوا من الرماد المبارك إلى بيوتهم لمرضاهم والمسنّين، كعلامة لتوبتهم عن خطاياهم. نقول "علامة" للتأكيد أنّ الحاجة تبقى إلى التقرّب من سرّ الاعتراف لله عن خطايانا بواسطة الكاهن الذي باسم الثالوث القدّوس وبالسلطان الكهنوتيّ المُعطى له يمنح الغفران للخطايا المعترف بها. فكما أنّنا بالتواضع نحني رؤوسنا ونقبل وسم الرماد المبارك، كذلك بالتواضع عينه ننحني أمام الكاهن خادم السرّ المقدّس لنتصالح مع الله ومع ذواتنا ومع بعضنا البعض. عندئذٍ تتمّ فينا كلمة أشعيا النبيّ: "لأمنح التائبين التاج بدل الرماد، وزيت الفرح بدل النوح، وحلّة التسبيح بدل الإعياء".
أضاف الكاردينال الراعي يقول في اليوم الأوّل من الصوم، بدأنا المسيرة من "الرماد إلى الحياة" بفضل تقشفات الصوم، ورجوع القلب إلى الله بالتوبة والمصالحة والشفافيّة والابتعاد عن الازدواجية التي يمقتها الربّ يسوع. إنّنا بذلك نلبّي دعوة بولس الرسول الملحّة: "نحن الآن سفراء المسيح، ووضع فينا كلمة المصالحة. كما أنّ الله يدعوكم على يدنا، فنحن الآن نستحلفكم أن تصالحوا الله، لأجل المسيح، الذي لم يكن يعرف الخطيئة، وقد جعله الله خطيئة لأجلنا، لنصير به برَّ الله". بهذه الروح والمسؤوليّة ندعو أحبّاءنا كهنة الرعايا ليؤمّنوا، على الأخصّ طيلة زمن الصوم، خدمة سرّ المصالحة، وليعملوا بالتعاون مع غيرهم لتأمين هذه الخدمة لأكبر عدد ممكن من أبناء رعاياهم وبناتها. فيرتاح ضميرهم الكهنوتيّ ويرضوا الله الذي أتى إلينا بشخص الابن متجسّدًا، لكي نذهب نحن إليه، ونلتقيه في هذه الدنيا.
وتابع: عندما نتصالح مع الله في سرّ التوبة، نتذوّق قيمة المغفرة والمصالحة، ونشعر أنّنا بحاجة إلى المصالحة مع الآخرين. فصحيح القول: "سلام مع الله سلام مع الخليقة كلّها". وقد أوصانا الربّ يسوع بهذه المصالحة في أكثر من مكان. في صلاة الأبانا التي علّمها لتلاميذه ونحن نتلوها كلّ يوم، حيث نصلّي: "أغفر لنا ذنوبنا، كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا … فإن تغفروا للناس زلّاتهم، يغفر لكم أبوكم السماويّ أيضًا. وإن لم تغفروا للناس، فأبوكم أيضًا لا يغفر لكم زلّاتكم". وعند تقدمة الذبيحة لله، يعتبر الربّ يسوع أنّ المصالحة أهمّ من الذبيحة، بل تجعلها مقبولة من الله. فيقول: "إذا كنت تقدّم قربانك على المذبح، وتذكّرت هناك أنّ لأخيك عليك حقدًا، فدع هناك قربانك على المذبح، واذهب أوّلًا فصالح أخاك، ثمّ عد وقرّب قربانك".
وقال في موضع آخر: "أريد رحمةً لا ذبيحة". ولمّا سأله بطرس: "كم مرّة، إذا خطئ إليّ أخي، أغفر له، أإلى سبع مرّات؟" فقال له يسوع: لا أقول لك إلى سبع مرّات، بل إلى سبعين مرّة سبع مرّات!". بهذا الجواب أكّد الربّ يسوع أنّ المصالحة هي مصدر الفرح الحقيقيّ على قلب من يصالح وقلب من يتقبّل المصالحة، وبخاصّة على قلب الآب السماويّ. وهذا ما يؤكّده الربّ يسوع في معرض حديثه عن الفرح في السماء بعودة خاطئ يتوب. في مثل إيجاد الخروف الضّال، وفي مثل إيجاد الدرهم الضائع، وفي مثل عودة الإبن الضال.