عودة فؤاد المهندس!
كنت أشاهد مسلسل «حالة خاصة» حين قلت لنفسى إن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية نجحت فى إحياء فؤاد المهندس! وما أقصده هنا ليس الشخص ولكن النموذج الفنى الراقى، لقد تبنت المتحدة منذ سنوات مفهومًا جديدًا للدراما عمومًا، وللكوميديا خصوصًا، ودفعت إلى الساحة بمجموعة من الفنانين الموهوبين الذين يقدمون كوميديا تعبر عن المصرى العادى.. ابن الطبقة الوسطى صاحبة القيم.. كما كان يفعل فؤاد المهندس ومن قبله أستاذه نجيب الريحانى الشهير بـ«حمام أفندى».. وهكذا رأينا ميلاد فنانين مثقفين، تبنتهم الشركة المتحدة، ومنحتهم فرصة البطولة، بعد أن كانوا يكافحون لمجرد البقاء والتواجد، ولأنهم فنانون واعون ومكتملون فنيًا فسرعان ما قدموا زملاء أصغر لهم، تبنتهم الشركة المتحدة أيضًا كمنتج ماهر وقدمت لهم أعمالًا مستقلة، أثبتوا نجاحهم فيها، لتحظى مصر بجيل جديد من فنانى الكوميديا الراقية خلال خمس سنوات تولت فيها المتحدة زمام الإنتاج.. بعد طول تسيد لكوميديا «العاهات» و«إفيهات السرسجية» التى كانت تقدم على أنها مسرح مصر أو على أنها المسرح فى مصر، وهكذا دفعت المتحدة بفنانين موهوبين مثل أحمد أمين وهو كاتب فى الأساس وفنان متعدد المواهب، ظهر كبطل بعد عام من مشاركته لموهوب آخر هو أكرم حسنى فى مسلسل الوصية.. لتقدم لنا الشركة المتحدة موهوبين يقدمان كوميديا مختلفة.. تعبر عن المصرى العادى ابن الطبقة الوسطى، الذى يفكر فيما حوله بطريقة نقدية ساخرة فيتولد الضحك من المفارقة لا من الابتذال ولا الإسفاف.. وخلال عامين اثنين قدمت المتحدة الجيل الثانى من أحفاد فؤاد المهندس، وهما الموهوبان عصام عمر بطل مسلسل بالطو، وطه الدسوقى بطل مسلسل حالة خاصة الذى يحقق نجاحًا كبيرًا هذه الأيام، وإذا صدق توقعى فإن المتحدة ستقدم مزيدًا من المواهب الشابة فى قادم الأيام.. على المستوى الاجتماعى اشتركت كل الأعمال الكوميدية التى قدمتها الشركة فى تيمة البطل النبيل، العادى، الذى تكمن بطولته فى عاديته، وربما فى ضعفه وصدقه أيضًا كما نرى فى مسلسل حالة خاصة مثلًا، ولا شك أن هذا النهج الإنتاجى للشركة المتحدة يستحق التحية، لأنه يكشف عن عقلية إنتاجية راقية لا تتعامل مع المنتج على أنه حقيبة نقود ولكنه صاحب رؤية وواجب تجاه مجتمعه، وقد كان هذا حال منتجينا الرواد حتى السبعينيات من آسيا داغر، ومارى كوين، وعزيزة أمير، حتى رمسيس نجيب ويوسف شاهين الذى كان منتجًا ماهرًا كما هو مخرج عظيم.. وقد تدهور الحال بعد ذلك من ناحية ثقافة المنتجين.. حيث دخل بعض الجهلاء إلى مجال الفن، وأذكر أن مجلة صباح الخير نشرت فى التسعينيات تحقيقًا عن تسلل تجار الخيش والمعسل إلى حقل الإنتاج السينمائى «كان ذلك أمرًا غريبًا وقتها»! وكان التفسير أن بعض الجهلاء من أصحاب الثروة يريدون تعويض نقص ما لديهم، بإقامة العلاقات مع مشاهير الفنانين، أو التقرب منهم، أو حشدهم فى حفلات يقيمونها لكى ينالوا بعضًا من شهرتهم، ولما كانوا يفتقرون الثقافة اللازمة لتحقيق ذلك، لم يجدوا أمامهم سوى إغراء الفنانين بالأجور المرتفعة حتى يقبلوا العمل معهم والتواجد فى دوائرهم، وكان من الطبيعى أن تجد تاجر خيش يدفع للنجم أجرًا أكثر من الذى يدفعه يوسف شاهين كى يغريه أن يلعب بطولة فيلمه ويترك فيلمًا ينتجه يوسف شاهين، والحقيقة أن الأغبياء فقط هم الذين قبلوا عروض تجار الخيش، والأذكياء هم الذين قبلوا عروض يوسف شاهين ومحمد خان وعاطف الطيب، لأن الخلود الحقيقى للفن وليس لأى شىء آخر، وأظن أن الفنانين الذين قدمتهم الشركة المتحدة فى السنوات الست الأخيرة من نوعية الفنانين الذين قبلوا عروض يوسف شاهين ورفضوا عروض تاجر الخيش الذى اختفى بعد فترة هو والأفلام التى أنتجها.. كانت هذه تحية واجبة لفنانين ساهموا فى إسعاد عشرات الملايين فى السنوات الماضية دون إسفاف أو إساءة، وللعقلية الواعية والوطنية التى أحيت نموذج الفنان ابن الطبقة الوسطى المصرية بقيمها العريقة والشريفة والمحرضة على الحياة.. وهذا هو جوهر الفن الحقيقى.. لا أى شىء آخر.