«أصدقائى».. رواية جديدة للكاتب الليبى البريطانى هشام مطر
وُلد الكاتب الليبى البريطانى هشام مطر «53 عامًا»، فى نيويورك لأبوين ليبيين، ونشأ فى طرابلس والقاهرة ولندن، والأخير هو المكان الذى عاش فيه كثيرًا منذ منتصف مراهقته. كان والد هشام؛ جاب الله مطر، يعمل فى الوفد الليبى فى الأمم المتحدة. عادت الأسرة إلى طرابلس عام 1973، ثم انتقلت إلى القاهرة نهاية السبعينيات. وأصبح جاب الله، وهو ضابط سابق فى الجيش الليبى، معارضًا عنيدًا لنظام القذافى. واستخدم ثروته ونفوذه لتمويل الخلايا النائمة داخل ليبيا، وتنظيم المقاومة المسلحة فى تشاد المجاورة.
الأعمال الأدبية لهشام مطر
وصلت رواية مطر السابقة «فى بلد الرجال» إلى القائمة المختصرة لجائزة بوكر لعام ٢٠٠٦، كما نال جائزة بوليتزر عن مذكرات له حملت عنوان «العودة» لعام ٢٠١٦، وله رواية أخرى بعنوان «تشريح الاختفاء»، وهى أعمال تدور حول السجن السياسى والقتل المحتمل لوالد مطر، الذى عارض معمر القذافى.
فى عام ١٩٨٦، غادر هشام مصر إلى مدرسة داخلية فى إنجلترا، حيث انتحل، مثل راوى روايته الأحدث «أصدقائى»، هوية مزيفة حفاظًا على سلامته. وفى عام ١٩٩٠، عندما كان هشام طالبًا فى لندن، اختطف والده من شقة العائلة فى القاهرة واختفى فى فم الدولة الأمنية الليبية. وتعرف العائلة أن جاب الله قضى بعض الوقت فى سجن أبوسليم المخيف فى طرابلس. ثم توقفت جميع الاتصالات. وادعى أحد السجناء أنه رآه فى أواخر عام ٢٠٠٢.
وفى عام ٢٠١٢، عاد هشام إلى ليبيا، على أمل معرفة ما حدث لوالده، وهو المسعى الذى اشتمل أيضًا، على نحو مؤلم، على أمل ضعيف بأن جاب الله لا يزال على قيد الحياة. لكن فى مذكراته عن تلك الرحلة بعنوان «العودة» يخلص إلى أن والده توفى على الأرجح فى ٢٩ يونيو ١٩٩٦، وأنه أحد ضحايا عملية التطهير التى أُعدم فيها ١٢٧٠ سجينًا.
فى أعماله، وجد مطر طرقًا مختلفة لسرد آثار هذا الجرح الحاسم. تقول إحدى شخصيات رواية «فى بلاد الرجال» إن أحد ضحايا القذافى «اختفى مثل حبة الملح فى الماء. لكن مرارة عدم المعرفة هى الشراب الذى يجب أن نبتلعه مرارًا وتكرارًا». وتنتهى رواية «فى بلاد الرجال» بالراوى اليتيم، البالغ من العمر ستة وعشرين عامًا ويعيش فى القاهرة، وهو يستعد للقاء والدته التى تزوره أخيرًا من ليبيا، ويشعر «كأنه كلب مخلص لا يزال ينتظر، واثقًا من أن صاحبه سوف يأتى لاستعادته».
فى كل روايات مطر السابقة، يتم إرسال الراوى بعيدًا، وهو مراهق من ليبيا إلى مدرسة فى بلد أجنبى «مصر فى «فى بلد الرجال»، وإنجلترا فى «تشريح الاختفاء»»، أما «العودة» فتروى المغامرة المثيرة للشفقة التى عاشها الشاب هشام، الذى وصل من القاهرة إلى مطار هيثرو، واستقل سيارة أجرة سوداء فى لندن إلى مدرسته الداخلية فى الريف، لأن والديه طلبا منه ذلك.
رواية مطر الجديدة «أصدقائى» تجعل المهاجر أكبر سنًا ببضع سنوات، مع مغادرة خالد ليبيا للالتحاق بالجامعة بدلًا من الذهاب إلى مدرسة داخلية. لكنه لا يعود أبدًا إلى وطنه، حتى وهو يشاهد مصطفى وحسام يعودان وينضمان فى نهاية المطاف إلى القتال ضد القذافى فى عام ٢٠١١.
رواية جديدة بعنوان «أصدقائى»
فى أوائل الثمانينيات، كانت ساحة «سانت جيمس» فى لندن موطنًا للسفارة الليبية، أو المكتب الشعبى الليبى. فى صباح يوم ١٧ أبريل ١٩٨٤، تجمع حشد من المتظاهرين المناهضين للقذافى عبر الشارع الذى يقع أمام السفارة، وواجهتهم مظاهرة مضادة أصغر حجمًا للموالين للقذافى خارج المبنى، وكانت الأجواء مشحونة بالأعمال العدائية وانعدام الثقة فى السنوات السابقة، فقد قصف نظام القذافى وقتل المنفيين الليبيين فى لندن الذين اعتبرهم أعداءه؛ وقبل يوم واحد من مظاهرة ١٧ أبريل، شُنِق اثنان من الناشطين الطلابيين علنًا فى طرابلس.
وفى ساحة سانت جيمس، بالكاد بدأت المظاهرة عندما أطلقت أعيرة نارية من نوافذ السفارة. أصيب أحد عشر متظاهرًا، وقُتلت شرطية تدعى إيفون فليتشر، كانت فى الخدمة ذلك الصباح مع خطيبها الشرطى. أخليت الساحة وحاصرت الشرطة المسلحة السفارة لمدة أحد عشر يومًا، حتى سمحت حكومة تاتشر لبقية المسئولين الليبيين بمغادرة البلاد. قطعت بريطانيا وليبيا علاقاتهما الدبلوماسية، واستمر العداء العميق بينهما حتى نهاية القرن. أصبح اسم إيفون فليتشر تعويذة فى بريطانيا. وفى الساحة، يوجد نصب تذكارى حجرى صغير يشير إلى المكان الذى سقطت فيه. تقع تلك الحادثة، حسبما تشير المراجعة التى نُشرت بمجلة «ذا نيويوركر»، فى مركز رواية هشام مطر الجديدة «أصدقائى»، الصادرة عن «دار راندوم هاوس»؛ إذ ترتبط جميع أحاديث قصة مطر بهذا الحدث المتغير.
«أصدقائى» يرويها ليبى منفى يُدعى خالد عبدالهادى، غادر بنغازى عام ١٩٨٣ إلى جامعة إدنبرة، ويعيش فى لندن منذ اثنين وثلاثين عامًا. فى مساء يوم ١٨ نوفمبر ٢٠١٦، قرر خالد العودة إلى منزله سيرًا على الأقدام من محطة سانت بانكراس، حيث كان يودع حسام، صديقه القديم المتجه إلى باريس.
إن مسيرة خالد، التى تبنى السرد ولا تنتهى إلا بانتهاء الرواية، تقوده من سانت بانكراس إلى مسجد ريجنت بارك المركزى، ومن هناك إلى سوهو، ومن سوهو إلى ميدان سانت جيمس، وأخيرًا إلى شبيردز بوش، حيث عاش فى نفس الشقة الصغيرة المستأجرة طوال حياته فى لندن.
هذا المساء، ينجذب خالد إلى العودة لساحة سانت جيمس، لأنه كان أحد المتظاهرين خارج السفارة عام ١٩٨٤، إلى جانب رجلين ليبيين أصبحا أقرب أصدقائه «أعطوا الرواية عنوانها»، أحدهما حسام، الذى تركه للتو فى سانت بانكراس، والآخر هو زميل طالب من إدنبرة يدعى مصطفى التونى. أثناء سيره، يستذكر خالد تاريخ صداقتهما المثلثة القوية، وتموجات حياتهما، وشكل منفاهما.
أدى وجود خالد فى مظاهرة عام ١٩٨٤ إلى جعل عودته إلى ليبيا مستحيلة. يوضح السرد أنه فى ذلك اليوم من شهر أبريل، أصيب خالد برصاصة فى رئته اليمنى، وأمضى ستة أسابيع يتعافى فى أحد مستشفيات لندن، وتم استجوابه من قبل محققى سكوتلاند يارد، وحصل على حق اللجوء السياسى فى بريطانيا، ودخل المنفى إلى جسده بشكل مصيرى وحاسم، مثل الرصاصة التى أصابته. وحسبما جاء فى «الجارديان»، ففى رواية «أصدقائى» يتجول ليبى منفى فى أنحاء لندن ويتحدث عن شبابه ومتوسط عمره، منذ أيام دراسته فى الثمانينيات حتى سقوط القذافى فى عام ٢٠١١.
وفى كلمة له عن الرواية، قال المؤلف الكولومبى خوان جابرييل فاسكيز إنها «أكثر روايات مطر سياسية»، ولكنها أيضًا تأمل حميم فى الصداقة والحب وكل شىء بينهما.
يتحدث خالد بطل الرواية كيف أن «الريح الليبية التى دفعتنا شمالًا عادت لتجرف أطفالها إلى ديارهم؟». لكن يبدو أنه ليس واحدًا من هؤلاء الأطفال. إنه رجل غير قادر على العودة إلى وطنه، وغير راغب فى كشف الوجود المتناثر والحذر الذى بناه لنفسه فى لندن. ويتأمل ذلك قائلًا: «إن الخط الذى يفصلنى الآن عن ذاتى السابقة، هو الهوة التى لا أزال غير قادر على سدها. لا يمكنك أن تكون شخصين فى وقت واحد».
فكرة الرواية القديمة عاودت الظهور
فى حوار أجرته معه صحيفة «الجارديان»، يقول هشام مطر عن الرواية الجديدة: «منذ سنوات مضت، عندما كنت فى باريس أكتب (بلد الرجال)، كتبت على ظهر ظرف فكرة بسيطة جدًا من سطرين لكتاب عن ثلاثة أصدقاء ذكور ينتهى بهم الأمر فى أماكن مختلفة. بدأت أفكر فى الأمر أكثر فى عامى ٢٠١١ و٢٠١٢ عندما كنت محاطًا بأصدقاء شاركوا بشكل كبير فى (الربيع العربى)، ليس فقط فى ليبيا ولكن فى مصر وتونس. لقد كان من المثير للاهتمام بالنسبة لى أن أرى أن الطريقة التى نتصرف بها فى مثل هذه المواقف قد لا تتعلق بالقناعة السياسية بقدر ما تتعلق بالمزاج الشخصى. أردت استكشاف تلك الفكرة فى رواية، ولكنى كنت بحاجة إلى الوقت والمسافة العاطفية من تلك الأحداث؛ فى ذلك الوقت لم أكن لأتمكن من كتابة مشهد مثل ذلك الذى ورد فى الكتاب عن مقتل القذافى».
وردًا على سؤال: «حدث إطلاق النار عام ١٩٨٤ على مظاهرة السفارة الليبية فى لندن هو مفتاح الحبكة، وكان عمرك ١٣ عامًا حينها. هل جعل ذلك من الصعب الكتابة عنه؟»، قال مطر: لقد شعرت دائمًا أننى قريب من هذا الحدث، رأيته فى نشرة الأخبار أثناء إقامتى فى القاهرة، وقد ترك أثرًا عميقًا فى نفسى. لم أنس أبدًا منظر الشباب الليبيين المُلثمين وهم يتلوون على المدرج. أتذكر أننى سمعت أحدهم ينادى على والدته، وبعد خمس سنوات، أثناء دراستى فى لندن، أصبحت صديقًا لنفس الرجل، ولم أكن أعرف لفترة طويلة أنه كان هناك. وأصيب صديق آخر «التقى به مطر لاحقًا» فى ذلك اليوم. واستطرد: «لا أذكر أننى جلست معهم يومًا وقلت لهم: أخبرونى كيف كان الأمر. لكن على مدى ٣٥ أو ٤٠ عامًا من معرفة شخص ما، يمكنك جمع أجزاء من المعلومات الأكثر أهمية. كنت قلقًا بشأن جعل الأشخاص الذين أعرفهم يشعرون بأننى أستحوذ على تجربتهم، لكن هذا هو ما أراد الكتاب أن يصل إليه».