عقيدة بايدن الجديدة
لم يعُد فى إمكان إسرائيل والفلسطينيين العودة إلى الوضع الذى كان قائمًا قبل ٧ أكتوبر، هذه العبارة قالها الرئيس الأمريكى جو بايدن، وهى عبارة يعرفها كل إسرائيلى وفلسطينى.. هم جميعًا تغيروا بعد ٧ أكتوبر.
حتى أمريكا وبريطانيا غيرتهما الحرب، وبالأدق رؤيتهما حول الصراع والحل، قال بايدن أكثر من مرة: «هناك حاجة إلى السعى لحل الدولتين»، وخلال الأسبوع الماضى، قال وزير الخارجية البريطانى ديفيد كاميرون إن بلده وحلفاءه «يدرسون الاعتراف بدولة فلسطينية، كجزء من عملية دبلوماسية تؤدى إلى تقدُّم، لا عودة عنه، نحو حل الدولتين». ووفقًا لكاميرون، فإن «الخطوة الأكثر أهمية هى منح الفلسطينيين أفقًا سياسيًا».
واشنطن الرسمية لا تعترف أنها تغيرت، حيث قال الناطق بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، إن الإدارة الأمريكية تسعى فعلًا لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية حقيقية لإسرائيل، لأنها تعتقد أن هذه الخطوة تُعتبر أفضل وسيلة لتحقيق السلام والأمن الدائمَين لإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة برمتها. كما شدّد على أن هذا هو موقف الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، ولا يمثل تحوّلًا فى السياسة.
إدارة «بايدن» لديها الآن ما يسمى بـ«عقيدة جديدة» وهى تتضمن خطة لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ضمن إطار تطبيع مع السعودية، وخطة لإعادة إعمار القطاع بقيادة السعودية و٤ دول عربية. لقد تحدث بايدن مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وضغط عليه من أجل الموافقة على قيام دولة فلسطينية بعد الحرب، لكن نتنياهو رفض هذا علانية، وليس مؤكدًا ماذا قال فى الغرف المغلقة.
قدّر توماس فريدمان، الصحفى المقرب جدًا من الرئيس بايدن، فى عموده بصحيفة «نيويورك تايمز» أن الإدارة الأمريكية ستطرح قريبًا عقيدة جديدة فى الشرق الأوسط، أساسها الدفع بدولة فلسطينية وحلف دفاعى أمريكى- سعودى إلى جانب «التطبيع بين الرياض والقدس» و«موقف قوى» فى مواجهة إيران.
وأوضح فريدمان أن الخطة ستتضمن شكلًا من أشكال الاعتراف الأمريكى بدولة فلسطينية منزوعة السلاح فى الضفة الغربية وقطاع غزة، والتى لن تتشكل إلا بعد أن يطوّر الفلسطينيون مجموعة من المؤسسات والقدرات الأمنية المحددة وذات المصداقية لضمان استمرار هذه الدولة، وضمان أنه لا يمكنها أبدًا أن تهدّد إسرائيل، ولا تزال المشاورات فى البيت الأبيض بشأن الأشكال المتعددة التى يمكن أن يتخذها هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
يرغب الأمريكيون فى استغلال الوضع الذى أثارته الحرب فى صوغ «برنامج كبير»، برنامج تُنشأ فى إطاره الأوضاع اللازمة لوقف إطلاق نار طويل الأمد فى ظل إطلاق سراح المختطفين، وصولًا إلى معاهدة تطبيع هائلة بين إسرائيل والسعودية قد يتم تحقيقها قبل نهاية شهر أبريل، حيث يتحول فى إطارها وقف النار إلى وقف دائم، وإذا ما تمكنت الإدارة الأمريكية من تحقيق ذلك، فإن عقيدة بايدن يمكن أن تصبح أكبر إعادة تنظيم استراتيجى فى المنطقة منذ معاهدة كامب ديفيد «بين إسرائيل ومصر» سنة ١٩٧٩.
هذه الأنباء تأتى بعد إعلان إجراء محادثة هاتفية بين الرئيس بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وقد أعرب بايدن بعدها عن أمله فى إمكان تحقيق حل الدولتين حتى مع وجود نتنياهو فى منصبه إذا كانت الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. وأشار تقرير لشبكة التلفزة الأمريكية «سى إن إن» إلى أن نتنياهو أخبر بايدن بأنه لا يستبعد تمامًا إقامة دولة فلسطينية.
حتى هذه اللحظة، نتنياهو يرفض الحديث عن دولة فلسطينية، لكن الترتيبات الأمريكية التى تجرى هى أن نتنياهو لن يضطر إلى إعلان «دولة فلسطينية»، لكن سيضطر إلى التحدث عن «أفق» ما، وليس واضحًا ما إذا كان نتنياهو سيفعل هذا. وهو ما يجعله عائقًا أمام الأمريكيين نحو تنفيذ الخطة.