أستاذ قانون دولي لـ"الدستور": إسرائيل تواجه قرارات حازمة وإلزامية من محكمة العدل الدولية
تستعد إسرائيل في الوقت الحالي لمواجهة قانونية داخل محكمة العدل الدولية بعد رفع جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضدها تتهمها فيها بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق مواطني غزة.
وأعلنت عدد من الدول من بينها الأردن وجيبوتي وبوليفيا دعمها للدعوى وتجهيزها للحجج القانونية اللازمة.
كما أعلنت ألمانيا استخدام حقها في التدخل كطرف ثالث في القضية المقامة في لاهاي والتي تُتهَم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 حيث أنه يحق لأي دولة موقعة على المعاهدة التدخل في المحاكمة.
لكن ماذا يعني هذا الأمر؟ وما هو المتوقع في هذه المحاكمة؟
قرارات قضائية واستشارية
أجاب الدكتور أيمن سلامة - أستاذ القانون الدولي - على هذه الأسئلة لـ"الدستور"، حيث قال إن محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي لمنظمة الأمم المتحدة وتُعنى بالفصل في النزاعات القانونية بين الدول أعضاء منظمة الأمم المتحدة وكافة الدول الأعضاء فيها هُم أيضًا أعضاء في محكمة العدل الدولية. ولذلك فعدد أعضاء محكمة العدل الدولية 193 دولة.
وأضاف أن محكمة العدل الدولية تتولى مسئولية الفصل في النزاعات القانونية بين الدول سواء تفسير أو تنفيذ المعاهدات الدولية مثل الحالة أو القضية القائمة التي رفعتها جنوب أفريقيا بمذكرتها القانونية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بوصف الدولتين عضوتان بها.
وأشار "سلامة" إلى أن جنوب أفريقيا تدعي على إسرائيل بأنها انتهكت الالتزامات والواجبات الدولية بوصفها طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع والعقاب على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية التي صدرت عن الأمم المتحدة في 9 ديسمبر عام 1948.
وأكدت جنوب أفريقيا للمحكمة أن هناك نزاع بينها وبين إسرائيل حول تنفيذ هذه الاتفاقية وأرفقت أدلة موضوعية تثبت هذا النزاع حول تنفيذ الاتفاقية، ومن ثم فإن محكمة العدل الدولية "معنية" بموجب الاتفاقية ذاتها بالفصل في هذا النزاع.
وأوضح أستاذ القانون الدولي أن لمحكمة العدل الدولية اختصاص آخر بجانب اختصاصها القضائي وهو اختصاص استشاري بأن تقوم المحكمة بإصدار أراءها الاستشارية بناءً على طلب المنظمات والهيئات الرئيسية بمنظمات الأمم المتحدة سواء جمعية الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو منظمة الصحة العالمية وغيرهم.
قرارات إلزامية بشأن الإبادة الجماعية خلال شهرين
وأكد “سلامة” لـ"الدستور" أن قرارات محكمة العدل الدولية "إلزامية" على طرفي النزاع (إسرائيل وجنوب إفريقيا) ومن ثم يجب على طرفي النزاع تنفيذها. ويترقب العالم اليوم موقف محكمة العدل الدولية من إصدار القرارات أو الأوامر التي تتضمن تدابير احترازية مؤقتة طالبت بها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل وعددها 9 تدابير أهمها وقف إطلاق النار في غزة وامتناع إسرائيل عن إخضاع الجماعة الفلسطينية في غزة لظروف معيشية غير "طبيعية" تحيل دون استمرار حياتهم بشكل طبيعي (وهو ما يًعد شكل من أشكال الإبادة الجماعية الخمسة التي وردت في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع والعقاب على جريمة الإبادة الجماعية) وأيضًا ضمان توصيل المساعدات الإنسانية والطبية الكافية للقطاع.
وتابع الدكتور أيمن سلامة حديثه قائلًا أن الأوامر مثلها مثل الأحكام القضائية ولكن الأحكام القضائية تستغرق من 5 إلى 7 سنوات أمام محكمة العدل الدولية، أما الأوامر القضائية التي تصدرها المحكمة تتم خلال مدة قصيرة لا تتجاوز الشهرين. كما أنها أيضًا "إلزامية".
هل محكمة العدل الدولية ستلبي كافة طلبات جنوب إفريقيا؟
وأشار الدكتور أيمن سلامة إلى أن لمحكمة العدل الدولية الحق في تلبية الـ9 طلبات التي قدمتها جنوب إفريقيا كاملة أو جزءًا منها أو رفضها بالكامل في حال أصدرت المحكمة قرارها بأنها غير مختصة بالفصل في ذلك النزاع "وهذا أمر مُستبعًد في هذه القضية".
وتابع (سلامة) حديثه بقول أن قرار تدخل ألمانيا في القضية مع إسرائيل ضد جنوب إفريقيا بموجب المادة 63 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والتي تسمح للدول الأعضاء في محكمة العدل الولية (دولة أو أكثر) بالتدخل في الدعوى السارية أمام محكمة العدل الدولية "وذلك التدخل يكون لمصلحة أيًا من أطراف النزاع داخل المحكمة" يمكن أن يُطيل فترة قرار اتخاذ محكمة العدل الدولية أوامرها بالتدابير المطلوبة.
وأضاف أستاذ القانون الدولي أنه يحق لجنوب أفريقيا أن ترفض التدخل في النزاع أمام المحكمة "وهو ما لم تعلنه حتى الآن". ولكن القول الفصل في هذا الشأن يكون لمحكمة العدل الدولية وهنا يجب على ألمانيا بوصفها دولة مُتدخلة في القضية أن تقديم للمحكمة الحيثيات المؤيدة لتدخلها في الدعوى السارية، وتمتلك المحكمة معايير واعتبارات لقبول هذا التدخل أم لا.
وأكد “سلامة” أن محكمة العدل الدولية مستقلة ومحايدة وكافة الشائعات التي تدور حول الميول السياسية لأعضائها ليس له أساس من الصحة.
ماذا لو لم تنفذ إسرائيل الأوامر القانونية؟
أوضح (سلامة) أنه إذا أصدر محكمة العدل الدولية أوامر قضائية في غضون أسابيع قليلة ولم تنفذ إسرائيل، فهذا لا يعني أن تتراجع المحكمة عن هذه الأوامر وأن هذه الأوامر صدرت ضد دولة ترى المحكمة أنها ترتكب أفعال ترقى لجريمة الإبادة الجماعية وسُجلت هذه الأوامر التي لم تنفذها إسرائيل في مضبطة محكمة العدل الدولية (الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة) وكافة الدول والمنظمات ستدركها والمحكمة فور إصدارها هذه الأوامر تُخطر مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة وكافة الدول الأعضاء للأمم المتحدة لخطورة وإلحاحية وضرورة هذه الأوامر بالتدابير الاحترازية المؤقتة (المستعجل) لحماية الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وأيضًا لحماية دولة جنوب أفريقيا وحماية حقوقها بوصفها الدولة المدعية في محكمة العدل الدولية.
فحينما طلبت جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية اتخاذ أوامر ضد إسرائيل فهناك باعثين، الباعث الأول هو حماية الجماعة الفلسطينية باعتبارها جماعة عنصرية وعرقية وقومية (الوصف الذي كتبته جنوب إفريقيا في الدعوى القضائية)، والباعث الثاني هو حماية الدولة المُدعية وهي جنوب إفريقيا لحين الفصل في القضية "ربما بعد سنوات".
وأضاف أستاذ القانون الدولي أن هناك دول بالفعل نفذت أوامر محكمة العدل الدولية في قضايا كانت طرفًا بها مثل دولة ميانمار الأسيوية التي مازالت قضيتها سارية حتى الآن حيث طلبت الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا (جامبيا) التي ادعت على ميانمار بأنها ترتكب جريمة الإبادة الجماعية بحق جماعة (الروهينجيا) المسلمة. وبالفعل نفذت ميانمار "بعض" التدابير التحفُظية التي أمرت بها محكمة العدل الدولية.
كما أن هناك دولًا أخرى غير ديمقراطية وتمتهن القانون الدولي ولا تلتزم بمبادئ منظمة الأمم المتحدة ولا الأوامر القضائية لمحكمة العدل الدولية وترفض إنفاذ العدالة الدولية مثلما حدث مرارًا وتكرارً من جانب إسرائيل تجاه كافة القرارات الدولية التي تصدر عن الأمم المتحدة.
ما هو الحكم الذي يمكن أن تتخذه محكمة العدل الدولية تجاه إسرائيل بعد سنوات؟
أجاب الدكتور أيمن سلامة عن هذا السؤال قائلًا أن الحكم الذي يمكن أن تتخذه محكمة العدل الدولية تجاه إسرائيل بعد سنوات يمكن أن يكون "إدانة إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والتعويض" لجنوب إفريقيا كدولة مُدعية وليس لفلسطين لأن فلسطين ليس لها الحق في رفع دعوة أمام محكمة العدل الدولية لأنها ليست من الدول الأعضاء. مع العلم، أن محكمة العدل الدولية لا تحدد قيمة معينة للتعويض.
"ويتم ذلك بعد إثبات القصد الخاص في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية من المحكمة أو من أي لجنة تحقيق دولية وهو الأمر الذي يعد غير يسير خاصة إذا ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية "أثناء الحرب" لذلك، تقول إسرائيل الآن أنها لا تقوم بإبادة جماعية بل أنها تدافع عن نفسها في الحرب."
وأنهى “سلامة” حديثه قائلًا أنه لكي تفحص المحكمة في هذه المسألة فهي لا تفحص في عدد الضحايا ولا تصريحات إسرائيل ولا التدمير، بل إنها تفحص في نية خاصة "قصد خاص" لإسرائيل في استهداف جزء (يمكن أن يكون شخص واحد فقط) من الفلسطينيين رغبة منها في إبادة جماعية لهم، وهو الأمر الذي تنقب عليه المحكمة مثلما يتم التنقيب عن الذهب وسط "التراب".