البورصة هى الحل
لو نجحت حكومة د. مصطفى مدبولى فى تعويم البورصة المصرية لاقتربنا كثيرًا من الضوء فى آخر النفق، لو نجحت فى أن تجعلنا نقرأ خبر «البورصة تحقق أرباحًا قيمتها كذا» كل يوم لمدة عام كامل لسجلت اسمها فى التاريخ كواحدة من أنجح حكومات مصر، أما إذا لم تنجح فإن عليها أن تراجع نفسها كثيرًا فى سياستها، وطريقة عملها ورؤيتها للاقتصاد فى هذه المرحلة.. البورصة هى الطريقة التى يستثمر بها الناس فى الصناعة، والزراعة، وكل نشاطات الإنتاج، ينجح مصنع ما، فيشترى الناس أسهمه مما يمكنه من أن يتوسع ويواصل النجاح، وفى نهاية العام يحصل المساهمون على الأرباح مكافأة لهم على الاستثمار الجيد، ويوظف المصنع مزيدًا من الناس لأنه توسع بأموال مشترى الأسهم، ويوفر مزيدًا من العملة الصعبة، إما لأنه أنتج بضائع محلية بديلة للمستورد أو لأنه صدر بضائع مصرية للخارج.. ما أقوله يعرفه أى مهتم بالاقتصاد لكن لا يعرفه المواطن العادى لأن ثقافته المالية غالبًا صفر.. المواطن العادى فى سالف الأيام لم يكن يعرف من أشكال الادخار سوى شراء العقار بقدر ما يستطيع، أو وضع أمواله فى شهادات البنوك والاستناد للعائد، ثم فى السنوات الأخيرة الادخار فى الذهب، الذى هو أيضًا سلعة مستوردة، يشتريها التاجر بالدولار ويبيعها للمواطن ليحتفظ بها تحت البلاطة حتى يحتاجها، العقار والذهب من أشكال الاكتناز، نقود مجمدة لحد كبير، ثروات يملكها الناس مع وقف التنفيذ، مئات المليارات مدفونة فى شاليهات لا يستعملها أصحابها سوى أسابيع كل عام، ومثلها سبائك الذهب والحلى التى تقدر بتريليونات الجنيهات، ثروة معطلة لأننا لا نملك ثقافة الاستثمار أولًا، ولأن الواقع ليس ورديًا لمن يريد أن يمارس نشاطًا اقتصاديًا دون واسطة أو معرفة.. أو هذا هو الانطباع العام الذى لم تغيره الحكومة رغم توجيهات الرئيس، لذلك فالحل هو أن يشترى المواطن أسهمًا فى المشروعات الصناعية التى نجحت بالفعل، وتغلب أصحابها على المعوقات لأنهم موهوبون فى الإدارة وكسب المال، هذه موهبة لا تتوافر للجميع، لو عرضنا قيمة العقارات التى يملكها المصريون على إيلون ماسك أغنى رجل فى العالم لاتهمنا بالجنون! لأن هذا الرجل يرفض أن يشترى بيتًا ويسكن بالإيجار.. إنه صاحب وجهة نظر، هو يرى أن شراء منزل غالٍ اكتناز لا لزوم له، واحتجاز لأموال يمكن أن يستغلها فى مزيد من المشاريع ومزيد من الاستثمار.. إننا لا يمكن أن نجتاز الأزمة المالية دون أن تكون لدى المواطن ثقافة الاستثمار، ودون أن نُعلمها لأولادنا فى المدارس، والبرامج ومسلسلات رمضان.. إن المواطن لدينا لا يعرف البورصة سوى من تلك الجملة فى الأفلام القديمة التى يقول فيها البطل إنه خسر أمواله فى البورصة! دون أن يقول إنه ربح أمواله منها أيضًا، هناك ورقة مكتوبة بخط اليد يتم تداولها على وسائل التواصل يدون فيها مواطن «يفترض أنه فقير» تكاليف الزواج بالتفصيل، ويجمع المبلغ ليجد أنه اثنان مليون جنيه، وبالتالى يقرر ألا يتزوج! من ضمن التفاصيل مثلًا خمسون ألف جنيه تكاليف ليلة الحنة! وخمسة عشر ألف جنيه فستان فرح! هذا المواطن لو ثبت وجوده فهو فعلًا مختل عقليًا واقتصاديًا، لو استثمر هذا المبلغ بنجاح فى البورصة مثلًا «بافتراض أن الحكومة تديرها بنجاح» لأصبح غنيًا بعد سنوات قليلة، لكننا تربينا على ثقافة الاستهلاك، وعدم إضافة قيمة للنقود، وانتظار الفرج على يد الدولة، أو على الأقل هذا ما حدث منذ سيطرة الدولة على الاقتصاد مقابل تعهدها بتوظيف الناس وتوفير احتياجاتهم.. الوضع تغير الآن فى العالم كله، لا يمكن أن تسيطر الدولة على الاقتصاد أبدًا، ولكن يمكن أن تملك شركات ناجحة تطرحها فى البورصة مثلها مثل غيرها، ولا يمكن أن ننتظر المستثمر الأجنبى فى البورصة ولدينا تريليونات الجنيهات مختزنة فى صورة عقارات وحلى وسبائك ذهب، الحل أن نبتكر كل ما يمكن لتصدير كل العقارات المكدسة لدينا بالبيع والإيجار وبالتحويل لفنادق من فئات مختلفة، وأن نأتى برئيس يستطيع إدارة البورصة بنجاح حتى لو لجأنا لمدرب أجنبى بدلًا من مدرب المنتخب الذى يحصل على الكثير وينجز القليل.. لا بد من تحويل النقود التى يكتنزها المصريون تحت البلاطة لأسهم فى شركات تصنع وتزرع مع توفير المناخ الملائم لنجاح هذه الشركات وظهور غيرها.. أما إذا لم تستطع الحكومة ذلك فعليها وقتها أن تعطى الفرصة لمن يستطيع.
عصمت