في ظلال النبوة.. مكة قبل مولد الرسول وزواجه من السيدة خديجة
يختلف المؤرخون حول أصل تسمية مكة ويقول البعض إن الاسم مشتق من الكعبة "مكرب" وتعني الهيكل المقدس.
وقد سميت "أم القرى" في سورة الأنعام ، وسميت "البلد الأمين في سورة التين وسميت "البيت العتيق" في سورة الحج وسميت "البيت الحرام" في سورة إبراهيم
كانت معظم قبائل العرب تعبد الأوثان التي يصنعونها بأنفسهم وكانت التجارة داخل مكة بين أهلها من قريش وكان أهلها يعانون ضيق الرزق لأنه لا توجد زراعة ولكن في أواخر القرن السادس الميلادي قام زعيمهم هاشم بن عبد مناف بأول الرحلات التجارية خارج قريش فكانت رحلة الشتاء إلى اليمن والحبشة ورحلة الصيف إلى الشام.
كان "عبد الله بن المطلب" أبو النبي - صلى الله عليه وسلم – في الرابعة والعشرين من عمره عندما تزوج السيدة "آمنة بنت وهب" من أشراف مكة، ولم يقم عبد الله مع زوجته آمنة كثيرًا فقد خرج في تجارة إلى الشام وتركها حاملًا وفي طريق العودة دخل يثرب ليستريح عند أخواله ولكنه مرض وتوفي وهو في السادسة والعشرين من عمره ودفن في يثرب.
توفي والد الرسول - صلى الله عليه وسلم – في يثرب وزوجته السيدة آمنة حامل في مكة بالرسول - صلى الله عليه وسلم – وولد الرسول - صلى الله عليه وسلم – في العام نفسه الذي كان فيه أبرهة الأشرم يحكم اليمن تابعًا للنجاشي ملك الحبشة، في ذلك العام سار أبرهة الأشرف بجيش كبير لهدم الكعبة ولكن محاولته باءت بالفشل
ولد الرسول - صلى الله عليه وسلم – في يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام 570 م في قبيلة قريش، وسميت قبيلة قريش بمعني التقرش أي التكسب والتجارة
ولد محمد عليه الصلاة والسلام بدار جده عبد المطلب وقد أرضعته السيدة حليمة السعدية لمدة سنتين وفي السادسة من عمره خرجت به أمه لتزور أخواله في يثرب وليزور قبر.
وبعد شهر منذ زيارته - صلى الله عليه وسلم – ليثرب رجعت أمه إلى مكة ولكنها في منتصف الطريق إلى مكة أصابها المرض وماتت في عام 576م، وأصبح منذ هذه اللحظة الرسول - صل الله عليه وسلم – يتيم الأبوين وضمه جده عبد المطلب إلى رعايته حتى بلغ الثامنة من عمره فكلفه عمه أبو طالب بعد موت جده تنفيذًا لوصية جده عندما حضرته الوفاة.
بدء الرسول الكريم حياته برعي الأغنام في بني سعد مع إخوته من الرضاعة ثم رعاها في مكة،وعندما بلغ مبلغ الشباب عمل بالتجارة ولقب بالصادق الأمين
كانت خديجة ترسل الرجال في تجارتها إلى الشام واليمن وكانت دائمة التدقيق فيمن تختاره فلما بلغها من صدق حديث محمد بن عبد الله وعظم أمانته وكرم أخلاقه، تذكرت عندما كانت تجلس مع نساء أهل مكة يوم اجتمعن في عيد لهنَّ ، فتمثل لهن رجل فلما قرب نادى بأعلى صوته: يا نساء تيماء إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد يبعث برسالة الله فأيما امرأة استطاعت أن تكون زوجًا له فلتفعل، فأرسلت إلى محمد بن عبد الله تطلب منه أن يعمل في تجارتها ، وقالت : أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلًا من قومك.
فخرج مع غلام خديجة ميسرة، وأوصته أن يقوم على خدمته وألا يخالف له أمرًا وأن يرصد لها أحواله، فلما قدما "بصرى" من الشام، نزلا في ظل شجرة، فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ قال ميسرة: نعم لا تفارقه، قال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء ثم قال لميسرة: هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتًا في كتبهم.
وكان ميسرة إذا اشتد الحر يرى ملكين يظلان الرسول من الشمس، وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة، فكان كأنه عبد له، وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون،ودخل محمد مكة في ساعة الظهيرة فاخبر السيدة خديجة بما ربحوا في التجارة فسرت بذلك كثيرًا ، ثم دخل عليها ميسرة فأخبرها بما قال الراهب نسطور.
عندما عزمت السيدة خديجة على الزواج من محمد بن عبد الله بارك ورقة بن نوفل الزواج وتحمس له وكان حريصًا على حضور مجلس العقد.
كانت خديجة أول امرأة يتزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم – في حياته وأنجب منها ستة أبناء: أربعة بنات هن زينب أكبرهن وتزوجت من أبي العاصي بن الربيع وهو ابن خالتها، ورقية وأم كلثوم فقد تزوجتا من عبتة وعتيبة ابني عم الرسول وهما أخان، أمرهما والدهما أبو لهب بتسريحهما بعد إسلامهما فتزوجهما عثمان بن عفان الواحدة بعد الأخرى، فتزوج رقية أولًا وبعد وفاتها تزوج أم كلثوم ولذلك سمي بذي النورين، وفاطمة تزوجت من ابن عمها علي بن طالب وبذلك تزوجت بناته الأربعة في حياته، كما رزقه الله بولدان هما القاسم وعبد الله ولقبه الطاهر ولحكمة إلهية توفى أبناؤه الذكور وهما في حجر أمهما خديجة ولم يتبق له إلا أربع بنات.
كانت خديجة أول من علم بالسر الإلهي بعد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بعدما نزل جبريل بوحي على الرسول، وقد هدأت خديجة من الرهبة والخوف في نفس الرسول الكريم، وقالت له "الله يرعانا يا أبا القاسم، أبشر، واثبت فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل أي تجبر الضعيف وتكرم الضيف وتعين على نوائب الحق".
ومن شدة حب السيدة خديجة لزوجها وحب الرسول عليه الصلاة والسلام لها أنها قد وضعت كل ثروتها في خدمة الدعوة، وقد كانت أول من آمن بالإسلام من النساء وكذلك فعل أبو بكر الصديق فقد وضع كل ثروته التي يقدرها البعض بأربعين ألف درهم وترك تجارته من أجل الدعوة وكان أول الرجال الذي آمنوا بالإسلام.
كان زواج الرسول – صلى الله عليه وسلم – من السيدة خديجة له حكمة وهو في الخامسة والعشرين وهي في الأربعين رغم أن ذلك مخالف للمألوف ولكن هدف الزواج من السيدة خديجة لم يكن لمجرد المتعة، فلم يكن زواجًا عاديًا بل كان زواجًا أعده الله بترتيبه ليخلق السكينة والهدوء النفسي والاستقرار للرسول عليه السلام في الفترة الانتقالية التي سوف يمر بها من بشرية عادية إلى بشرية تتلقى الوحي من الله.
وهذا التغير الكبير في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يحتاج إلى زوجة لها نضج عقلي وحكمة حتى لا تزعج الرسول في تلك الفترة، فلو كانت زوجته فتاة صغيرة لما قبلت اعتكافه الدائم بالغار ولم يكن عقلها يستوعب عودته من الغار وهو يرتجف بعد نزول الوحي.
لقد كانت خديجة نعم الصدر الحنون للرسول والعقل الناضج في استيعاب ما يحدث حولهاوقد عاشت السيدة خديجة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم – لمدة أربعة وعشرين عامًا لأنها تزوجت منه عام 595م وتوفيت في عام 619م لم يتزوج عليها وعاش معها وفيًا مخلصًا حتى آخر يوم في حياتها.
وحتى بعد وفاتها كان الرسول - صلى الله عليه وسلم – يذكرها بالثناء والعرفان بالجميل، فقد قال فيها: "لا والله ما أبدلني الله خيرًا منها، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذا كذبني الناس، وواستني بمالها إذا حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء".، وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – إذا ذبح الشاه يقول: "أرسلوا إلى أصدقاء خديجة" ، فقالت عائشة لقد ذكرت ذلك للرسول – صلى الله عليه وسلم – فقال: "إني أحب حبيبها"
وروى أبو هريرة: «قال رسول الله: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية ابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد»
وأتى جبريل عليه السلام إلى النبي مرة فقال: «يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها عزّ وجل ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نَصَب».