100 يوم صدق.. 100 يوم كذب
كانت بدايةُ المائة يوم انتصارًا وشموخًا ودهشة.. سنتذكر جميعًا هذا اليوم كثيرًا، فقد كان السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.. حيث الأخبار الواردة فى بداية النهار تقول إن مقاتلى حماس هاجموا إسرائيل فى غزة، واستولوا على ٣ قرى وأخرجوا المستوطنين منها وأسروهم.. وملأت التكبيرات والتهليلات سماء الفضاء الإلكترونى، وشاشات الفضائيات فى مصر وبعض الدول العربية.. كان يومًا مبهجًا، وما زال، ولكن ما حدث بعده من انتقام شرس للمحتل الإسرائيلى ضد أهلنا فى القطاع الذى تجاوز الآن المائة يوم، جعل البعض فى حيرة وارتباك حيال ما حدث فى ٧ أكتوبر، البعض تبدلت مشاعرة حيال هذا الأمر، خاصة أن المائة يوم تمتلئ بمشاهد موجعة تدمى القلوب وتذهب بالعقول ولا يمكن أن يتحملها الضمير الإنسانى.
هناك من ظل على رأيه.. بأنه يوم عظيم والحرية تحتاج إلى التضحيات، وأنه من الطبيعى لأى شعب محتلة أرضه أن يناضل من أجل تحريرها واستعادتها، وأن هذا دور المقاومة فى أى بلد يعانى الاحتلال على مر التاريخ، كما أن ما حدث قفز بالقضية من جديد إلى السطح، بعد أن خمدت وتراجعت سنوات وأصبح لا ذكر لها لا من قريب ولا من بعيد.
ومن المحزن حقًا أن الجيل الجديد من المراهقين وشباب العشرينيات كانوا يجهلون تمامًا ما حدث ويحدث فى فلسطين، ولا يعلمون شيئًا عن القضية، ولكن فى مائة يوم فقط أصبحت القضية الفلسطينية على لسان الجميع، الصغير قبل الكبير يدرك الآن ما يحدث منذ عام ١٩٤٨، وحتى يومنا هذا، فقد فرض هجوم حماس قضية فلسطين على سطح الأحداث اليومية، والإقليمية، بل والعالمية.
كما أن الهجوم بالفعل أوقف قطار التطبيع الغريب المريب، وحتى البلدان المطبعة أصبحت فى حرج بالغ، ووضعت الحكومات المطبعة فى موقف ضعيف وبائس أمام قطاع كبير من شعوبها التى يوجعها كل يوم المشاهد فى غزة.. وقام الهجوم المفاجئ أيضًا بتعرية إسرائيل من جديد أمام العالم وأمام شعبها، وهى التى تصدر دائمًا أنها قوة لا تقهر، فقد كان الهجوم كاشفًا عن ضعف وهشاشة وفشل الجيش والأجهزة الأمنية والاستخباراتية لدولة العدو الصهيونى.
وأما بالنظر إلى من تبدلت مشاعرهم تجاه يوم ٧ أكتوبر.. فهو ليس عن عدم إيمان بالقضية الفلسطينية التى هى قضية كل العرب، ولكن كما قلت بسبب ما حدث للشعب الفلسطينى من أهوال وأوجاع، فقد طال التدمير كل شىء، البشر والحجر، وأصبح قطاع غزة مجرد أطلال مدينة كانت.. وشعب كان.. يعيش هنا.
وكان مشهد واحد مثلما حدث فى المستشفى المعمدانى كافيًا لتبديل الآراء وتغيير المشاعر، برفض ما فعلته حماس لأنه جلب الدمار لشعب فلسطين، حيث يرى هذا الفريق أن حماس لم تضع هذا الشعب فى حساباتها وهى تخطط للهجوم، لم تستعد لتأمين الناس من انتقام إسرائيل، بل إنها ضحت بهم وبأمانهم واستقرارهم دون أخذ حتى رأيهم، كما أن قادة حماس المخططون للهجوم لم يؤّمنوا الطعام والشراب والعلاجات والأدوية للأهالى حال تعرضهم للحصار والأذى، مثلما قاموا بتأمين الأسلحة وأماكن احتجاز الأسرى والرهائن فى الأنفاق، مشاهد الأطفال الشهداء والمصابين، ومعهم النساء والرجال والشباب والعجائز والزملاء الصحفيون، ومعها طول الحصار الذى خلق التجويع والأوبئة والتشرد لمن هم على قيد الحياة، وكل منهم مرشح أن يكون شهيد الغد- كل ذلك جعل البعض غاضبًا مما فعلته حماس.
ولكن صمود الشعب الفلسطينى هو تاريخ جديد يكتب عن القضية الفلسطينية.. أكثر من مائة يوم ويناضل الفلسطينيون من أجل التمسك بأرضهم وحياتهم، يرفضون التهجير سواء إلى مصر أو الأردن، لأنهم يعلمون أنه يعنى موت قضيتهم للأبد.
أما عن الدور المصرى، فإن أى شخص ينكر ما تفعله مصر، سواء عن عمد أو عن سوء فهم، فهو لا يغرد فقط خارج السرب، بل هو يساند العدو الإسرائيلى الذى لا يكف عن إطلاق الكذب والشائعات عن مصر، ١٠٠ يوم وأكثر كلها أكاذيب صهيونية ضد مصر التى تفتح المعبر من جهتها وتدخل المساعدات وتتخذ أقوى موقف إقليمى ودولى لنصرة القضية الفلسطينية منذ النكبة عام ١٩٤٨ حتى الآن.
لم تتخاذل مصر، ولم تمسك العصا من النصف، بل إن الموقف واضح تمامًا سواء على مستوى القيادة أو الشعب، ولمن يفكر قليلًا يعلم أن هذا هو سبب الأكاذيب والضلالات التى يرددها الكيان الصهيونى الذى يستهدف مصر الآن بالشائعات، وآخرها ما تتحدث عنه تقارير إعلامية إسرائيلية عن موافقة مصر على مقترح إسرائيلى يسمح لإسرائيل باحتلال محور صلاح الدين «فيلادلفيا» مقابل إشراك السلطة الفلسطينية فى خطة اليوم التالى للحرب، وهو ما نفته مصادر مصرية رفيعة المستوى التى أكدت أن هذه الأكاذيب الإسرائيلية أصبحت طقسًا يوميًا يستهدف صرف الانتباه عن المواقف المصرية المعلنة بضرورة الوقف الفورى لهذا العدوان، ويبدو أن إسرائيل أصبحت أكاذيبها ضد مصر عرضًا مستمرًا، من جهة انتقامًا من مصر لمساندة الشعب الفلسطينى وإجهاض مخطط التهجير إلى سيناء، ومن جهة أخرى للتغطية على مذابحها فى غزة التى أصبح العالم كله يلومها وينتقدها بسببها، كما أن إسرائيل بدأت فى فقدان مظلوميتها المزمنة وسحبت غزة التعاطف منها، وتمثل ذلك فى تغيير مواقف ولهجة بعض دول العالم مع دولة الاحتلال، وحتى الداخل الإسرائيلى أصبح يغلى على صفيح ملتهب، بسبب طول الحرب التى تؤثر اقتصاديًا على الناس وفى نفس الوقت الهدف منها غير واضح مع تأخر استرجاع الرهائن، ووصل الأمر إلى رفض الشباب التجنيد فى الجيش لعدم الاشتراك بمذابح غزة التى قال بعضهم لوسائل إعلام بريطانية وأمريكية إنه لا يوجد مبرر لما يحدث فى غزة.
مصر هى السند الحقيقى ليس للقضية الفلسطينية فقط، ولكن للعرب جميعًا، هذا هو الصدق، هو الحق والحقيقة.. أما إسرائيل فهى الكذب بعينه، فهى الدولة الكاذبة منذ بدايتها وعلى مر التاريخ.