فى قلب الحرب
سألت نفسى عن الفارق بين حروب العالم فى الماضى والحاضر، فوجدت أن الفروق كبيرة جدًا، والدليل أننا فى قلب الحرب العالمية الثالثة ولا نشعر بالحرب.. فى الماضى كانت الحروب تتخذ أشكالًا مسرحية.. تصاعدًا يفضى إلى انفجار.. اجتماعات ومحاور ومواقف معلنة.. تحتل ألمانيا بولندا مثلًا، فيخرج رئيس وزراء بريطانيا ليعلن الحرب.. وكأن العالم يشاهد مسرحية تتوالى فصولها واضحة وجلية ومعلنة، جيوش تتحرك، وطائرات تطير، وتحالفات تعقد، ومحاور يتم إعلانها، فى صباح كل يوم ينتظر الجمهور العالمى مشهدًا جديدًا، أو حلقة تليفزيونية جديدة على خلفية موسيقية صاخبة.. الآن اختلف الأمر.. لم يعد من المهم المقدمة الصاخبة للحرب، ولا الموسيقى التصويرية الزاعقة، ولا أن يعلن الممثلون عن أدوارهم بصوت جهورى يُشبه صوت الراحل العظيم يوسف وهبى على المسرح.. نحن الآن فى عالم ما بعد الحداثة.. حيث يشارك المواطن فى الحرب دون أن يعرف، ويدفع ثمنها دون أن يدرى.. منذ مائة يوم ويزيد يشن الجيش الصهيونى غارات غير مسبوقة عالميًا على قطاع غزة، ويَسقط من الضحايا المدنيين يوميًا عددٌ لم يسقط منذ الحرب العالمية الثانية، والغرب يحاول أن يمرر ما يحدث على أنه أمر عادى، وبعد قليل بدأ يقول إن الأمر ليس عاديًا جدًا ويستحق الاعتراض عليه، ثم بدأ يقول إنه يستحق الاعتراض عليه جدًا.. لكن لا يمكن إيقافه.. والقصف بهذه الوحشية بلا شك مشهد من مشاهد الحرب الثالثة.. قبلها حدثت عملية ٧ أكتوبر النوعية، وهى بكل تأكيد غير مسبوقة فى تكتيكها والإمكانات التى استندت لها وقدرتها على الاختراق والتمويه، ولا شك أن العملية نفسها كانت أحد مشاهد الحرب الثالثة، وإن كانت ليس مشهد البداية فيها.. قبلها وفى شرق أوروبا كانت تغزل فصول من عملية تحويل أوكرانيا من حليف لروسيا لعدو لها.. ثم جر العالم كله لحرب روسية- أوكرانية من خلال إجراءات حصار معقدة لم تضر أحدًا بقدر ما ضرت العالم الثالث، قبلها كانت مواجهات عض الأصابع واستفزاز الصين فى تايوان، وكان آخر تجليات الحرب فى الشرق الأوسط صفقات التطبيع بين دول الثروة العربية وإسرائيل مع إخفاء قضية فلسطين «تحت السجادة» ريثما ينتهى حفل التطبيع، وفى الكواليس كان ممر الهند- إسرائيل يقدم كهدية الحفل بتمويل خليجى ورعاية أمريكية.. لا تتوقف الحرائق الصامتة، وآخرها هجوم إيران الصاروخى على أهداف معادية لها فى سوريا والعراق وباكستان على خلفية تفجيرات شهدتها مدينة كرمان وأدت لسقوط عشرات الضحايا، باكستان، وهى دولة إسلامية سُنية ذات جيش كبير وتحالف استراتيجى مع الولايات المتحدة، ردت بهجوم على أهداف إيرانية واتهمت إيران بإيواء عناصر معادية، وكان هناك شيطان استراتيجى فكر أن تكون الحرب إسلامية- إسلامية أو سُنية- شيعية؛ حتى يزداد المسلمون فرقةً وضعفًا وتناحرًا وتنتفى فكرة اصطفاف المسلمين خلف قضية فلسطين، أو تحرم إيران من أى تعاطف من العالم الإسلامى السنى إذا خاضت المعركة فى مواجهة إسرائيل.. فى البحر الأحمر مشهد من مشاهد الحرب، حيث يتم استهداف السفن المتوجهة إلى قناة السويس وتتأثر إيرادات مصر من العملة الصعبة بدرجة كبيرة، لكن ذلك لا يمنعها من إبداء القلق تجاه التواجد العسكرى الغربى والاعتداء على شعب عربى شقيق.. خلف كل هذه المشاهد يكمن الشيطان الإسرائيلى أو حكومة الحرب الإسرائيلية.. يمكن القول إن إيقاف العدوان على غزة يمكن أن ينزع فتيل الحرب العالمية الثالثة أو يمنع انفجارها.. لأنها بدأت وستستمر بالفعل، ونحن ندفع الثمن.