حماس وإسرائيل.. والتمويل!
الاتهام القديم، المتكرر والمتجدد، كرّره أو جدّده جوزيب بوريل، مسئول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، الذى اتهم الحكومة الإسرائيلية بأنها «قامت بتمويل حركة حماس فى محاولة لإضعاف السلطة الفلسطينية التى تقودها حركة فتح». والأكثر من ذلك، هو أن ممثل الدبلوماسية الأوروبية قال، فى الخطاب نفسه، الذى ألقاه، أمس السبت، خلال حصوله على الدكتوراه الفخرية من جامعة «فايادوليد» الإسبانية، إن استمرار إسرائيل رفض حل الدولتين يجعله يصرّ على أنها «هى التى أسست حماس بنفسها»!
بعد اتهامه بالفشل فى توقع أو منع هجمات السابع من أكتوبر، تجدّدت الاتهامات الموجهة إلى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، بتمكين حركة حماس عمدًا، طوال عقود، كجزء من استراتيجيته لتقويض حل الدولتين. وهو، كما قلنا، اتهام قديم، تناولته وسائل إعلام أمريكية وبريطانية وإسرائيلية وعربية عديدة، من بينها، مثلًا، شبكة «سى بى سى نيوز» الأمريكية، التى نشرت تقريرًا طويلًا، أواخر أكتوبر الماضى، عنوانه «كيف عادت سياسة نتنياهو تجاه حماس لتطارده وتطارد إسرائيل؟»، نقلت فيه عن ميراف زونسزين، عضو «مجموعة الأزمات الدولية»، أن «حماس ونتنياهو يوفران لبعضهما البعض وسيلة لمواصلة استخدام القوة، بدلًا من تقديم التنازلات للتوصل إلى نوع من الحل».
العلاقة «التكافلية» بين نتنياهو وحركة المقاومة الفلسطينية، ظلّت «محل ملاحظة لسنوات عديدة، من قبل الأصدقاء والأعداء»، حسب الشبكة الأمريكية، التى أشارت إلى أن إيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق، قال لإذاعة الجيش الإسرائيلى، فى ٢٠١٩، إن «استراتيجية نتنياهو هى إبقاء حماس حية ومزدهرة، حتى على حساب التخلى عن المواطنين فى الجنوب، من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية فى رام الله»، وفى كتابهما «انتفاضة»، الصادر سنة ١٩٩٠، ذكر الإسرائيليان إيهود يعارى وزئيف شيف أن «إسرائيل أسهمت بشكل ملموس فى تطور الحركة الإسلامية التى بزغ نجمها مع بدء الانتفاضة الأولى، لأنها رأت أنه بإمكانها «السيطرة على الإسلاميين وتوظيف صعودهم على حساب نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية».
الاتهام نفسه، سبق أن ردّده الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وحسن عصفور، الوزير الفلسطينى السابق، على شاشة «بى بى سى» البريطانية، فى سبتمبر الماضى، ورون بول، عضو مجلس النواب الأمريكى، و... و... والأهم من نفى «حماس» هذا الاتهام، هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلى وصفه بأنه «سخيف» و«كذبة كبيرة»، وقال، مؤخرًا، فى حوار مع شبكة «أكسل سبرينجر» الألمانية: «لن تخوض الحرب ٣ مرات مع حماس أو تقوم بعمليات عسكرية كبيرة ضدها إذا كنت تريد دعمها». غير أن جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية كانت قد ذكرت، فى ١٢ مارس ٢٠١٩، أن نتنياهو دافع عن نفسه أمام كتلة «حزب الليكود»، فى الكنيست، بأن «السماح بتحويل الأموال إلى غزة، بانتظام، أضعف السلطة الفلسطينية»، وأنه «جزء من استراتيجية أوسع لإبقاء حماس والسلطة الفلسطينية منفصلتين».
نقلت الجريدة الأمريكية عن نتنياهو، أيضًا، أن «كل من ضد الدولة الفلسطينية يجب أن يكون مع تحويل الأموال إلى غزة، لأن الحفاظ على الفصل بين السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية وحماس فى غزة يساعد فى منع إقامة دولة فلسطينية». كما سبق أن نقلت جريدة «وول ستريت جورنال» عن يوسى كوبرفاسر، رئيس الأبحاث السابق لدى المخابرات العسكرية الإسرائيلية، أن «الفكرة كانت مساعدة حماس فى حكم غزة، حتى توفر الحركة نوعًا من القيادة الهادئة والمسئولة، وألا تشارك فى هجمات إرهابية».
.. وتبقى الإشارة إلى أن كلام، أو اتهام، رئيس الدبلوماسية الأوروبية الحكومة الإسرائيلية بتمويل حركة المقاومة الفلسطينية، أو زعمه بأن إسرائيل هى التى أسست الحركة بنفسها، جاء قبل ٧٢ ساعة من اجتماعه مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى، فى بروكسل، لمناقشة الأوضاع فى أوكرانيا والشرق الأوسط. كما جاء، أيضًا، بعد ساعات من قيام التكتل الأوروبى بفرض عقوبات على ستة أفراد، قال إنهم من أكبر ممولى حركة حماس، وتأكيده، فى بيان، أن القائمة ستجرى مراجعتها وتجديدها أو تعديلها، إذا اقتضى الأمر، لتشمل «كل من يقدمون الدعم المادى أو المالى» لحماس أو لحركة الجهاد الإسلامى.