شيخ صنعة "الكانيه" بالإسكندرية: تعلمتها من 65 عامًا.. "وزباينى كانوا يونان وطليان"
بداخل أحد الأحياء العتيقة التي تعد أصل مدينة الإسكندرية ومنبع الحرف التراثية، والمهن القديمة، جلس "العم سعيد" الرجل السبعيني أمام دكان صغير، بأحد أزقة منطقة العطارين، يغزل من أعواد الخيزران خلايا دقيقة تشبه خليه النحل، فبرغم كبر سنه إلا أنه مازال يملك المهارة والدقة والفن الذي يجعل من يعرفه يصفه بأنه صنايعي "إيديه تتلف ف حرير".
"زباينا كانوا خواجات وناس بتحب الذوق الراقي، عشان صنعتنا أساسها فن ودقة" كلمات وصف بها عم سعيد محمد 75عامًا، أحد شيوخ مهنة وفن الكانيه "الخيزران" بالإسكندرية لـ "الدستور" كيف كانت تعد تلك الصنعة فنا وتراثا منذ سنوات طويلة.
يوضح عم سعيد أن مهنة "الكانيه" هي حرفة دقيقة تنتج قطعا فنية عالية الذوق، مشيرًا إلى أنه بدأ في تعلم هذه الحرفة منذ أن كان في العاشرة من عمره وعلى مدار سنوات طويلة أصبحت مهنته التي لا يعرف غيرها، وتعلمها بحب وقضى بها نحو 65 عامًا، وتعدد زبائنه بين أهالي المدينة ليس السكندريون فقط، بل من جميع الجنسيات سواء يونانيين أو إيطاليين، وغيرهم، الذين يقدروا هذا الفن.
على الرغم من التحاقه بالمدرسة، لكن كان هناك شيء يربطه بهذه الورشة أو الدكان الصغير الذي يمتلكه خاله صنايعي "الكانيه" الذي تعلم فنونها واشتهر به، فكان هو يخرج من المدرسة متوجهًا إلى الورشة يشاهد كيف يتم تجميع الأعواد لتكون شكلًا جماليًا، ثم أصبح يتواجد في الإجازات بشكل مستمر، وبعد انتهائه من المرحلة الثانوية، قرر عم سعيد أن تصبح الصنعة الذى تربي عليها هي مهنته ليتعمق بفنونها أكثر ويتوارث المهنة والورشة القديمة عن خاله.
يشير "شيخ الصنعة" عم سعيد إلى أن خام الخيزران يستورد من عدة دول منها فرنسا وإسبانيا وإندونيسيا، ومع ارتفاع الأسعار أصبح الحصول عليه ليس سهلا، فضلًا عن عدم إقبال الشباب الصغير على تعلم مثل هذه المهن التي تستلزم العمل لساعات وأيام في قطعة منها، حيث يمكن أن يستغرق كرسي أسبوعين عمل، قائلًا: “الشباب عايزين المكسب السريع وقليل اللى عاوز يبقى صاحب صنعة”، لافتًا إلى أن المهنة أصبحت مندثرة وقليلٌ من يعرفها.
ولفت إلى أن قطع الأثاث التي يدخل بها فن الكانيه متعددة، حيث يمكن تصنيع كرسي أو تربيزة أو ظهر وجوانب سرير من الخيزران، وتتميز بأن شكلها يكون مميزا فهي قطعة فنية كانت تزين القصور والمنازل الفاخرة وبيوت محبي العمل اليدوي، مشيرًا إلى أن صعوبة هذه المهنة هي الدقة وتعتمد على النظر واليد الحرفية فتتم حياكة أعواد الخيزران في 6 مراحل تصنع صفوف أفقية ورأسية ومائلة لتكون قطعة مجدولة بدقة وتثبت في القطعة الخشبية من الأثاث لتكون الجزء الأساسي بها.
ويرى عم سعيد أن فن "الكانيه" لا بد أن يستمر، فهناك العديد من الورش والمصانع في محافظة دمياط وهي أساس جميع مهن الأثاث وعليهم أن يستمروا في تلك المهنة، مشيرًا إلى أن على الرغم من اندثار المهنة في الإسكندرية وعدم الإقبال عليها، لكنه يأمل استمرارها لأنها فن وإبداع وتراث يجب الحفاظ عليه.