المسرح فى المنيا.. كيف تصنع إبداعًا بأقل الإمكانات؟

للمسرح فى محافظة المنيا وجه يشبه النيل. وربما، كمعنية بالثقافة والفنون وفى قلبهما المسرح، أرى أن عروس النيل، بعد القاهرة والإسكندرية، هى أحد المراكز الأكثر إشعاعًا للفنون بين محافظات مصر، من حيث تكثيف وانتشار الفنون، وعدد المشتغلين بالفن، وأصحاب المشاريع الثقافية فى كل ربوعها.

والمنيا أرض خصبة تغرى بهذا النوع من الاستثمار الإبداعى، ولولا ندرة الفنادق لصارت وجهة للكثير من المثقفين والأحداث الثقافية الدولية. فضلًا عن وجود أسباب عدة لتنشيط مسارات الفنون والثقافة، على رأسها مؤسسات المجتمع المدنى المعنية بهذه المجالات، مثل «الجيزويت» و«الهيئة الإنجيلية»، إلى جانب المؤسسات الناشئة، مثل: «تياترو الصعيد» و«دوار للفنون» و«الصخرة»، علاوة على دور المؤسسات الحكومية، مثل قصر ثقافة المنيا ومراكز الشباب، وكذلك وجود الكليات المتخصصصة فى الفنون، مثل: كلية الفنون الجميلة بالمنيا، وقسم المسرح بكلية آداب جامعة المنيا‪. «الدستور» حاورت مسئولى هذه المؤسسات، لتتعرف عليها عن قرب، راصدة دورها وهويتها والتحديات التى تواجهها.

د. رانيا عليوة:نعمل بلا «خشبة» حتى الآن.. والأمل فى إنهاء مسرح قصر الثقافة قريبًا

قالت الدكتورة رانيا عليوة، مدير فرع ثقافة المنيا، إن الحركة المسرحية فى المنيا عريقة ومنذ الخمسينيات، وصاحبة ريادة حقيقية للمسرح الإقليمى بالصعيد، والفضل يعود لجيل الرواد وعلى رأسهم: جمال الخطيب وحامد الداقوفى وحسن أبودومة وفرجانى دياب ورضا خلف وفاطمة عمران وسمير الكردى وماهر بشرى وطه عبدالجابر ومحمد نجيب أبوالسعود، وتوالت أجيال أخرى فى التمثيل والتأليف والإخراج والديكور أمثال أسامة طه وعز كمال وأشرف عتريس وحسن رشدى وخالد أبوبكر وعماد التونى ومحمد سيد عمار وعلاء سيد عمر ورأفت ميخائيل، وما زال نهر الفن يجرى بكل روافده، وتتوارثه الأجيال فى المنيا لكن بلا «خشبة»، إلا أن الأمل معقود على مسرح قصر ثقافة المنيا الذى قارب على الانتهاء، ليشكل قيمة مضافة للحركة المسرحية، جنبًا إلى جنب شباب النوادى والجيزويت وتياترو الصعيد. 

وأضافت أن قصور الثقافة مؤسسة كبيرة قدمت للحركة المسرحية الكثير بإنتاجها السنوى الذى يضم فنانى جيل الوسط وجيل الشباب، ممن يقدمون العروض القصيرة ومسرح الطفل بنوادى الأدب، كما تجب الإشارة إلى إنتاج الفرقة القومية، والورش المسرحية التى يشرف عليها متخصصون.

وعن الفرق الفنية التى تعمل عبر فرع ثقافة المنيا تقول: «هناك العديد من الفرق ومنها ملوى وأبوقرقاص وسمالوط وبنى مزار، وجماعة الهاية، وجبل الطير».

وعن رأيها فيما يقدمه الشباب خارج الإطار الحكومى، تقول: «فى المنيا شباب يعملون مع فنانى جيل الوسط، أحيانًا مع مؤسسات وزارة الثقافة، وأحيانًا أخرى يتمردون على الجوانب الإدارية وسيطرة جيل الوسط، ورغم ذلك يقدمون بما يتاح لهم من إمكانات عروضًا قوية، وينضم إليهم قسم العلوم المسرحية بكلية الآداب جامعة المنيا، وخريجوها فى مجالات الديكور والتمثيل والنقد، ليعملوا بعيدًا عن قصور الثقافة، لكن يظل المسرح تحت عباءة وزارة الثقافة، فهذا العام شارك الشباب فى مسرح المتخصصين لأول مرة منذ عشر سنوات، وهو مهرجان القراءة المسرحية الذى تقيمه أكاديمية الفنون، بخلاف أنهم يشاركون فى مهرجان مواسم نجوم المسرح الجامعى الذى تقيمه وزارة الثقافة، ونتمنى أن يشارك شباب الجامعة فى عروض الثقافة الجماهيرية لكى يستفيدوا من الخبرة والموهبة والأكاديمية».

وأشارت إلى دور مهندسى الديكور فى كلية الفنون الجميلة، ومن بينهم الدكتورة سهير أبوالعيون رئيس قسم الديكور بكلية الفنون الجميلة، وكذلك الدكتور حنا حبيب، وغيرهما، لما يقدمونه من تعاون فنى منجز. 

مركز «الفنون الدرامية بالجيزويت».. مدرسة إعداد وتخريج الموهوبين منذ 30 عامًا

عن مركز الفنون الدرامية بجمعية «الجيزويت»، قال عادل مكرم، مديره السابق وأحد مؤسسيه: «كنت من مؤسسى المركز، مع فايز اليسوعى وحسن الجريتلى، فى الفترة من ١٩٩٤ إلى ٢٠٢٢، وذلك انطلاقًا من سؤال رئيسى هو: هل الفن يعمل على تكوين الأطفال والشباب؟».

وأضاف «مكرم»: «كان هذا السؤال ركيزة للعمل داخل المركز، الذى من خلاله أتحنا مساحة إبداع وتعبير عن النفس للأطفال، بدءًا بأنشطة خيال الظل والرسوم المتحركة والمسرح والحكى، إلى جانب الفنون التشكيلية والرقص المعاصر، بمشاركة العديد من أطفال المنيا على مدار سنوات».

وواصل: «تطورت التجربة إلى إنشاء (مدرسة المنشطين) لنشر التجربة فى أماكن أخرى مثل الجمعيات والمدارس، مع تدريب المعنيين والمهتمين بالفنون على ذلك، ما أسهم فى تكوين جيل يهتم بالفن ويمارسه بأنواعه المختلفة، ثم تأسيس فرق حرة ومراكز ثقافية صغيرة».

وأكمل: «هذا دفعنا الى إقامة مهرجانات فنية وثقافية لعرض العروض الفنية الناتجة عن نشاط المركز، مع دعوة فرق مستقلة من القاهرة لتكون من مصادر التعلم والتطوير للفرق والفنانين، إلى جانب تقديم فنهم لجمهور المنيا»، مؤكدًا أن المركز ما زال يعمل ويقدم خدماته حتى الآن.

وعن النشاط الحالى لمركز الفنون الدرامية بجمعية «الجيزويت»، قالت إيرينى كرم، المدير الحالى للمركز: «نواصل تقديم عروضنا الفنية، والتى لها تأثير فعال وسريع على مواقف المجتمع المحلى، مع الاستمرار بالتوازى فى تدريب الأجيال المتعاقبة».

وأضافت: «برامجنا كشفت عن مواهب استثنائية فى هذا الفن أو ذاك، لكن لم يكن هذا هو الهدف الأساسى، بل تخرج فى هذه البرامج شباب أصبحوا كوادر تساعد المدربين القادمين من القاهرة والإسكندرية فى التدريب وإدارة الجلسات، ثم بدأوا يتولون التدريب تحت إشراف هؤلاء المدربين، الذين قللوا من زياراتهم، ما ساعد فى توفير التكلفة، خاصة مع انخفاض الدعم بسبب الأزمات الاقتصادية».

وعن صعوبة تصميم الأنشطة الموجهة للطفل، قالت «إيرينى»: «نظرًا لمحدودية العدد الذى نستطيع تدريبه من الفئات العمرية بين أطفال ومراهقين، ونتيجة لاهتمام الجمعيات الأهلية بموضوع التعبير فى مجال الطفولة والشباب، بدأنا سنة ٢٠٠٣ فى تنظيم تدريب للمنشطين، وهم فئة المدربين الذين ينشّطون علاقة الأطفال بعالمهم من خلال التعبير الفنى».

وأضافت: «جربنا عدة مناهج للقيام بهذا التأهيل، منها تنظيم تدريب متعدد الفنون فى السنة الأولى من المشروع، ثم اخترنا التدريب التخصصى بعد مقدمة قصيرة عن الفنون المختلفة المطروحة، وأخيرًا بدأنا فى برنامج (سنة تانية) لأفضل خريجين من الدفعات الثلاث السابقة، وذلك لرفع كفاءتهم وإتاحة فرص عمل لهم فى سوق التنشيط المتنامى من خلال جمعيات المجتمع المدنى».

«الهاية».. أقدم فرق المحافظة تبحث عن مكان للعروض والبروفات

فرقة «الهاية» أسسها المخرج الراحل حمدى طلبة فى مركز بنى مزار، ولاقت نجاحًا كبيرًا وحصلت على العديد من الجوائز، وتعد أقدم الفرق فى عروس الصعيد، وفق المخرج محمود الشوكى، أحد المؤسسين.

وقال «الشوكى» إن «الهاية» ببنى مزار هى أقدم فرقة فى المنيا، تأسست فى ٢٠١٣ على يد المخرج الكبير الراحل حمدى طلبة، بمعاونة «الشوكى»، والكاتب إسلام فرغلى، وكان اسمها الأول هو «فرقة الهاية المستقلة»، لكن بعد وفاة المخرج حمدى طلبة، اتفق أعضاؤها على تسميتها باسمه، تخليدًا لذكراه.

وأضاف: «منذ بدايتها اتخذت الفرقة اتجاهًا فنيًا خاصًا، وهو العمل على الموروث الشعبى والفلكلور، وقدمت فى هذا الإطار الكثير من العروض المسرحية وعروض الحكى، مثل (الكتلة والفراغ) و(عباد الشمس) و(غيط البنات) و(فستان فرح) و(جداريات العرابة المدفونة)».

وواصل: «من مهام الفرقة الأساسية التفاعل مع جمهور بنى مزار وغيره، وتقديم عروض نابعة من قضاياهم ومشاكلهم، والمسكوت عنه أيضًا، مثل قضايا المرأة، والمفاهيم الموروثة الخاطئة». وكشف عن مواجهة الفرقة صعوبات وتحديات كبيرة، أولها التمويل، ثم أماكن «البروفات» والعروض، وهو ما تسعى دائمًا للتغلب عليه بالتعاون مع مركز شباب بنى مزار، الذى يوفر مكانًا لـ«البروفات» والعروض، إلى جانب تقديم دعم مالى محدود، ومحاولة تذليل العقبات فى بعض الأمور الأخرى، مثل توفير وسيلة انتقال حال السفر للعرض خارج المحافظة أو المدينة.

وتابع: «ما ينقصنا كفرقة مستقلة هو المكان الخاص، لإيجاد مساحة أرحب وأكبر لإقامة فعاليات، وزيادة عدد العروض المنتجة، وإقامة ورش تدريب للأعضاء من جميع عناصر العملية المسرحية»، مشيرًا إلى أن بنى مزار لا يوجد فيها غير مسرح واحد تابع لمدرسة الصناعة، كانوا يستعينون به لأداء «البروفات» والعروض، قبل أن يتوقف هذا.

«تياترو الصعيد».. أكاديمية ومنارة فنية تخرج فيها 256 فنانًا

كشف المخرج والكاتب المسرحى، كيرو صابر، عن أن «تياترو الصعيد» هى شركة فنون أدائية، بدأت ببناء قدرات الفرق المسرحية ثم توفير أماكن لأداء البروفات وانتهت بإقامة قاعة للعرض المسرحى، وبدأت عملها كفرقة فنية فى نوفمبر ٢٠١٤، واختلف محتوى ما تقدمه عن فرقة «تياترو مصر» الشهيرة حينها، رغم تشابه الاسم.

وأضاف: «فكرت فى تأسيس الفرقة بعدما ذهبت إلى القاهرة مثل كثير من الشباب للبحث عن فرصة، وشاهدت العديد من الأصدقاء يأتون إليها ثم يعودون إلى قراهم ومدنهم وهم فاقدو الأمل، بسبب عدم قدرتهم على الوفاء بالالتزامات المادية، ففكرت حينها فى بناء منارة فنية بالصعيد، تكون حاضنة لأحلام الشباب المهتمين بالفنون».

وتابع: «تحولت الفرقة، التى بدأت فى ٢٠١٤ إلى غرفة فى ٢٠١٥ لأداء البروفات، ثم بدأت العرض بأحد المسارح، وكانت التكاليف كبيرة، لذا كانت الفرقة تقدم عرضًا واحدًا كل ٦ أشهر أو حتى سنة، وبعدها تحولت إلى غرفتين مفتوحتين على بعضهما، مع تقديم بعض العروض، وتأسيس أكاديمية لتعليم الفنون الأدائية، بالتعاون مع متخصصين من طلبة المعهد العالى للفنون المسرحية وكلية الآداب قسم المسرح، وذلك فى مارس ٢٠١٦». 

واستطرد: «تخرجت فى الأكاديمية حتى يومنا هذا ٢١ مجموعة، بإجمالى ٢٥٦ خريجًا، منهم من أسس مراكز ثقافية مثل شنودة عادل، ومنهم من أسس فرقًا مسرحية مثل (إيموشن) وغيرها، بعد أن ساعدت الأكاديمية فى إثراء الحركة المسرحية بمحافظة المنيا، وساعدت فى إعادة ٣ فرق مسرحية أوقفت نشاطها أثناء فترة كورونا إلى الحياة».

«الصخرة».. تحويل المساحات المُهملة بـ«جبل الطير» لساحات عروض فنية 

مسرح «الصخرة» تأسس بمبادرة من المخرج شنودة عادل، بالتعاون مع محافظة المنيا، حيث أنشأ مكتبة ومركزًا ثقافيًا فى مساحة مهملة بقرية دير جبل الطير. 

وعن فكرة مسرح «الصخرة» وكيف جاءت قال: «بحكم التوزيع الجغرافى والنشأة الدينية كانت علاقتى بالمسرح مقتصرة على مشاهدة المسرحيات الدينية مرة كل عام، ثم اشتركت فى بعض منها، ولكن قبل نهاية عامى الأخير فى الدراسة بالجامعة، وبعد حضور عدد من الفعاليات الفنية والعروض المسرحية بالمحافظة، قررت تكوين مركز (الصخرة) الثقافى، لتكون العروض المسرحية نشاطًا رئيسيًا من أنشطة المركز». وأضاف: «انحاز مسرح الصخرة إلى المسرح المجتمعى، وضم فريقًا من شباب وبنات قرى شرق النيل بالمنيا، وقدم عروضًا مسرحية غير دينية، تناقش قضايا مجتمعية وبعض المشاكل الحية التى تحدث فى قرى المنطقة». وتابع: «اعتمدنا على إنشاء مساحتنا الخاصة، من خلال ربط الفن بالبيئة، وتنظيف المساحات المهملة ومقالب القمامة فى قرية دير جبل الطير لاستغلالها، لتكون هى المساحة الفنية للمركز، ويتم الترويج للعروض أثناء عملية التنظيف ومساعدة الشباب والأهالى لنا فى تحويل المساحات المهملة إلى مساحة ثقافية، نقدم فيها العروض المسرحية والأنشطة الفنية والثقافية».

وأوضح أن المركز واجه العديد من التحديات أثناء تنفيذ العروض المسرحية، على رأسها توفير المال اللازم لتجهيز الديكور والإضاءة والصوتيات، مضيفًا: «تخطينا كل ذلك من خلال استخدام الأدوات المتاحة فى منازل الممثلين كقطع ديكور، والاعتماد على قرب الجمهور من الممثلين للتعويض عن نقص معدات الصوت، بالإضافة إلى تحرك الممثلين بين الجمهور وكسر البعد الرابع للمسرح».

«الدوّار».. حاضنة لبناء القدرات الفنية وإحياء التراث والموروث الشعبى

قال المخرج بيشوى مكرم، مؤسس مركز «الدوّار» للفنون، إن «الدوّار» كان نتاجًا لشغفه الخاص بالمسرح، والذى بدأ فى سن السابعة، على مسرح الجزويت بالمنيا، والذى تطور فيما بعد للعمل فى عدد من العروض المسرحية الخاصة بالقضايا المجتمعية، خصوصًا قضايا المرأة، وهى مرحلة تعلم خلالها الكثير من تقنيات المسرح التفاعلى، مع التعاون العربى والدولى مع عدد من الفرق والشركات.

وأضاف: «أخرجت ودربت فى الدول العربية، وحرصت دائمًا على التنوع فى محتوى العروض والصورة الإخراجية، ولدىّ مؤخرًا عرض مشترك مع أيرلندا الشمالية، ضم ممثلين من المنيا وبلفاست، وتم دمج المشاهد وإخراجه أون لاين تحت عنوان (الآفة)، كما عملت أيضًا على تجربة مسرح السيكو دراما، من خلال عرض (حكاية بعد النوم)». 

وأوضح أن المركز يعمل منذ تأسيسه على أن يكون حاضنة للمشروعات المسرحية وبناء قدرات الفنانين والأدباء فى الصعيد، مع إتاحة الفنون فى المناطق الأكثر تهميشًا واحتياجًا، ودعم الحراك الثقافى المستقل فى محافظة المنيا من خلال ورش العمل وتنظيم المهرجانات والفعاليات. وأشار إلى أن «الدوّار» عمل أيضًا على إحياء التراث والموروث الشعبى، عبر تبنى مشروعات مثل «المصطبة»، لجمع الأغانى والحكايات فى المنيا، وأيضًا بناء جسور تواصل بين الفنانين العرب، عبر مشروع مثل: «وحى الأسطورة»، الذى جمع بين فنانى المنيا بمصر وزملائهم من تونس، مع العمل سويًا على تحليل الأساطير الشعبية، وكذلك عمل أيضًا على نشر الفنون فى القرى والمناطق النائية بمحافظات الصعيد.