نتنياهو ولعبة الوقت
نتنياهو يلعب من جديد لعبته المفضلة، لعبة الوقت، هو من كان يرى أن الزمن دائمًا يلعب لصالحه، كان يراهن ويراهن على الوقت، كان يقول إنه بالوقت يمكن تحقيق كل شىء.. الوقت بالنسبة له مهم لتحقيق الأهداف الصعبة التى رسمها فى بداية الحرب، الوقت بالنسبة له هو السلطة والحرية، لكن الوقت بالنسبة إلى جنوده هو احتمال أكبر للشموت، والوقت بالنسبة إلى الرهائن هو الموت أيضًا.
نتنياهو- الذى اعتاد ذلك دائمًا- الآن محاصر من شركائه فى الائتلاف والقادة العسكريين الذين يريدون مواصلة القتال، والآخرين الذى يريدون عقد صفقة لتحرير الرهائن، والولايات المتحدة والعالم كله من الجانب الآخر، وعليه أن يجد نفقًا للخروج من كل هذا.
المعضلة الآن باختصار، كل العوامل السابقة هى بين حياة نتنياهو السياسية والحل السياسى للحرب.
حياة نتنياهو السياسية تعتمد على بقاء حكومته التى تشهد عدم الاستقرار، فالمشهد كالتالى: إيتمار بن غفير على طريق الانسحاب، ويبحث عن المبرر الذى يمكن أن يخدمه سياسيًا. حزب الصهيونية الدينية أيضًا يهدد بالانسحاب ولكنه لا يزال مترددًا. حزب جانتس وأيزنكوت سيتردد بشأن البقاء فى الحكومة عند تفكيكها، لكن ربما سيبقى بسبب الظروف الاستثنائية فقط حتى نهاية الحرب، حيث يتردد جانتس وأيزنكوت بشأن الخروج من الحكومة، بينما لا تزال أمام كابينت الحرب فرصة اتخاذ قرارات مصيرية.
الجانب الآخر من أزمة نتنياهو هو كيفية التوازن بين الحكومة- المُهددة- وبين المقترح الأمريكى لإنهاء الحرب.
الولايات المتحدة عرضت على إسرائيل منذ أشهر مقترحًا رأت أنه يستجيب للمصالح المشتركة: تشكيل قوة عربية تابعة لـ«محور الاستقرار»، مع تفكيك قدرات «حماس». تُمنح هذه القوة السيطرة فى قطاع غزة لفترة محدودة، وخلالها تجرى إعادة سيطرة «السلطة الفلسطينية المعززة»، استنادًا إلى ترتيبات أمنية تكون مقبولة من إسرائيل، وتتعهد السعودية والإمارات بالدعم المالى للسلطة، وتعملان على تمويل وإعادة بناء البنى التحتية.
ما يقف بين إسرائيل والمقترح الأمريكى هو نتنياهو وشريكاه إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. نتنياهو يفهم أن «السلطة الفلسطينية المعززة» تعنى انسحاب بن غفير وسموتريتش وقرب نهاية حكومته، كما أن المقترح يرمى إلى ضرورة أن تقبل إسرائيل بأن تشارك مستقبلًا فى خطوة سياسية فى اتجاه حل «الدولتين»، وهذا ما يرفضه نتنياهو. وحتى يتجنب المعضلة اختار نتنياهو، منذ ٣ أشهر، أن يمتنع عن النقاشات بشأن «اليوم التالى للحرب» سواء مع الأمريكيين أو فى الكابينت، لأنه يراهن على الوقت بأن شيئًا ما يتغير.
الأمريكيون من جانبهم يرون أن هذا الحل سيكون فرصة للجميع، فرصة لإسرائيل لدمجها من جديد فى المنظومة الإقليمية التى تريد الولايات المتحدة إقامتها، كردّ على التهديد الإيرانى- الروسى- الصينى فى الشرق الأوسط. ويشارك فى هذه المنظومة كلٌ من الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل والإمارات وبقية الدول المعتدلة، وكذلك فهو حل سيضمن أمن إسرائيل مستقبلًا، وسيكون فرصة للفلسطينيين لوضعهم على أول طريق المفاوضات السياسية تجاه حل الدولتين، وفرصة لبايدن لتحقيق نصر سياسى فى الشرق الأوسط يساعد الديمقراطيين فى الانتخابات.
المقترح «اللطيف» أعلاه لا يناسب نتنياهو، ولا يناسب بقاءه فى رئاسة الحكومة، ولا يناسب الحكومة اليمينية خاصته، هذا صحيح، ولكنه أيضًا لا يناسب تحقيق الهدف الأهم فى الحرب وهو القضاء على قدرات حماس عسكريًا وعودة الردع فى المنطقة وتحقيق النصر الواضح والحاسم لإسرائيل. الحقيقة أن رفض نتنياهو المقترح حتى لو كان ينبع فى جزء منه من اعتبارات سياسية، إلا أنه فى الجانب الآخر ينبع من اعتبارات أيديولوجية. نتنياهو لا يريد هذه النهاية، مَن يعرف نتنياهو يعرف أنه لا يريد الحروب، لكن عندما لا يبدأها يريد لها أن تستمر حتى النهاية.. هذا هو نتنياهو.